للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الْمَسْجِد لَا تفوت بِالْجُلُوسِ. وَقَالَ الْمُحب الطَّبَرِيّ: يحْتَمل أَن يُقَال: وقتهما قبل الْجُلُوس وَقت فَضِيلَة وَبعده وَقت جَوَاز، أَو يُقَال: وقتهما قبله أَدَاء وَبعده قَضَاء، وَيحْتَمل أَن يحمل مشروعيتهما بعد الْجُلُوس على مَا إِذا لم يطلّ الْفَصْل.

١٦ - (بابُ الحَدَثِ فِي المَسْجِدِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم الْحَدث الْحَاصِل فِي الْمَسْجِد، وَالْمرَاد مِنْهُ الْحَدث الناقض للْوُضُوء: كَالرِّيحِ وَنَحْوه، وَقد قيل: المُرَاد مِنْهُ فِي الْحَدث أَعم من ذَلِك، وَحكى بَعضهم هَذَا ثمَّ فسره بقوله: أَي مَا لم يحدث سوءا، ثمَّ قَالَ: وَيُؤَيِّدهُ رِوَايَة مُسلم: (مَا لم يحدث فِيهِ، مَا لم يؤذ فِيهِ) ، على أَن الثَّانِيَة تَفْسِير للأولى. قلت: لَا نسلم أَن الثَّانِيَة تَفْسِير للأولى لعدم الْإِبْهَام. غَايَة مَا فِي الْبَاب ذكر فِيهِ شَيْئَيْنِ: أَحدهمَا: حدث الْوضُوء، وَالْآخر: حدث الْإِثْم، على أَن مَالِكًا وَغَيره قد فسروا الْحَدث بِنَقْض الْوضُوء، كَمَا ذكرنَا. فَإِن قلت: قد ذكر ابْن حبيب عَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ أَنه سمع عبد ابْن أبي أوفى يَقُول: هُوَ حدث الْإِثْم. قلت: لَا مُنَافَاة بَين التفسيرين لِكَوْنِهِمَا مصرحين فِي يرواية مُسلم، وَفِي رِوَايَة البُخَارِيّ مقتصرة على تَفْسِير مَالك وَغَيره، وَلِهَذَا فِي رِوَايَة أُخْرَى للْبُخَارِيّ: (مَا لم يؤذ بِحَدَث فِيهِ) ، فَهَذِهِ تصرح أَن المُرَاد من الْأَذَى هُوَ الْحَدث الناقض للْوُضُوء وَعَن هَذَا قَالُوا: إِن رِوَايَة الْجُمْهُور: مَا لم يحدث، فِي الحَدِيث بِالتَّخْفِيفِ، من: الإحداث، لَا بِالتَّشْدِيدِ من: التحديث، كَمَا رَوَاهُ بَعضهم، وَلَيْسَت بصحيحة، وَلِهَذَا قَالَ السفاقسي: لم يذكر التَّشْدِيد أحد. [/ بلشر

٥٤٤٤٠١ - حدّثنا عَبْدُ ابنُ يُوسُفَ قَالَ أخبرنَا مالِكٌ عنْ أبي الزِّنَادِ عنِ الأَعْرَجِ عَنْ أبي هُرَيْرَةَ أَن رسولَ الله قَالَ إِنَّ المَلَائِكَةَ تُصَلِّي عَلَى أحدِكُمْ مَا دَامَ فِي مُصَلَاّهُ الَّذِي صَلَّى فِيهِ مَا لَمْ يحْدِثْ تَقُولُ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ. .

