الْجلد بِدلَالَة قَوْله " الْبَيِّنَة وَإِلَّا حد فِي ظهرك " وَأَنه نسخ الْجلد إِلَى اللّعان. وَفِيه فِي قَوْله لَوْلَا مَا مضى من كتاب الله أَن الحكم إِذا وَقع بِشَرْطِهِ لَا ينْقض وَإِن بَين خِلَافه إِذا لم يَقع خلل أَو تَفْرِيط فِي شَيْء وَفِيه فِي قَوْله الْبَيِّنَة وَإِلَّا حد فِي ظهرك مُرَاجعَة الْخصم الإِمَام إِذا رجا أَن يظْهر لَهُ خلاف مَا قَالَ لَهُ لِأَن قَوْله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - هَذَا كالفتيا وَفِيه أَن الْحُدُود والحقوق يَسْتَوِي فِيهِ الصَّالح وَغَيره قَالَه الدَّاودِيّ (فَإِن قلت) لم سمي هَذَا الحكم لعانا وَلم اختير لفظ اللَّعْن على لفظ الْغَضَب وَمَا الْحِكْمَة فِي مشروعيته (قلت) أما التَّسْمِيَة بِاللّعانِ فلقول الزَّوْج عَليّ لعنة الله إِن كنت من الْكَاذِبين وَاللّعان والتلاعن والملاعنة وَاحِد يُقَال تلاعنا والتعنا ولاعن القَاضِي بَينهمَا وَقيل سمي لعانا لِأَنَّهُ من اللَّعْن وَهُوَ الطَّرْد والإبعاد وَلَا شكّ أَن كل وَاحِد مِنْهُمَا يبعد عَن صَاحبه وَأما وَجه اخْتِيَار لفظ اللَّعْن على لفظ الْغَضَب فَلِأَن لفظ اللَّعْن مقدم فِي الْآيَة الْكَرِيمَة وَفِي صُورَة اللّعان وَلِأَن جَانب الرجل فِيهِ أقوى من جَانب الْمَرْأَة لِأَنَّهُ قَادر على الِابْتِدَاء بِاللّعانِ دونهَا وَأَنه قد يَنْفَكّ لِعَانه عَن لعانها وَلَا ينعكس وَأما مَشْرُوعِيَّة اللّعان فلحفظ الْأَنْسَاب وَدفع المعرة عَن الْأزْوَاج (فَإِن قلت) فَلم جعل اللَّعْن للرجل وَالْغَضَب للْمَرْأَة (قلت) لِأَن الْإِنْسَان لَا يُؤثر أَن يهتك زوجه بالمحال -
٢٢ - (بابُ اليَمِينِ بعْدَ العَصْرِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان مَا جَاءَ فِي الْخَبَر من الْيَمين بعد الْعَصْر.
٢٧٦٢ - حدَّثنا علِيُّ بنُ عَبْدِ الله قَالَ حدَّثنا جَرِيرُ بنُ عَبْدِ الحَمِيدِ عنِ الأعْمَشِ عنْ أبِي صالِحٍ عنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ قَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثَلاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمْ الله ولَا يَنْظُرُ إلَيْهِمْ وَلَا يُزَكِّيهِمْ ولَهُمْ عَذَابٌ ألِيمٌ رَجُلٌ عَلى فَضْلِ ماءٍ بِطَرِيقٍ يَمْنَعُ مِنْهُ ابنَ السَّبِيلِ ورَجُلٌ بايَعَ رَجُلاً لَا يُبَايِعُهُ إلَاّ لِلدُّنْيَا فإنْ أعْطَاهُ مَا يُرِيدُ وَفَى لَهُ وإلَاّ لَمْ يَفِ لَهُ ورَجُلٌ ساوَمَ رَجَلاً بِسِلْعةٍ بَعْدَ العَصْرِ فَحَلَفَ بِاللَّه لَقدْ أعْطَى بهِ كَذَا وكَذَا فأخذَهَا..
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَالْأَعْمَش هُوَ سُلَيْمَان وَأَبُو صَالح ذكْوَان السمان. والْحَدِيث مضى فِي الشّرْب فِي: بَاب الْخُصُومَة فِي الْبِئْر، بأتم مِنْهُ. قَوْله: (بعد الْعَصْر) ، قد ذكرنَا أَن تَخْصِيص هَذَا الْوَقْت بتعظيم الْإِثْم على من حلف فِيهِ كَاذِبًا لشهود مَلَائِكَة اللَّيْل وَالنَّهَار فِي هَذَا الْوَقْت، وَالْأَحْسَن أَن يُقَال: لِأَن فِيهِ ارْتِفَاع الْأَعْمَال، لِأَن هَؤُلَاءِ الْمَلَائِكَة يشْهدُونَ بعد صَلَاة الصُّبْح أَيْضا. قَوْله: (بِهِ) ، أَي: بالمتاع الَّذِي يدل عَلَيْهِ السّلْعَة، ويروى: بهَا، وَهُوَ ظَاهر. قَوْله: (فَأَخذهَا) فِيهِ حذف، أَي: أَخذ الرجل الثَّانِي، وَهُوَ المُشْتَرِي السّلْعَة بذلك الثّمن اعْتِمَادًا على حلفه.
٣٢ - (بابٌ يَحْلِفُ المُدَّعَى عَلَيْهِ حَيْثُمَا وَجَبَتْ عَلَيْهِ الْيَمِينُ وَلَا يُصْرَفُ مِنْ مَوْضِعٍ إِلَى غَيْرِهِ)
أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ أَن الْمُدعى عَلَيْهِ إِذا تَوَجَّهت عَلَيْهِ الْيَمين يحلف حَيْثُ مَا وَجَبت عَلَيْهِ، وَلَا يصرف من مَوْضِعه ذَلِك، وَهَذَا قَول الْحَنَفِيَّة والحنابلة، وَإِلَيْهِ مَال البُخَارِيّ، وَقَالَ ابْن عبد الْبر: جملَة مَذْهَب مَالك فِي هَذَا أَن الْيَمين لَا تكون عِنْد الْمِنْبَر من كل جَامع، وَلَا فِي الْجَامِع حَيْثُ كَانَ، إلَاّ فِي ربع دِينَار فَصَاعِدا، وَمَا دون ذَلِك حلف فِي مجْلِس الْحَاكِم، أَو حَيْثُ شَاءَ من الْمَوَاضِع فِي السُّوق أَو غَيرهَا، وَلَيْسَ عَلَيْهِ التَّوَجُّه إِلَى الْقبْلَة. قَالَ: وَلَا يعرف مَالك منبراً إلَاّ مِنْبَر الْمَدِينَة فَقَط، قَالَ: وَمن أَبى أَن يحلف عِنْده فَهُوَ كالناكل عَن الْيَمين، وَيحلف فِي أَيْمَان الْقسَامَة عِنْد مَالك إِلَى مَكَّة، شرفها الله وعظمها، كل من كَانَ من أَهلهَا فَيحلف بَين الرُّكْن وَالْمقَام، وَكَذَلِكَ الْمَدِينَة، وَيحلف عِنْد الْمِنْبَر، وَحكى أَبُو عبيد: أَن عمر بن عبد الْعَزِيز حمل قوما إتهمهم بفلسطين إِلَى الصَّخْرَة، فَحَلَفُوا عِنْدهَا. وَقَالَ أَبُو عمر: وَذهب الشَّافِعِي إِلَى نَحْو قَول مَالك: إلَاّ أَن الشَّافِعِي لَا يرى الْيَمين عِنْد مِنْبَر الْمَدِينَة، وَلَا بَين الرُّكْن وَالْمقَام بِمَكَّة إلَاّ فِي عشْرين دِينَارا فَصَاعِدا وَقَالَ أَبُو حنيفَة وصاحباه: لَا يجب الِاسْتِحْلَاف عِنْد مِنْبَر النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على أحد، وَلَا بَين الرُّكْن وَالْمقَام على أحد فِي قَلِيل الْأَشْيَاء وَلَا فِي كثيرها، وَلَا فِي الدِّمَاء وَلَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute