بحراء) ، أَي: اعتكفت بهَا، وَهُوَ بِكَسْر الْحَاء وَتَخْفِيف الرَّاء وبالمد منصرفا على الْأَشْهر، حَبل على يسَار السائر من مَكَّة إِلَى منى. قَوْله: (جواري) ، بِكَسْر الْجِيم أَي: مجاورتي. أَي: اعتكافي. قَوْله: (فَرَأَيْت شَيْئا) ، يحْتَمل أَن يكون المُرَاد بِهِ، رَأَيْت جِبْرِيل، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، وَقد قَالَ: {اقْرَأ باسم رَبك} (اقْرَأ: ١) فَخفت من ذَلِك ثمَّ أتيت خَدِيجَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، فَقلت: دَثرُونِي أَي: غطوني فَنزلت: {يَا أَيهَا المدثر} (المدثر: ١) وَالْجُمْهُور على أَن أول مَا نزل هُوَ {اقْرَأ باسم رَبك} وَفِي هَذَا الحَدِيث استخرج جَابر ذَلِك عَن الحَدِيث بِاجْتِهَادِهِ، وظنه فَلَا يُعَارض الحَدِيث الصَّحِيح الْمَذْكُور فِي أول الْكتاب الصَّرِيح بِأَنَّهُ اقْرَأ أَو تَقول إِن لفظ: أول من الْأُمُور النسبية، فالمدثر يصدق عَلَيْهِ أَنه أول مَا نزل بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا نزل بعده.
٢ - (بَابُ قَوْلِهِ: {قُمْ فَأنْذِرْ} (المدثر: ٢)
أَي: قُم يَا مُحَمَّد من مضجعك قيام عزم وجد فَأَنْذر قَوْمك وَغَيرهم لِأَنَّهُ أطلق الْإِنْذَار.
٣٢٩٤ - حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ بَشَّارٍ حدَّثنا عَبْدُ الرَّحْمانِ بنُ مَهْدُيٍ وَغَيْرُهُ قَالا حَدَّثنا حَرْبُ بنُ شَدَّادٍ عَنْ يَحْيَى بنِ أبِي كَثِيرٍ عَنْ أبِي سَلَمَةَ عَنْ جَابِرِ بنِ عَبْدِ الله رَضِيَ الله عَنْهُمَا عَنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ جَاوَرْتُ بِحَرَاءِ مِثْلَ حَدِيثِ عُثْمَانَ بنِ عُمَرَ عَنْ عَلِيِّ بنِ المُبَارَكَ.
هَذَا طَرِيق آخر فِي حَدِيث جَابر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أخرجه عَن مُحَمَّد بن بشار بالشين الْمُعْجَمَة.
قَوْله: (وَغَيره) ، يشبه أَن يكون أَرَادَ بِهِ أَبَا دَاوُد فَإِن أَبَا نعيم الْأَصْبَهَانِيّ رَوَاهُ عَن أبي إِسْحَاق بن حَمْزَة حَدثنَا أَبُو عوَانَة حَدثنَا مُحَمَّد بن بشار حَدثنَا عبد الرَّحْمَن بن مهْدي وَأَبُو دَاوُد قَالَا: حَدثنَا حَرْب فَذكره. قَوْله: (مثل حَدِيث عُثْمَان ابْن عمر) ، أحَال رِوَايَة حَرْب بن شَدَّاد على رِوَايَة عُثْمَان بن عمر وَلم يخرج هُوَ رِوَايَة عُثْمَان بن عمر، وَهِي عِنْد مُحَمَّد بن بشار شيخ البُخَارِيّ فِيهِ أخرجه أَب عرُوبَة فِي كتاب (الْأَوَائِل) قَالَ: حَدثنَا مُحَمَّد بن بشار حَدثنَا عُثْمَان بن عمر أخبرنَا عَليّ بن الْمُبَارك، وَهَكَذَا أخرجه مُسلم عَن ابْن مثنى عَن عُثْمَان بن عمر عَن عَليّ بن الْمُبَارك.
