فَالْحَدِيث يدل على الأول والأثر يدل على الثَّانِي وَلكنه غير مُطَابق للتَّرْجَمَة وكل مَا كَانَ من هَذَا الْقَبِيل فِيهِ تعسف وَلَا يقرب من الْمُوَافقَة إِلَّا بِالْجَرِّ الثقيل (ذكر رِجَاله) وهم خَمْسَة. الأول أَبُو نعيم. الثَّانِي زُهَيْر بن مُعَاوِيَة بن خديج الْجعْفِيّ. الثَّالِث مَنْصُور بن صَفِيَّة بنت شيبَة وَأَبُو مَنْصُور عبد الرَّحْمَن الحَجبي الْعَبدَرِي الْمَكِّيّ كَانَ يحجب الْبَيْت وَهُوَ شيخ كَبِير وَإِنَّمَا نسب مَنْصُور إِلَى أمه لِأَنَّهُ اشْتهر بهَا وَلِأَنَّهُ روى عَنْهَا. الرَّابِع صَفِيَّة بنت شيبَة. الْخَامِس عَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا. (بَيَان لطائف إِسْنَاده) فِيهِ التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي مَوضِع وَاحِد وبصيغة الْإِفْرَاد فِي موضِعين وَفِيه السماع فِي مَوضِع وَاحِد والعنعنة كَذَلِك وَفِيه أَن رُوَاته مَا بَين كُوفِي ومكي. (ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره) أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي التَّوْحِيد عَن قبيصَة عَن سُفْيَان الثَّوْريّ وَأخرجه مُسلم فِي الطَّهَارَة عَن يحيى بن يحيى عَن دَاوُد بن عبد الرَّحْمَن الْمَكِّيّ وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ عَن مُحَمَّد بن كثير عَن سُفْيَان الثَّوْريّ وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم وَعلي بن حجر كِلَاهُمَا عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة وَأخرجه ابْن ماجة عَن مُحَمَّد بن يحيى عَن عبد الرَّزَّاق عَن سُفْيَان الثَّوْريّ أربعتهم عَن مَنْصُور بن عبد الرَّحْمَن بِهِ (ذكر مَعْنَاهُ وَغَيره) قَوْله " يتكيء فِي حجري " قَالَ الْقُرْطُبِيّ كَذَا صَوَابه وَوَقع فِي رِوَايَة العذري " حُجْرَتي " بتاء مثناة من فَوق وَهُوَ وهم " قَوْله " يتكيء " بِالْهَمْزَةِ من بَاب الافتعال أَصله يوتكيء قلبت الْوَاو تَاء وأدغمت التَّاء فِي التَّاء وثلاثيه وكأ وَهِي جملَة فِي مَحل النصب لِأَنَّهَا خبر كَانَ قَوْله " وَأَنا حَائِض " جملَة اسمية وَقعت حَالا قَالَ الْكرْمَانِي أما من فَاعل يتكيء وَأما من الْمُضَاف إِلَيْهِ وَهُوَ يَاء الْمُتَكَلّم قلت من فَاعل يتكيء لَا وَجه لَهُ على مَا لَا يخفى وَمَا هِيَ إِلَّا من يَاء الْمُتَكَلّم فِي حجري وَلَا يمْنَع وُقُوع الْحَال من الْمُضَاف إِلَيْهِ إِذا كَانَ بَين الْمُضَاف والمضاف إِلَيْهِ شدَّة الِاتِّصَال كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَاتبع مِلَّة إِبْرَاهِيم حَنِيفا} وَكلمَة فِي فِي قَوْله " فِي حجري " بِمَعْنى على كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {لأصلبنكم فِي جُذُوع النّخل} أَي على جُذُوع النّخل فَإِن قلت مَا فَائِدَة الْعُدُول عَنهُ قلت لبَيَان التَّمَكُّن فِيهِ كتمكن المظروف فِي الظّرْف قَوْله " فَيقْرَأ الْقُرْآن " وَفِي رِوَايَة البُخَارِيّ فِي التَّوْحِيد " كَانَ يقْرَأ الْقُرْآن وَرَأسه فِي حجري وَأَنا حَائِض " فعلى هَذَا المُرَاد بالاتكاء مَوضِع رَأسه فِي حجرها. وَقَالَ ابْن دَقِيق الْعِيد فِي هَذَا القَوْل إِشَارَة إِلَى أَن الْحَائِض لَا يقْرَأ الْقُرْآن لِأَن قرَاءَتهَا لَو كَانَت جَائِزَة لما توهم امْتنَاع الْقِرَاءَة فِي حجرها حَتَّى احْتِيجَ إِلَى التَّنْصِيص عَلَيْهَا. وَفِيه جَوَاز ملامسة الْحَائِض لِأَنَّهَا طَاهِرَة. وَفِيه جَوَاز الْقِرَاءَة بِقرب مَحل النَّجَاسَة قَالَه النَّوَوِيّ قلت فِيهِ نظر لِأَن الْحَائِض طَاهِرَة والنجاسة هُوَ الدَّم وَهُوَ غير طَاهِر فِي كل وَقت من أَوْقَات الْحيض فعلى هَذَا لَا يكره قِرَاءَة الْقُرْآن بحذاء بَيت الْخَلَاء وَمَعَ هَذَا يَنْبَغِي أَن يكره تَعْظِيمًا لِلْقُرْآنِ لِأَن مَا قرب إِلَى الشَّيْء يَأْخُذ حكمه. وَفِيه جَوَاز استناد الْمَرِيض فِي صلَاته إِلَى الْحَائِض إِذا كَانَت ثِيَابهَا طَاهِرَة قَالَه الْقُرْطُبِيّ وَفِيه نظر.
٤ - (بابُ مَنْ سَمَّى النِّفَاسَ حَيْضاً)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان من سمى النّفاس حيضا، وَكَانَ يَنْبَغِي أَن يَقُول: بَاب من سمى الْحيض للنفاساً، لِأَن فِي حَدِيث الْبَاب (فَقَالَ: أنفست , أَي: أحضت؟) أطلق على الْحيض النّفاس، وَقَالَ ابْن بطال: لم يجد البُخَارِيّ للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نصا فِي النّفاس، وَحكم دَمهَا فِي الْمدَّة الْمُخْتَلفَة، وسمى الْحيض نفاساً فِي هَذَا الحَدِيث، فهم مِنْهُ أَن حكم دم النُّفَسَاء حكم دم الْحيض فِي ترك الصَّلَاة، لِأَنَّهُ إِذا كَانَ الْحيض نفاساً وَجب أَن يكون النّفاس حيضا لاشْتِرَاكهمَا فِي التَّسْمِيَة من جِهَة اللُّغَة لِأَن الدَّم هُوَ النَّفس، وَلزِمَ الحكم لما لم ينص عَلَيْهِ مِمَّا نَص، وَحكم النّفاس ترك الصَّلَاة مَا دَامَ مَوْجُودا وَقَالَ الْخطابِيّ: ترْجم أَبُو عبد الله بقوله: (من سمى النّفاس حيضا) وَالَّذِي ظَنّه من ذَلِك وهم، وأصل هَذِه الْكَلِمَة مَأْخُوذ من النَّفس وَهُوَ الدَّم إلَاّ أَنهم فرقوا فَقَالُوا: نفست، بِفَتْح النُّون، إِذا حَاضَت، وبضم النُّون إِذا ولدت، وَقَالَ الْكرْمَانِي: لَيْسَ الَّذِي ظَنّه وهما لِأَنَّهُ إِذا ثَبت هَذَا الْفرق، وَالرِّوَايَة الَّتِي هِيَ بِالضَّمِّ صَحِيحَة، صَحَّ أَن يُقَال حِينَئِذٍ سمي النّفاس حيضا وَأَيْضًا يحْتَمل أَن الْفرق لم يثبت عِنْده لُغَة، بل وضعت نفست، مَفْتُوح النُّون ومضمومها عندن للنفاس، بِمَعْنى الْولادَة، كَمَا قَالَ بَعضهم بِعَدَمِ الْفرق أَيْضا بِأَن اللَّفْظَيْنِ للْحيض والولادة كليهمَا.
وَقَالَ ابْن الْمُنِير: حَاصله كَيفَ يُطَابق التَّرْجَمَة الحَدِيث وَفِيه تَسْمِيَة الْحيض نفاساً لَا تَسْمِيَة النّفاس حيضا؟ قلت: للتّنْبِيه على أَن حكم النّفاس وَالْحيض فِي مُنَافَاة الصَّلَاة وَنَحْوهَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute