للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

لفظ أول فِي بعض الرِّوَايَات. قلت: وَقَوله: لِأَن جعل: من، بِمَعْنى: من أجل، قَلِيل، غير مُسلم، بل هُوَ كثير فِي الْكَلَام لِأَن أحد مَعَاني: من، للتَّعْلِيل كَمَا عرف فِي مَوْضِعه. وَقَوله: وَأَيْضًا فقد ثَبت لفظ أول فِي بعض الرِّوَايَات مُجَرّد دَعْوَى فَلَا تقبل إلَاّ بِبَيَان. وَقَوله: حَتَّى يضعوا، بِكَلِمَة: حَتَّى الَّتِي للغاية رِوَايَة الْكشميهني، وَفِي رِوَايَة غَيره حِين يضعون فَفِي الأول حذفت النُّون من: يضعون، لِأَن أَن الناصبة مقدرَة بعد كلمة: حَتَّى، وعلامة النصب فِي الْجمع سُقُوط النُّون، وَسَأَلَ الْكرْمَانِي فِي هَذَا الْموضع: بِأَن الْمَفْهُوم من هَذَا التَّرْكِيب أَن السّلف كَانُوا يبتدئون بالشَّيْء الآخر إِذْ نفي النَّفْي إِثْبَات، وَهُوَ نقيض الْمَقْصُود؟ ثمَّ أجَاب بقوله: إِن لفظ: مَا كَانُوا، تَأْكِيد للنَّفْي السَّابِق أَو هُوَ ابْتِدَاء الْكَلَام. قَوْله: (أُمِّي) ، هِيَ أَسمَاء بنت أبي بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، زَوْجَة الزبير، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. قَوْله: (وَأُخْتهَا) أَي: أُخْت أُمِّي، وَهِي: عَائِشَة زوج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَوْله: (فَلَمَّا مسحوا الرُّكْن حلوا) ، مَعْنَاهُ: طافوا وَسعوا وحلقوا حلوا، وَإِنَّمَا حذفت هَذِه المقدرات للْعلم بهَا. وَقَالَ الْكرْمَانِي: فَإِن قلت: هَذَا منَاف لقَوْله: إنَّهُمَا لَا يحلان، وَمَا الْفَائِدَة فِي ذكره؟ قلت: الأول فِي الْحَج وَالثَّانِي فِي الْعمرَة وغرضه أَنهم كَانُوا إِذا أَحْرمُوا بِالْعُمْرَةِ يحلونَ بعد الطّواف ليعلم أَنهم إِذا لم يحلوا بعده لم يَكُونُوا معتمرين وَلَا فاسخين لِلْحَجِّ إِلَيْهَا، وَذَلِكَ لِأَن الطّواف فِي الْحَج للقدوم وَفِي الْعمرَة للركن، ثمَّ إعلم أَن الدَّاودِيّ قَالَ: مَا ذكر من حج عُثْمَان هُوَ من كَلَام عُرْوَة، وَمَا قبله من كَلَام عَائِشَة، وَقَالَ أَبُو عبد الْملك: مُنْتَهى حَدِيث عَائِشَة عِنْد قَوْله: ثمَّ لم تكن عمْرَة، وَمن قَوْله: ثمَّ حج إبو بكر ... إِلَى آخِره من كَلَام عُرْوَة. قلت: على قَول الدَّاودِيّ يكون الحَدِيث كُله مُتَّصِلا، وعَلى قَول أبي عبد الْملك: يكون بعضه مُنْقَطِعًا لِأَن عُرْوَة لم يدْرك أَبَا بكر وَلَا عمر، بل أدْرك عُثْمَان، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.

ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ: احْتج بِهِ من يرى بِوُجُوب الطَّهَارَة للطَّواف كَالصَّلَاةِ، وَلَا حجَّة لَهُم فِي ذَلِك، لِأَن قلوه: إِنَّه تَوَضَّأ لَا يدل على وجوب الطَّهَارَة قطعا لاحْتِمَال أَن يكون وضوءه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام على وَجه الِاسْتِحْبَاب. وَقَالَ صَاحب (التَّوْضِيح) : الدَّلِيل على الْوُجُوب أَن الطّواف مُجمل فِي قَوْله تَعَالَى: {وليطوفوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيق} (الْحَج: ٩٢) . وَفعله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خرج مخرج الْبَيَان. قلت: لَا نسلم أَنه مُجمل، إِذْ مَعْنَاهُ الدوران حول الْبَيْت فَإِن قلت قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (الطّواف) بِالْبَيْتِ صَلَاة قلت التَّشْبِيه لَا عُمُوم لَهُ وَلِهَذَا لَا رُكُوع فِيهَا وَلَا سُجُود وَلَو كَانَ حَقِيقَة لَكَانَ احْتَاجَ إِلَى تَحْلِيل وَتَسْلِيم وَاحْتج بِهِ أَيْضا من يرى أَن الْأَفْرَاد بِالْحَجِّ هُوَ الْأَفْضَل وَلَا حجَّة لَهُم فِي ذَلِك لوُجُود أَحَادِيث كَثِيرَة دلّت على أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ قَارنا وَقد ذكرنَا الإختلاف فِيهِ فِي هَذَا الْكتاب وَالله أعلم.

(بَاب وجوب الصَّفَا والمروة وَجعل من شَعَائِر الله)

أَي هَذَا بَاب فِي بَيَان وجوب السَّعْي بَين الصَّفَا والمروة وَإِنَّمَا قَدرنَا هَكَذَا لِأَن الْوُجُوب يتَعَلَّق بالأفعال لَا بالذوات قَالَ الْجَوْهَرِي الصَّفَا مَوضِع بِمَكَّة وَهُوَ فِي الأَصْل جمع صفاة وَهِي صَخْرَة ملساء وَيجمع على أصفاء وَصفا وصغى على وزن فعول. والصفا أَيْضا اسْم بِالْبَحْرَيْنِ والصفا بِالْمدِّ خلاف الكدر.

والمروة مروة السَّعْي الَّتِي تذكر مَعَ الصَّفَا وَهُوَ أحد رأسيه الَّذِي يتنهي السَّعْي إِلَيْهِمَا وَهُوَ فِي الأَصْل حجر أَبيض براق وَقيل هِيَ الَّتِي يقْدَح مِنْهَا النَّار قَوْله (وَجعل) على صِيغَة الْمَجْهُول أَي جعل وجوب السَّعْي بَين الصَّفَا والمروة كَمَا ذكرنَا وَقَالَ صَاحب التَّلْوِيح وَجعل من شَعَائِر الله كَذَا فِي نُسْخَة السماع وَفِي أُخْرَى وَجعلا أَي الصَّفَا والمروة والشعائر جمع شعيرَة وَقيل هِيَ جمع شعارة بالكسرة كَذَا فِي الموعب وَقَالَ الْجَوْهَرِي الشعائر أَعمال الْحَج وكل مَا جعل علما لطاعة الله تَعَالَى وَقَالَ أَبُو عبيد وَاحِدَة الشعائر شعيرَة وَهُوَ مَا ؤشعر لهى ألى الْبَيْت الله تَعَالَى وَقَالَ الزّجاج هِيَ جَمِيع متعبدات الله الَّتِي أشعرها الله أَي جعلهَا أَعلَى مَا لنا وَهِي كل مَا كُنَّا من موقف أَو مسعى أَو مذبح وَإِنَّمَا قيل الشعائر لكل عمل مِمَّا تعبد بِهِ لِأَن قَوْلهم شَعرت بِهِ عَلمته فَلهَذَا سميت الأعلامالتي هِيَ متعبدات لله شَعَائِر. وَقَالَ الْحسن شَعَائِر الله دين الله تَعَالَى.

حَدثنَا أَبُو الْيَمَان قَالَ أخبرنَا شُعَيْب عَن الزُّهْرِيّ قَالَ عُرْوَة سَأَلت عَائِشَة رَضِي الله

<<  <  ج: ص:  >  >>