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة لِأَن المُرَاد من قَوْله: (مَا دَامَ فِي مُصَلَّاهُ الَّذِي صلى فِيهِ) هُوَ الْمَسْجِد، يدل على ذَلِك رِوَايَة البُخَارِيّ فِيمَا يتَعَلَّق بالمساجد على مَا يَأْتِي، وَهِي: (فَإِن أحدكُم إِذا تَوَضَّأ فَأحْسن الْوضُوء وأتى الْمَسْجِد لَا يُرِيد إلَاّ الصَّلَاة لم يخط خطْوَة إِلَّا رَفعه ابها دَرَجَة وَحط عَنهُ بهَا خَطِيئَة حَتَّى يدْخل الْمَسْجِد، فَإِذا دخل الْمَسْجِد كَانَ فِي صَلَاة مَا كَانَت تحبسه، وَتصلي الْمَلَائِكَة عَلَيْهِ مَا دَامَ فِي مَجْلِسه الَّذِي يُصَلِّي فِيهِ، اللَّهُمَّ اغْفِر لَهُ، اللَّهُمَّ ارحمه مَا لم يؤذ بِحَدَث فِيهِ) . وَالْأَحَادِيث يُفَسر بَعْضهَا بَعْضًا، فَعلم أَن المُرَاد بقوله: (فِي مُصَلَّاهُ) هُوَ الْمَكَان الَّذِي يُصَلِّي فِيهِ فِي الْمَسْجِد، وَإِن كَانَ بِحَسب اللُّغَة يُطلق على الْمُصَلِّي الَّذِي فِي غير الْمَسْجِد.

ذكر رِجَاله وهم خَمْسَة قذ ذكرُوا غير مرّة، وَأَبُو الزِّنَاد، بِكَسْر الزَّاي الْمُعْجَمَة بعْدهَا النُّون: عبد ابْن ذكْوَان، والأعرج هُوَ: عبد ابْن هُرْمُز.

ذكر لطائف إِسْنَاده فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي مَوضِع وَاحِد. وَفِيه: الْإِخْبَار كَذَلِك. وَفِيه: العنعنة فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع.

ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الصَّلَاة عَن القعْنبِي عَن مَالك وَأخرجه أَبُو دَاوُد أَيْضا فِيهِ عَن القعْنبِي عَن مَالك. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن قُتَيْبَة، وَفِي الْمَلَائِكَة عَن مُحَمَّد بن سَلمَة عَن ابْن الْقَاسِم عَن مَالك بِهِ. وَأخرجه مُسلم من حَدِيث أبي صَالح عَن أبي هُرَيْرَة. وَأخرجه البُخَارِيّ أَيْضا من هَذَا الْوَجْه، وَأخرجه مُسلم أَيْضا من حَدِيث أبي رَافع الصَّائِغ وَمُحَمّد بن سِيرِين عَن أبي هُرَيْرَة، وَيَأْتِي فِي البُخَارِيّ أَيْضا من حَدِيث عبد الرَّحْمَن بن أبي عمْرَة عَن أبي هُرَيْرَة.

ذكر مَعْنَاهُ قَوْله: (إِن الْمَلَائِكَة تصلي) هَكَذَا فِي رِوَايَة الْكشميهني بِزِيَادَة: إِن، وَفِي رِوَايَة غَيره: الْمَلَائِكَة، بِدُونِ: أَن قَالَ بَعضهم: المُرَاد بِالْمَلَائِكَةِ أَو السيارة أَو أَعم من ذَلِك. قلت: الْمَلَائِكَة جمع محلى بِاللَّامِ فَيُفِيد الإستغراق. قَوْله: (فِي مُصَلَّاهُ) ، بِضَم الْمِيم: وَهُوَ اسْم الْمَكَان. قَوْله: (تَقول) بَيَان لقَوْله: (تصلي) وَتَفْسِير لَهُ. قَوْله: (اللَّهُمَّ اغْفِر لَهُ) يَعْنِي: يَا ااغفر لَهُ وارحمه، وَالْفرق بَين الْمَغْفِرَة وَالرَّحْمَة أَن الْمَغْفِرَة ستر الذُّنُوب، وَالرَّحْمَة إفَاضَة الْإِحْسَان إِلَيْهِ.

ذكر مَا يستنبط مِنْهُ: قَالَ السفاقسي: الْحَدث فِي الْمَسْجِد خَطِيئَة يحرم بِهِ الْمُحدث اسْتِغْفَار الْمَلَائِكَة، وَلما لم يكن للْحَدَث فِيهِ كَفَّارَة ترفع

<<  <  ج: ص:  >  >>