مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله:(وَإِنَّمَا الإِمَام جنَّة يُقَاتل من وَرَائه ويُتقى بِهِ) وَسَنَد هَذَا الحَدِيث بهؤلاء الرِّجَال قد مر غير مرّة، وَأَبُو الْيَمَان الحكم بن نَافِع، وَأَبُو الزِّنَاد عبد الله بن ذكْوَان، والأعرج عبد الرَّحْمَن بن هُرْمُز.
وَأخرج النَّسَائِيّ بعض الحَدِيث الإِمَام جنَّة فِي الْبيعَة وَفِي السّير.
قَوْله:(نَحن الْآخرُونَ) أَي: فِي الدُّنْيَا (السَّابِقُونَ) فِي الْآخِرَة، وَهَذِه الْقطعَة مرت فِي كتاب الْوضُوء فِي: بَاب الْبَوْل فِي المَاء الدَّائِم، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ، وَقَالَ: حَدثنَا أَبُو الْيَمَان، قَالَ: أخبرنَا شُعَيْب، قَالَ: أخبرنَا أَبُو الزِّنَاد أَن عبد الرَّحْمَن بن هُرْمُز الْأَعْرَج حَدثهُ أَنه سمع أَبَا هُرَيْرَة أَنه سمع رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: نَحن الْآخرُونَ السَّابِقُونَ، ثمَّ قَالَ: وبإسناده قَالَ: لَا يبولَنَّ ... الحَدِيث. قَوْله:(بِهَذَا الْإِسْنَاد) أَي: الْإِسْنَاد الْمَذْكُور، قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: من أَطَاعَنِي ... إِلَى آخِره، قَالَ الْخطابِيّ: كَانَت قُرَيْش وَمن يليهم من الْعَرَب لَا يعْرفُونَ الْإِمَارَة وَلَا يطيعون غير رُؤَسَاء قبائلهم، فَلَمَّا ولي فِي الْإِسْلَام الْأُمَرَاء أنكرته نُفُوسهم وَامْتنع بَعضهم من الطَّاعَة، وَإِنَّمَا قَالَ لَهُم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَذَا القَوْل ليعلمهم أَن طَاعَة الْأُمَرَاء الَّذين كَانَ يوليهم وَجَبت عَلَيْهِم لطاعة رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَيْسَ هَذَا الْأَمر خَاصّا بِمن بَاشرهُ الشَّارِع بتولية الإِمَام بِهِ كَمَا نبه عَلَيْهِ الْقُرْطُبِيّ، بل هُوَ عَام فِي كل أَمِير عدل للْمُسلمين وَيلْزم مِنْهُ نقيض ذَلِك فِي الْمُخَالفَة وَالْمَعْصِيَة. قَوْله:(وَإِنَّمَا الإِمَام جنَّة) ، بِضَم الْجِيم وَتَشْديد النُّون: أَي: ستْرَة، لِأَنَّهُ يمْنَع الْعَدو من أَذَى الْمُسلمين وَيمْنَع النَّاس بَعضهم من بعض، وَالْجنَّة: الدرْع، وَسمي الْمِجَن مجناً، لِأَنَّهُ يستر بِهِ عِنْد الْقِتَال، وَالْإِمَام كالساتر، وَقَالَ الْهَرَوِيّ: معنى الإِمَام جنَّة أَن يَفِي الإِمَام الزلل والسهو كَمَا يقي الترس صَاحبه من وَقع السِّلَاح، وَقَالَ الْخطابِيّ: يحْتَمل أَن يكون أَرَادَ بِهِ جنَّة فِي الْقِتَال، وَفِيمَا يكون مِنْهُ فِي أمره دون غَيره. قَوْله:(يُقَاتل من وَرَائه) على صِيغَة الْمَجْهُول كَمَا ذَكرْنَاهُ آنفاف، أَي: يُقَاتل مَعَه الْكفَّار والبغاة وَسَائِر أهل الْفساد، فَإِن لم يُقَاتل من وَرَائه وأتى عَلَيْهِ مرج أَمر النَّاس وَأكل الْقوي الضعيفَ وضعيت الْحُدُود والفرائض، وتطاول أهل الْحَرْب إِلَى الْمُسلمين. قَوْله:(وَيَتَّقِي بِهِ) ، مَجْهُول أَيْضا، وَأَصله: يوتقى بِهِ، التَّاء مبدلة من الْوَاو، وَبعد الْإِبْدَال تُدْغَم التَّاء فِي التَّاء، لِأَن أَصله من الْوِقَايَة. وَقَالَ الْمُهلب: معنى يَتَّقِي بِهِ يرجع إِلَيْهِ فِي الرَّأْي وَالْعقل، وَغير ذَلِك. قَوْله:(وَإِن قَالَ بِغَيْرِهِ) أَي: وَأَن أَمر بِغَيْر تقوى الله وعدله، وَالتَّعْبِير عَن الْأَمر بالْقَوْل شَائِع، وَقيل: مَعْنَاهُ، وَإِن فعل بِغَيْرِهِ، وَقَالَ بَعضهم: هَذَا لَيْسَ بِظَاهِر، فَإِنَّهُ قسيم قَوْله: فَإِن أَمر، فَيحمل على أَن المُرَاد: وَإِن أَمر. قلت: الْعَرَب تجْعَل القَوْل عبارَة عَن جَمِيع الْأَفْعَال وتطلقه على غير الْكَلَام وَاللِّسَان، فَتَقول: قَالَ بِيَدِهِ، أَي: أَخذ، وَقَالَ بِرجلِهِ، أَي: مَشى، وَقَالَ بِالْمَاءِ على يَده، أَي: قلب، وَقَالَ يثوبه أَي: رَفعه، فَإِذا كَانَ كَذَلِك لَا يُنكر اسْتِعْمَال: قَالَ، هُنَا بِمَعْنى: فعل، وَقَالَ الْخطابِيّ: قَالَ هُنَا بِمَعْنى: حكم، يُقَال: قَالَ الرجل واقتال إِذا حكم، ثمَّ قيل: إِنَّه هُنَا مُشْتَقّ من القيل، بِفَتْح الْقَاف وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف، وَهُوَ الْملك الَّذِي ينفذ حكمه، وَهَذَا فِي لُغَة حمير. قَوْله:(فَإِن عَلَيْهِ مِنْهُ) أَي: فَإِن الوبال الْحَاصِل عَلَيْهِ لَا على الْمَأْمُور، قَالَ الْكرْمَانِي: وَيحْتَمل أَن يكون بعضه عَلَيْهِ. قلت: هَذَا على تَقْدِير أَن تكون من للتَّبْعِيض، وَالظَّاهِر أَن الْمَأْمُور أَيْضا لَا يَخْلُو عَن