٣ - (بَابُ قَوْلِهِ: {وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ} (المدثر: ٣)
أَي: هَذَا بَاب فِي قَوْله عز وَجل: {وَرَبك فَكبر} أَي: فَعظم وَلَا تشرك بِهِ، وَهَذَا التَّكْبِير قد يكون فِي الصَّلَاة وَقد يكون فِي غَيرهَا. وَلما نزل ذَلِك قَامَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَكبر فكبرت خَدِيجَة وفرحت وَعلمت أَنه الْوَحْي من الله تَعَالَى، وَالْفَاء على معنى جَوَاب الْجَزَاء أَي: قُم فَكبر رَبك، وَكَذَلِكَ مَا بعده. قَالَ الزّجاج، وَقيل: الْفَاء صلَة كَقَوْلِك: زيدا فَاضْرب.
٤٢٩٤ - حدَّثنا إسْحَاقُ بنُ مَنْصُورٍ حدَّثنا عَبْدُ الصَّمَدِ حدَّثنا حَرْبُ حدَّثنا يَحْيَى قَالَ سَألْتُ أبَا سَلَمَةَ أيُّ القُرْآنَ أُنْزِلَ أوَّلُ افَقَالَ: {يَا أيُّها المُدَثِّرُ} فَقُلْتُ أُنْبِئتُ أنَّهُ {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبَّكَ الَّذِي خَلَقَ} فَقَالَ أبُو سَلَمَةَ سَألْتُ جَابِرَ بنَ عَبْدِ الله أيُّ القُرْآنِ أُنْزِلَ أوَّلُ فَقَال: {يَا أيَّها المُدَّثِّرُ} فَقُلْتُ أُنْبِئْتُ أنَّهُ {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} فَقَالَ لَا أُخْبِرُكَ إلَاّ بِمَا قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جَاوَرْتُ فِي حِرَاءٍ فَلَمَّا قَضَيْتُ جِوَارِي هَبَطْتُ فَاسْتَبْطَنْتُ الوَادِيَ فَنُودِيتُ فَنَظَرْتُ أمَامِي وَخَلْفِي وَعَنْ يَمِينِي وَعَنْ شِمَالِي فَإذَا هُوَ جَالِسٌ عَلَى عَرْشٍ بَيْنَ السَّماءِ وَالأرْضِ فَأتَيْتُ خَدِيجَةَ فَقُلْتُ دَثِّرُونِي وَصُبُّوا عَلَيَّ مَاءً بَارِدا وَأُنْزِلَ عَلَيَّ: {يَا أيُّهَا المُدَّثِّرُ قُمْ فَإنْذِرْ وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ} (المدثر: ١، ٣) .
هَذَا طَرِيق آخر فِي الحَدِيث الْمَذْكُور أخرجه عَن إِسْحَاق بن مَنْصُور بن بهْرَام الكوسج أبي يَعْقُوب الْمروزِي عَن عبد الصَّمد ابْن عبد الْوَارِث الْبَصْرِيّ عَن حَرْب بن شَدَّاد عَن يحيى بن أبي كثير.
قَوْله: (أول) ، قَوْله: (أنبئت) على صِيغَة الْمَجْهُول. أَي: أخْبرت. وَفِي رِوَايَة أبي دَاوُد الطَّيَالِسِيّ عَن حَرْب. قلت: إِنَّه بَلغنِي أَن أول مَا نزل اقْرَأ وَلم يبين يحيى بن أبي كثير من أنبأه بذلك وَلَعَلَّه يُرِيد عُرْوَة بن الزبير، كَمَا لم يبين أَبُو سَلمَة من أنبأه بذلك، وَلَعَلَّه يُرِيد عَائِشَة فَإِن الحَدِيث مَشْهُور عَن