للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَقَوله بِالْجَرِّ عطف على قَوْله: فِي الْمَشِيئَة والإرادة، وَهَذِه الْآيَات تدل على إِثْبَات الْإِرَادَة لله تَعَالَى والمشيئة، وَأَن الْعباد لَا يُرِيدُونَ شَيْئا إلاّ وَقد سبقت إِرَادَة الله تَعَالَى بِهِ وَأَنه خَالق لأعمالهم طَاعَة كَانَت أَو مَعْصِيّة. فَإِن قلت: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِى أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} يدل على أَنه لَا يُرِيد الْمعْصِيَة؟ قلت: لَيْسَ هَذَا على الْعُمُوم، وَإِنَّمَا هُوَ خَاص فِيمَن ذكر وَلم يكلفه مَا لَا يُطيق فعله، وَهَذَا من الْمُؤمنِينَ المفترض عَلَيْهِم الصّيام، فَالْمَعْنى: يُرِيد الله بكم الْيُسْر الَّذِي هُوَ التَّخْيِير بَين صومكم فِي السّفر وإفطاركم فِيهِ، وَلَا يُرِيد بكم الْعسر الَّذِي هُوَ إلزامكم الصَّوْم فِي السّفر، وَكَذَلِكَ تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى: {إِن تَكْفُرُواْ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِىٌّ عَنكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِن تَشْكُرُواْ يَرْضَهُ لَكُمْ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَّرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} فَإِنَّهُ على الْخُصُوص فِي الْمُؤمنِينَ الَّذين أَرَادَ مِنْهُم الْإِيمَان، فَكَانَ مَا أَرَادَهُ مِنْهُم ذَلِك لَا الْكفْر فَلم يكن.

قَالَ سَعِيدُ بنُ المُسَيَّبِ عنْ أبِيهِ: نَزَلَتْ فِي أبي طالِبٍ.

أَي: قَالَ سعيد عَن أَبِيه الْمسيب بن حزن الْقرشِي المَخْزُومِي، وَكَانَ سعيد ختن أبي هُرَيْرَة على ابْنَته، وَأعلم النَّاس بِحَدِيث أبي هُرَيْرَة، وَالْمُسَيب شهد بيعَة الرضْوَان وَسمع النَّبِي فِي مَوَاضِع تقدم مَوْصُولا بِتَمَامِهِ فِي تَفْسِير سُورَة الْقَصَص، وَكَانَ النَّبِي حَرِيصًا على إِسْلَام أبي طَالب.

(بابُ {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِى أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} )

جعل ابْن بطال هَذَا الْبَاب بَابَيْنِ، وسَاق الأول إِلَى قَوْله: قَالَ سعيد بن الْمسيب، نزلت فِي أبي طَالب، ثمَّ ترْجم بَاب ثمَّ سَاق فِيهِ الْأَحَادِيث، وَقد تعلّقت الْمُعْتَزلَة بِهَذِهِ الْآيَة على أَن الله تَعَالَى لَا يُرِيد الْمعْصِيَة، وَقد ذكرنَا الْجَواب آنِفا.

٧٤٦٤ - حدّثنا مُسَدَّدٌ، حدّثنا عَبْدُ الوَارِثِ، عنْ عَبْدِ العَزِيزِ، عنْ أنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إذَا دَعَوْتُمْ الله فاعْزِمُوا فِي الدُّعاءِ، وَلَا يَقولَنَّ أحَدُكُمْ: إِن شِئْتَ فأعْطِنِي، فإنَّ الله لَا مُسْتَكْرِهَ لهُ

انْظُر الحَدِيث ٦٣٣٨

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: إِن شِئْت

وَعبد الْوَارِث بن سعيد الْبَصْرِيّ، وَعبد الْعَزِيز بن صُهَيْب الْبَصْرِيّ عَن أنس بن مَالك.

والْحَدِيث مضى فِي الدَّعْوَات، عَن مُسَدّد أَيْضا فِي: بَاب ليعزم الْمَسْأَلَة فَإِنَّهُ لَا مكره لَهُ.

قَوْله: فاعزموا من عزمت عَلَيْهِ إِذا أردْت فعله وَقطعت عَلَيْهِ أَي: فَاقْطَعُوا بِالْمَسْأَلَة وَلَا تعلقوها بِالْمَشِيئَةِ. وَقيل: الْعَزْم بِالْمَسْأَلَة الْجَزْم بهَا من غير ضعف فِي الطّلب، وَقيل: هُوَ حسن الظَّن بِاللَّه فِي الْإِجَابَة، وَقيل: فِي التَّعْلِيق صُورَة الِاسْتِغْنَاء عَن الْمَطْلُوب وَمِنْه وَعَن الْمَطْلُوب. قَوْله: لَا مستكره لَهُ أَي: لِأَن التَّعْلِيق يُوهم إِمْكَان إِعْطَائِهِ على غير الْمَشِيئَة، وَلَيْسَ بعد الْمَشِيئَة إِلَّا الْإِكْرَاه، وَالله لَا مكره لَهُ.

٧٤٦٥ - حدّثنا أبُو اليَمانِ، أخبرنَا شُعَيْبٌ عنِ الزُّهْرِيِّ. ح وحدّثنا إسماعِيلُ، حدّثني أخِي عبدُ الحَمِيدِ، عنْ سُلَيْمانَ، عنْ مُحَمَّدِ بنِ أبي عَتِيقٍ، عنِ ابنِ شِهاب، عنْ عَلِيِّ بنِ حُسَيْنٍ أنَّ حُسَيْنَ بنَ عَلِيَ، عَلَيْهِمَا السَّلَامُ، أخْبَرَهُ أنَّ عَلِيَّ بنَ أبي طالِب أخبرَهُ أنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم طَرَقَهُ وفاطِمَةَ بِنْتَ رسولِ الله لَيْلَةً فَقَالَ لَهُمْ: أَلا تُصَلونَ؟ قَالَ عَلِيٌّ: فَقُلْتُ: يَا رَسُول الله إنّما أنْفُسُنا بِيَدِ الله، فَإِذا شاءَ أنْ يَبْعَثَنا بَعَثَنا، فانْصَرَفَ رسولُ الله حِينَ قُلْتُ ذالِك ولَمْ يَرْجِعْ إلَيَّ شَيْئاً، ثُمَّ سَمِعْتُهُ وهْوَ مُدْبِرٌ يَضْرِبُ فَخِذَهُ ويَقُولُ: {وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِى هَاذَا الْقُرْءَانِ لِلنَّاسِ مِن كُلِّ مَثَلٍ وَكَانَ الإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَىءٍ جَدَلاً}

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: إِذا شَاءَ

أخرجه من طَرِيقين الأول: عَن أبي الْيَمَان الحكم بن نَافِع عَن شُعَيْب بن أبي حَمْزَة

<<  <  ج: ص:  >  >>