وَخَالف ذَلِك الحافظان أَبُو نعيم والطرقي فَقَالَا: رَوَاهُ البُخَارِيّ عَن أصبغ، وَلَئِن سلمنَا صِحَة مَا وَقع فِي الْأُصُول وَأَنه رَوَاهُ عَنهُ مُعَلّقا فقد رَوَاهُ الْإِسْمَاعِيلِيّ: حَدثنَا ابْن الْهَاد حَدثنَا أصبغ أَخْبرنِي ابْن وهب، وَقد وَقع فِي كتاب الطرقي: رَوَاهُ البُخَارِيّ ابْن مُحَمَّد وَهُوَ غير صَحِيح لِأَنَّهُ لَيْسَ للْبُخَارِيّ شيخ اسْمه أصبغ بن مُحَمَّد، وَلَا فِي الْكتب السِّتَّة. والْحَدِيث من أَفْرَاده.
قَوْله:(إِنِّي رجل شَاب وَأَنا أَخَاف) وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: وَإِنِّي أَخَاف، وَكَذَا فِي رِوَايَة حَرْمَلَة. قَوْله:(الْعَنَت) بِفَتْح النُّون وبالتاء الْمُثَنَّاة من فَوق وَهُوَ الْحمل على الْمَكْرُوه. وَقد عنت يعنت من بَاب علم يعلم، والعنت الْإِثْم، وَقد عنت اكْتسب إِثْمًا، والعنت الْفُجُور وَالزِّنَا وكل شاقٍ ذكره فِي الْمُنْتَهى وَفِي التَّهْذِيب: الإعنات تَكْلِيف غير الطَّاقَة، وَقَالَ ابْن الْأَنْبَارِي: أصل الْعَنَت التَّشْدِيد، وَالْمرَاد بِهِ هَهُنَا الزِّنَا. قَوْله:(جف الْقَلَم بِمَا أَنْت لاقٍ) أَي: نفذ الْمُقدر بِمَا كتب فِي اللَّوْح الْمَحْفُوظ فَبَقيَ الْقَلَم الَّذِي كتب بِهِ جافا لَا مداد فِيهِ لفراغ مَا كتب بِهِ. قَوْله:(فاختص) صورته صُورَة أَمر من الاختصاء، وَلَكِن هَذَا من قبيل قَوْله تَعَالَى:{فَمن شَاءَ فليؤمن وَمن شَاءَ فليكفر}(الْكَهْف: ٩٢) وَلَيْسَ الْأَمر فِيهِ لطلب الْفِعْل بل هُوَ للتهديد، وَحَاصِل الْمَعْنى: إِن فعلت أَو لم تفعل فَلَا بُد من نُفُوذ الْقدر، وَوَقع فِي بعض الْأُصُول اقْتصر، مَوضِع اخْتصَّ. وَكَذَا وَقع فِي المصابيح فَإِن صحت فَلَا حَاجَة إِلَى تَأْوِيل الأول. قَوْله:(على ذَلِك) كلمة: على، مُتَعَلقَة بمقدر مَحْذُوف أَي: اخْتصَّ حَال استعلائك على الْعلم بِأَن الْكل بِتَقْدِير الله عز وَجل قَالَ القَاضِي الْبَيْضَاوِيّ: الْمَعْنى أَن الِاقْتِصَار على التَّقْدِير وَالتَّسْلِيم لَهُ وَتَركه الْإِعْرَاض عَنهُ سَوَاء. فَإِن مَا قدر لَك من خير أَو شَرّ فَهُوَ لَا محَالة يَأْتِيك، وَمَا لم يكْتب فَلَا طَرِيق لَك إِلَى حُصُوله. وَقَالَ الطَّيِّبِيّ: أَي اقْتصر على مَا ذكرت لَك وَارْضَ بِقَضَاء الله تَعَالَى أَو ذَر مَا ذكرته وامضلشأنك واختص، فَيكون تهديدا. وَقَالَ الْكرْمَانِي: وَقَالَ بَعضهم: مَعْنَاهُ قد سبق فِي قَضَاء الله تَعَالَى جَمِيع مَا يصدر عَنْك ويلاقيك فاقتصر على ذَلِك، فَإِن الْأُمُور مقدرَة أودعهُ فَلَا تخض فِيهِ. قَوْله:(أَو ذَر) ، أَي: أَو اترك، وَهُوَ أَمر من يذر، وَقَالَت: الصرفيون، أماتوا ماضي يذر ويدع. قلت: قد جَاءَ ماضي يدع فِي قَوْله تَعَالَى: {مَا وَدعك}(الضُّحَى: ٣) قرىء بِالتَّخْفِيفِ فَإِن قيل: لم يُؤمر أَبُو هُرَيْرَة بالصيام لكسر شَهْوَته كم أَمر بِهِ غَيره، وَأجِيب بِأَن لغالب من حَال أبي هُرَيْرَة كَانَ الصَّوْم لِأَنَّهُ منأهل الصّفة وَكَانُوا مستمرين على الصَّوْم، وَقيل: وَقع ذَلِك فِي الْغَزْو كَمَا وَقع لِابْنِ مَسْعُود، وَكَانُوا فِي الْغَزْو يؤثرون الْفطر على الصّيام للتقوي على الْقِتَال فأداه اجْتِهَاده فِي حسم مَادَّة الشَّهْوَة بالاختصاء، كَمَا ظهر لعُثْمَان بن مَظْعُون فَمَنعه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
٩ - (بابُ نِكاحِ الأبْكارِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان نِكَاح الْأَبْكَار، وَهُوَ جمع بكر، وَالْبكْر خلاف الثّيّب ويقعان على الرجل وَالْمَرْأَة. وَمِنْه: الْبكر بالبكر جلد مائَة وَنفي سنة.
وَقَالَ ابنُ أبي مُليْكَةَ، قَالَ ابنُ عبَّاسٍ لَعائِشَةَ: لَمْ يَنْكحِ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بكْرا غَيْرَكِ
ابْن أبي مليكَة هُوَ عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكَة. بِضَم الْمِيم واسْمه زُهَيْر بن عبد الله التَّيْمِيّ الْأَحول الْمَكِّيّ القَاضِي على عهد ابْن الزبير، وَهَذَا الَّذِي قَالَه طرف من حَدِيث وَصله البُخَارِيّ فِي تَفْسِير سُورَة النُّور.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله:(لم يتَزَوَّج بكرا غَيرهَا) وَإِسْمَاعِيل بن أبي أويس بن أُخْت مَالك بن أنس وَأَخُوهُ عبد الحميد وَسليمَان هُوَ ابْن بِلَال. والْحَدِيث من أَفْرَاده.
قَوْله:(أَرَأَيْت) أَي: أَخْبرنِي. قَوْله:(وَفِيه شَجَرَة قد أكل مِنْهَا وَوجدت شَجرا لم يُؤْكَل مِنْهَا) كَذَا وَقع فِي رِوَايَة أبي ذَر، وَفِي رِوَايَة غَيره: وَوجدت شَجَرَة، وَذكره الْحميدِي بِلَفْظ: فِيهِ