أَيْضا من حَدِيث ثَابت (عَن أنس بن مَالك، قَالَ: كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يفْطر على رطبات قبل أَن يُصَلِّي، فَإِن لم يكن رطبات فتمرات، فَإِن لم يكن تمرات حسا حسوات من مَاء) . ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث حسن غَرِيب، وَقَالَ شَيخنَا زين الدّين، رَحمَه الله، هَذَا مُخَالف لما يَقُول أَصْحَابنَا من اسْتِحْبَاب الْإِفْطَار على شَيْء حُلْو، وعللوه بِأَن الصَّوْم يضعف الْبَصَر والإفطار على الحلو يُقَوي الْبَصَر، لَكِن لم يذكر فِي الحَدِيث بعد التَّمْر إلَاّ المَاء، فَلَعَلَّهُ خرج مخرج الْغَالِب فِي الْمَدِينَة من وجود الرطب فِي زَمَنه، وَوُجُود التَّمْر فِي بَقِيَّة السّنة، وتيسير المَاء بعدهمَا بِخِلَاف الحلو أَو الْعَسَل، وَإِن كَانَ الْعَسَل مَوْجُودا عِنْدهم لَكِن يحْتَاج إِلَى مَا يحمل فِيهِ إِذا كَانُوا خَارج مَنَازِلهمْ، أَو فِي الْأَسْفَار. وَاسْتحبَّ القَاضِي حُسَيْن أَن يكون فطره على مَاء يتَنَاوَلهُ بِيَدِهِ من النَّهر وَنَحْوه حرصا على طلب الْحَلَال للفطر لغَلَبَة الشُّبُهَات فِي المآكل. وروينا عَن ابْن عمر أَنه كَانَ رُبمَا أفطر على الْجِمَاع، رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ من رِوَايَة مُحَمَّد ابْن سِيرِين عَنهُ، وَإِسْنَاده حسن، وَذَلِكَ يحْتَمل أَمريْن: أَحدهمَا: أَن يكون ذَلِك لغَلَبَة الشَّهْوَة وَإِن كَانَ الصَّوْم يكسر الشَّهْوَة. وَالثَّانِي: أَن يكون لتحَقّق الْحل من أَهله، وَرُبمَا يردد فِي بعض المأكولات. وَفِي (الْمُسْتَدْرك) : عَن قَتَادَة عَن أنس أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ لَا يُصَلِّي الْمغرب حَتَّى يفْطر، وَلَو على شربة من مَاء، وَذهب ابْن حزم إِلَى وجوب الْفطر على التَّمْر إِن وجده. فَإِن لم يجده فعلى المَاء، وَإِن لم يفعل فَهُوَ عاصٍ، وَلَا يبطل صَوْمه بذلك.
٦٥٩١ - حدَّثنا مُسَدَّدٌ قَالَ حدَّثنا عَبْدُ الوَاحِدِ قَالَ حدَّثنا الشَّيْبَانِيُّ قَالَ سَمِعْتُ عَبْدَ الله بنَ أبِي أوْفَى رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ سِرْنَا مَعَ رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وهْوَ صَائِمٌ فلَمَّا غَرَبَتِ الشَّمْسُ قَالَ انْزِلْ فاجْدَحْ لَنا قَالَ يَا رسولَ الله لَوْ أمْسَيْتَ قَالَ انْزِل فاجْدَحْ لَنا قَالَ يَا رسولَ الله إنَّ عَلَيْكَ نَهَارا قَالَ انزِلْ فاجْدَحْ لَنا فنَزَلَ فجَدَحَ ثُمَّ قَالَ إذَا رَأيْتُمْ اللَّيْلَ أقْبَلَ مِنْ هَهُنا فَقَدْ أفْطَرَ الصَّائِمُ وأشَارَ بأصْبُعِهِ قِبَلَ المَشْرِقِ. .
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن الجدح هُوَ تَحْرِيك السويق بِالْمَاءِ وتخويضه، وَفِيه المَاء وَغَيره، والترجمة بِالْمَاءِ وَغَيره، والْحَدِيث تقدم. قَوْله: (فَنزل) أَي: عبد الله بن أبي أوفى هَذَا الَّذِي يَقْتَضِيهِ سِيَاق الْكَلَام، وَلَكِن رَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَن مُسَدّد شيخ البُخَارِيّ، وَفِيه: (فَقَالَ: يَا بِلَال إنزل) إِلَى آخِره، وَأخرجه الْإِسْمَاعِيلِيّ وَأَبُو نعيم من طرق عبد الْوَاحِد بن زِيَاد شيخ مُسَدّد فِيهِ، فاتفقت رواياتهم على قَوْله: يَا فلَان، فلعلها تصحفت بقوله: (يَا بِلَال) ، وَقَالَ بَعضهم، فِي الحَدِيث الَّذِي قبله من رِوَايَة خَالِد عَن الشَّيْبَانِيّ: يَا فلَان، وَجَاء فِي حَدِيث عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، رَوَاهُ ابْن خُزَيْمَة قَالَ: قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (إِذا أقبل اللَّيْل) إِلَى آخِره. فَيحْتَمل أَن يكون الْمُخَاطب بذلك عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فَإِن الحَدِيث وَاحِد، فَلَمَّا كَانَ عمر هُوَ الْمَقُول لَهُ: إِذا أقبل اللَّيْل، إِلَى آخِره احْتمل أَن يكون هُوَ الْمَقُول لَهُ: اجدح. انْتهى. قلت: هَذَا احْتِمَال بعيد، لِأَنَّهُ لَا يسْتَلْزم قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لعمر: إِذا أقبل اللَّيْل، أَن يكون الْمَأْمُور بالجدح لَهُم عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، مَعَ وجود بِلَال هُنَاكَ، الَّذِي هُوَ صَاحب شرابه ومتولي خدمته، وَقَوله أَيْضا: فَإِن الحَدِيث وَاحِد، فِيهِ نظر لَا يخفى. قَوْله: (فجدح لنا) ، كَلَام أنس، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. قَوْله: (ثمَّ قَالَ: أَي: النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) .
٥٤
- (بابُ تَعْجِيلِ الإفْطَارِ
(
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان اسْتِحْبَاب تَعْجِيل الْإِفْطَار للصَّائِم، وروى عبد الرَّزَّاق بِإِسْنَاد صَحِيح عَن عَمْرو بن مَيْمُون الأودي قَالَ: كَانَ أَصْحَاب مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أسْرع النَّاس إفطارا وأبطأهم سحورا. وَقَالَ أَبُو عمر: أَحَادِيث تَعْجِيل الْإِفْطَار وَتَأْخِير السّحُور صِحَاح متواترة، وروى التِّرْمِذِيّ من حَدِيث أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (قَالَ الله عز وَجل: أحب عبَادي إليَّ أعجلهم فطرا) ، وَالْعلَّة فِيهِ أَن الْيَهُود والنصاري يؤخرون، وروى الْحَاكِم من حَدِيث سهل بن سعد، قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (لَا تزَال أمتِي على سنتي مَا لم تنْتَظر بفطرها النُّجُوم) . وَقَالَ: هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح على شَرط الشَّيْخَيْنِ وَلم يخرجَاهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute