وَهُوَ الشَّاب الْقوي، فالمفتي يُقَوي كَلَامه فِيمَا أشكل فِيهِ فَيصير فتيا قَوِيا. قَوْله: {قل الله يفتيكم فِيهِنَّ} (النِّسَاء: ١٢٧) ، أَي: فِي توريثهن، وَكَانَت الْعَرَب لَا تورث النِّسَاء وَالصبيان. قَوْله: (وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُم فِي الْكتاب) ، أُرِيد بِهِ مَا ذكر قبل هَذِه الْآيَة وَهُوَ قَوْله تَعَالَى: {وَإِن خِفْتُمْ أَن لَا تقسطوا فِي الْيَتَامَى فأنكحوا مَا طَابَ لكم من النِّسَاء} (النِّسَاء: ٣) الْآيَة. وَالَّذِي كتب فِي النِّسَاء هُوَ قَوْله تَعَالَى: {فِي يتامى النِّسَاء الرتي لَا تؤتونهن مَا كتب لَهُنَّ} الْآيَة.
٢٤ - (بَاب: {وَإنْ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلَها نُشُوزا أوْ إعْراضا} (النِّسَاء: ١٢٨)
كَذَا وَقع عِنْد جَمِيع الروَاة بِغَيْر ذكر لفظ: بَاب، وَوَقع فِي بعض النّسخ، فَالظَّاهِر أَنه من بعض النّسخ. قَوْله: (وَإِن امْرَأَة خَافت) أَي: إِن خَافت امْرَأَة من بَعْلهَا أَي: من زَوجهَا. قَوْله: (نُشُوزًا) وَهُوَ الترفع عَنْهَا وَمنع النَّفَقَة وَترك الْمَوَدَّة الَّتِي بَين الرجل وَالْمَرْأَة وإيذاؤها بسب أَو ضرب أَو نَحْو ذَلِك، قَوْله: (وإعراضا) أَي: وخافت إعْرَاضًا، وَهُوَ أَن يعرض عَنْهَا بِأَن يقل محادثتها ومؤانستها وَذَلِكَ لبَعض الْأَسْبَاب من طعن فِي سنّ أَو سيء فِي خلق أَو خلق أَو دمامة أَو ملال أَو طموح عين إِلَى أُخْرَى أَو غير ذَلِك، وَجَوَابه قَوْله: (فَلَا جنَاح عَلَيْهِمَا أَن يصالحا بَينهمَا صلحا) وَالصُّلْح بَينهمَا أَن يتصالحا على أَن تطيب لَهُ نفسا عَن الْقِسْمَة أَو عَن بَعْضهَا كَمَا فعلت سَوْدَة بنت زَمعَة حِين كرهت أَن يفارقها رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَعرفت مَكَان عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، عِنْده، فَوهبت لَهَا يَوْمهَا. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: وقرىء: (تصالحا) وتصالحا، بِمَعْنى يتصالحا ويصطلحا. ثمَّ قَالَ الله تَعَالَى: {وَالصُّلْح خير} أَي: من الْفِرَاق.
وَقَالَ ابنُ عَبَّاسٍ شِقاقٌ تَفَاسُدٌ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {إِن خِفْتُمْ شقَاق بَينهمَا} (النِّسَاء: ٣٥) أَي: بَين الزَّوْجَيْنِ، وَذكر عَن ابْن عَبَّاس بِالتَّعْلِيقِ أَنه فسر الشقاق الْمَذْكُور فِي الْآيَة بالمفاسد، وَوَصله ابْن أبي حَاتِم من طَرِيق عَليّ بن أبي طَلْحَة عَن ابْن عَبَّاس، قَالَ: الشقاق الْعَدَاوَة لِأَن كلاًّ من المتعاديين فِي شقّ خلاف صَاحبه، وَكَانَ مَوضِع ذكر هَذَا فِيمَا قبل، على مَا لَا يخفى.
وَأَحْضِرَتِ الأَنْفَسُ الشُحِّ هَوَاهُ فِي الشَيْءِ يَحْرِصُ عَلَيْهِ كَالمُعَلَقَةِ لَا هِيَ أيْمٌ وَلا ذَاتَ زَوْجٍ.
أَشَارَ بقوله: (وأحضرت الْأَنْفس الشُّح) إِلَى أَنه هُوَ الْمَذْكُور بعد قَوْله تَعَالَى: {الصُّلْح خبر} ثمَّ فسره بقوله: هَوَاهُ، فِي الشَّيْء يحرص عَلَيْهِ، وَهُوَ الْمَرْوِيّ أَيْضا عَن ابْن عَبَّاس رَوَاهُ عَنهُ ابْن أبي حَاتِم من طَرِيق مُعَاوِيَة بن صَالح عَن عَليّ بن أبي طَلْحَة وَيُقَال: الشُّح الْبُخْل مَعَ الْحِرْص، وَقيل: الإفراط فِي الْحِرْص. قَوْله: (كالمعلقة) ، أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {فنذروها كالمعلقة} (النِّسَاء: ٢٩) أَي: كَالْمَرْأَةِ الْمُعَلقَة
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute