الرِّوَايَة أَن يقف على: لَا، دقيقة حَتَّى يتَبَيَّن للسامع أَن مَا بعده كَلَام مستأنمف، لِأَنَّهُ إِذا وصل بِمَا بعد: لَا يتَوَهَّم للسامع أَنه دُعَاء عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا هُوَ دُعَاء لَهُ. قَوْله: (قَالَ أَبُو هُرَيْرَة) صورته تَعْلِيق، لَكِن ادّعى بَعضهم أَنه مَوْصُول بِالْإِسْنَادِ الأول، وَفِيه تَأمل. قَوْله: (إِن سَمِعت) ، كلمة: إِن، بِكَسْر الْهمزَة وَسُكُون النُّون كلمة نفي. أَي: وَالله مَا سَمِعت بِلَفْظ السكين إلَاّ يَوْمئِذٍ. قَوْله: (المدية) بِضَم الْمِيم، وَقيل: الْمِيم مُثَلّثَة، سمي السكين بهَا لِأَنَّهَا تقطع مدى حَيَاة الْحَيَوَان، وَسمي السكين سكيناً لِأَنَّهُ يسكن حَرَكَة الْحَيَوَان، وَهُوَ يذكر وَيُؤَنث.
١٤ - (بابُ قَوْلِ الله تعالَى {ولَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الحِكْمَةَ أنِ اشْكُرْ لله} إِلَى قَوْلِهِ {إنَّ الله لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} (لُقْمَان: ٢١ ٨١) .)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان مَا جَاءَ فِي قَول الله تَعَالَى: {وَلَقَد آتَيْنَا لُقْمَان الْحِكْمَة أَن أشكر لله وَمن يشْكر فَإِنَّمَا يشْكر لنَفسِهِ وَمن كفر فَإِن الله غَنِي حميد} (لُقْمَان: ٢١ ٨١) .) ، قَوْله: (إِلَى قَوْله) أَي: إقرأ إِلَى قَوْله: {إِن الله لَا يحب كل مختال فخور} (لُقْمَان: ٢١ ٨١) . وَمن قَوْله: {غَنِي حميد} إِلَى قَوْله: {فخور} سِتّ آيَات. قَوْله: (الْحِكْمَة) أَي: الْعقل وَالْعلم وَالْعَمَل بِهِ والإصابة فِي الْأُمُور. قَوْله: (أَن أشكر) ، قيل: لِأَن تشكر الله، وَيجوز أَن تكون: أَن، مفسرة أَي: أشكر الله، وَالتَّقْدِير: قُلْنَا لَهُ: اشكر الله. وَقيل: بدل من الْحِكْمَة. قَوْله: (مختال) ، من الاختيال وَهُوَ أَن يرى لنَفسِهِ طولا على غَيره فيشمخ بِأَنْفِهِ. قَوْله: (فخور) ، يعدد مناقبه تطاولاً.
ولقمان بن باعور بن ناخور بن تارخ وَهُوَ آزر أَب إِبْرَاهِيم، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، كَذَا قَالَه ابْن إِسْحَاق، وَقَالَ مقَاتل: لُقْمَان بن عنقًا بن سدون. وَيُقَال: لُقْمَان بن ثاران، حَكَاهُ السُّهيْلي عَن ابْن جرير والقعنبي، وَقَالَ وهب بن مُنَبّه: لُقْمَان بن عبقر بن مرْثَد بن صَادِق بن التوت من أهل أَيْلَة، ولد على عشر سِنِين خلت من أَيَّام دَاوُد، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، وَقَالَ مقَاتل: كَانَ ابْن أُخْت أَيُّوب، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، وَقيل: ابْن خَاله، وَقَالَ إِبْنِ إِسْحَاق ثمَّ عَاشَ ألف سنة وَأدْركَ دَاوُد، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، وَأخذ عَنهُ الْعلم. وَحكى الثَّعْلَبِيّ عَن ابْن الْمسيب: أَنه كَانَ عبدا أسود عَظِيم الشفتين مشقق الْقَدَمَيْنِ من سودان مصر ذَا مشافر، وَقَالَ الرّبيع: كَانَ عبدا نوبياً اشْتَرَاهُ رجل من بني إِسْرَائِيل بِثَلَاثِينَ دِينَارا وَنصف دِينَار، وَقَالَ السُّهيْلي: كَانَ نوبياً من أَيْلَة، وَعَن ابْن عَبَّاس: كَانَ عبدا حَبَشِيًّا نجاراً، وَقيل: كَانَ خياطاً، وَقيل: كَانَ رَاعيا، وَقيل: كَانَ يحتطب لمَوْلَاهُ حزمة حطب، وَرُوِيَ أَنه كَانَ عبدا لقصاب. وَقَالَ الْوَاقِدِيّ: كَانَ قَاضِيا لبني إِسْرَائِيل فَكَانَ يسكن ببلدة أَيْلَة ومدين، وَقَالَ مقَاتل: كَانَ اسْم أمه: تارات، وَفِي (تَفْسِير النَّسَفِيّ) : وَاتفقَ الْعلمَاء أَنه كَانَ حكيماً وَلم يكن نَبيا إلَاّ عِكْرِمَة فَإِنَّهُ كَانَ يَقُول: إِنَّه كَانَ نَبيا. قَالَ الْوَاقِدِيّ وَالسُّديّ: مَاتَ بأيلة، وَقَالَ قَتَادَة: بالرملة.
ولَا تُصَعِّرْ الإعْرَاضُ بالوَجْهِ
أَشَارَ بِهِ إِلَى مَا فِي قَوْله تَعَالَى: {وَلَا تصعر خدك للنَّاس} (لُقْمَان: ٨١) . وَفسّر: تصعر، بقوله: الْإِعْرَاض بِالْوَجْهِ، وَكَأَنَّهُ جعل الْإِعْرَاض بِمَعْنى التصغير الْمُسْتَفَاد من: لَا تصعر، وَهَكَذَا فسره عِكْرِمَة، أوردهُ عَنهُ الطَّبَرِيّ، وَقَالَ الطَّبَرِيّ: أصل الصعر دَاء يَأْخُذ الْإِبِل فِي أعناقها حَتَّى تلفت أعناقها عَن رؤوسها فَيُشبه بِهِ الرجل المعرض عَن النَّاس المتكبر، وَقِرَاءَة عَاصِم وَابْن كثير: وَلَا تصعر، وَقِرَاءَة الْبَاقُونَ: وَلَا تصاغر، وَقَالَ الطَّبَرِيّ: القراءتان مشهورتان ومعناهما صَحِيح.
٨٢٤٣ - حدَّثنا أَبُو الوَلِيدِ حدَّثنا شُعْبَةُ عنِ الأعْمَشِ عنْ إبْرَاهِيمَ عنْ عَلْقَمَةَ عنْ عَبْدِ الله قَالَ لَ مَّا نَزَلَتِ الَّذِينَ آمَنُوا ولَمْ يَلْبِسُوا إيْمَانَهُمْ بِظُلْمٍ قَالَ أصْحَابُ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إيُّنَا لَمْ يَلْبِسْ إيْمَانَهُ بِظُلْمٍ فنَزَلَتْ {لَا تُشْرِكْ بِاللَّه إنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} (لُقْمَان: ٣١) . .
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله تَعَالَى: {لَا تشرك بِاللَّه ... } إِلَى آخِره، لِأَن الله تَعَالَى قَالَ حِكَايَة عَن لُقْمَان: {وَإِذ قَالَ لُقْمَان لِابْنِهِ وَهُوَ يعظه يَا بني لَا تشرك بِاللَّه إِن الشّرك لظلم عَظِيم} (لُقْمَان: ٣١) . وَأَبُو الْوَلِيد هِشَام بن عبد الْملك، وَإِبْرَاهِيم هُوَ النَّخعِيّ، والْحَدِيث مضى فِي كتاب الْإِيمَان فِي: بَاب ظلم دون ظلم، وَمر الْكَلَام فِيهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute