الصَّلَاةِ وإيتَاءُ الزَّكاةِ وأَنْ تُؤَدُّوا إلَيَّ خُمُسَ مَا غَنِمْتُمْ وَأَنْهَى عنِ الدُّبَّاءِ والحنتم وَالمُقَيَّرِ والنَّقِيرِ.
مُطَابقَة هَذَا الحَدِيث للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة من حَيْثُ إِن فِي الْآيَة الْمَذْكُورَة اقتران نفي الشّرك بِإِقَامَة الصَّلَاة، وَفِي الحَدِيث: اقتران إِثْبَات التَّوْحِيد بإقامتها؟ فَإِن قلت: كَيفَ الْمُنَاسبَة بَين النَّفْي وَالْإِثْبَات؟ قلت: من جِهَة التضاد لِأَن ذكر أحد المتضادين فِي مُقَابلَة الآخر يعد مُنَاسبَة من هَذِه الْجِهَة.
ذكر رِجَاله وهم أَرْبَعَة: قُتَيْبَة، وَعباد بن عباد المهلبي الْبَصْرِيّ، وَأَبُو جَمْرَة، بِالْجِيم وَالرَّاء واسْمه: نصر بن عمرَان، وَقد أمعنا الْكَلَام فِيهِ فِي بَاب أَدَاء الْخمس من الْإِيمَان، لِأَن هَذَا الحَدِيث ذكر فِيهِ لكنه رَوَاهُ هُنَاكَ عَن عَليّ بن الْجَعْد عَن شُعْبَة عَن أبي جَمْرَة، قَالَ: (كنت أقعد مَعَ ابْن عَبَّاس فيجلسني على سَرِيره، فَقَالَ: أقِم عِنْدِي حَتَّى أجعَل لَك سَهْما من مَالِي، فأقمت مَعَه شَهْرَيْن، ثمَّ قَالَ: إِن وَفد عبد الْقَيْس) الحَدِيث، وَقد ذكرنَا هُنَاكَ أَنه أخرج هَذَا الحَدِيث فِي عشرَة مَوَاضِع وَذكرنَا أَيْضا من أخرجه غَيره.
ذكر لطائف إِسْنَاده فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين. وَفِيه: العنعنة فِي موضِعين. وَفِيه: القَوْل. وَفِيه: عباد وَهُوَ ابْن عباد، كَذَا وَقع فِي رِوَايَة أبي ذَر: بِالْوَاو، وَفِي رِوَايَة غَيره عباد هُوَ ابْن عباد بِدُونِ: الْوَاو. وَفِيه: من وَافق اسْمه اسْم أَبِيه. وَفِيه: أَنه من رباعيات البُخَارِيّ. وَفِيه: أَن رُوَاته مَا بَين بغلاني، وبغلان قَرْيَة من بَلخ، وَهُوَ: قُتَيْبَة. وبصري وَهُوَ: عباد، وَأَبُو جَمْرَة.
ذكر مَعْنَاهُ مُخْتَصرا: قَوْله: (إِن وَفد عبد الْقَيْس) ، الْوَفْد: قوم يَجْتَمعُونَ فيردون الْبِلَاد، وَقَالَ القَاضِي: هم الْقَوْم يأْتونَ الْملك ركبا، وَهُوَ اسْم الْجمع، وَعبد الْقَيْس: أَبُو قَبيلَة، وَهُوَ ابْن أفصى، بِالْفَاءِ: ابْن دعمى، بِالضَّمِّ: ابْن جديلة بن اسد بن ربيعَة بن نذار. قَوْله: (إِنَّا هَذَا الْحَيّ) بِالنّصب على الِاخْتِصَاص. قَوْله: (من الربيعة خبرلان وَرَبِيعَة هُوَ ابْن نزار بن معد بن عدنان وانما قَالُوا ربيعَة لَان عبد الْقَيْس من اولاده قَوْله (إلَاّ فِي الشَّهْر الْحَرَام) ، المُرَاد بِهِ الْجِنْس، فَيتَنَاوَل الْأَشْهر الْحرم الْأَرْبَعَة: رَجَب، وَذَا الْقعدَة وَذَا الْحجَّة وَالْمحرم. قَوْله: (تَأْخُذهُ) ، بِالرَّفْع على أَنه اسْتِئْنَاف، وَلَيْسَ جَوَابا لِلْأَمْرِ بِقَرِينَة عطف نَدْعُو عَلَيْهِ مَرْفُوعا. قَوْله: (من وَرَاءَنَا) فِي مَحل النصب على أَنه مفعول: نَدْعُو. قَوْله: (ثمَّ فَسرهَا) ، إِنَّمَا أَنْت الضَّمِير نظرا إِلَى أَن المُرَاد من الْإِيمَان الشَّهَادَة وَإِلَى أَنه خصْلَة، إِذا التَّقْدِير: آمركُم بِأَرْبَع خِصَال. فَإِن قلت: لِمَ لَمْ يذكر الصَّوْم هَهُنَا؟ مَعَ أَنه ذكر فِي بَاب أَدَاء الْخمس من الْإِيمَان حَيْثُ قَالَ: (وإقام الصَّلَاة وإيتاء الزَّكَاة وَصِيَام رَمَضَان)) ، وَالْحَال أَن الصَّوْم كَانَ وَاجِبا حينئذٍ لِأَن وفادتهم كَانَت عَام الْفَتْح، وَإِيجَاب الصَّوْم فِي السّنة الثَّانِيَة من الْهِجْرَة. قلت: قَالَ ابْن الصّلاح: وَأما عدم ذكر الصَّوْم فِيهِ فَهُوَ إغفال من الرَّاوِي وَلَيْسَ من الِاخْتِلَاف الصَّادِر عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَوْله: (الدُّبَّاء) ، بِضَم الدَّال وَتَشْديد الْبَاء الْمُوَحدَة وبالمد، وَقد تقصر وَقد تكسر الدَّال: وَهُوَ اليقطين الْيَابِس، وَهُوَ جمع، والواحدة: دباءة، وَمن قصر قَالَ: دباة و: (الحنتم) ، بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَسُكُون النُّون وَفتح التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق، وَهِي الجرار الْخضر تضرب الى الْحمرَة، و: (النقير) ، بِفَتْح النُّون وَكسر الْقَاف، وَهُوَ جذع ينقر وَسطه وينبذ فِيهِ، و: (المقير) ، بِضَم الْمِيم وَفتح الْقَاف وَتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف: وَهُوَ المطلى بالقار، وَهُوَ الزفت وَفِي بَاب أَدَاء الْخمس من الْإِيمَان: الحنتم والدباء والنقير والمزفت، وَرُبمَا قَالَ: المقير.
فَإِن قلت: مَا مُنَاسبَة نَهْيه، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، عَن الظروف الْمَذْكُورَة وَأمره بأَدَاء الْخمس بمقارنة أمره بِالْإِيمَان وَمَا ذكره مَعَه قلت كَانَ هَؤُلَاءِ الْوَفْد يكثرون الانتباذ فِي الظروف الْمَذْكُورَة فعرفهم مَا يهمهم، ويخشى مِنْهُم مواقعته، وَكَذَلِكَ كَانَ يخْشَى مِنْهُم الْغلُول فِي الْفَيْء فَلذَلِك نَص عَلَيْهِ.
٣ - (بابُ البَيْعَةِ عَلَى إقَامَةِ الصَّلَاةِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان الْبيعَة على إِقَامَة الصَّلَاة. وَقَوله: (إِقَامَة الصَّلَاة) بِالتَّاءِ رِوَايَة كَرِيمَة، وَفِي رِوَايَة غَيرهَا بَاب الْبيعَة على إقَام الصَّلَاة، بِدُونِ: التَّاء، وَهُوَ الأَصْل. والبيعة: هُوَ الْمُبَايعَة على الْإِسْلَام، وَقَالَ ابْن الْأَثِير: الْبيعَة عبارَة عَن المعاقدة على الْإِسْلَام والمعاهدة، كَأَن كل وَاحِد مِنْهُمَا بَاعَ مَا عِنْده من صَاحبه وَأَعْطَاهُ خَالِصَة نَفسه وطاعته ودخيلة أمره.
٥٢٤ - حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ المُثَنَّى قَالَ حدَّثنا يَحْيَى قَالَ حدَّثنا إسْماعِيلُ قَالَ حدَّثنا قَيْسٌ عنْ جَرِيرِ بنِ عَبْدِ الله قالَ بايَعْتُ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَلَى إقَامِ الصَّلَاة وَإيتَاءِ الزَّكاةِ