وَقَالَ بَعضهم: مفعال من مرصد وَهُوَ مَكَان الرصد. قلت: هَذَا كَلَام من لَيْسَ لَهُ يَد فِي علم التصريف، بل المرصاد هُوَ المرصد وَلَكِن فِيهِ من الْمُبَالغَة مَا لَيْسَ فِي المرصد، وَهُوَ مفعال من رضده كميقات من وقته، وَهَذَا مثل لإرصاده العصاة بِالْعَذَابِ وَأَنَّهُمْ لَا يفوتونه، وَعَن ابْن عَبَّاس: بِحَيْثُ يرى وَيسمع، وَعَن مقَاتل: يرصد النَّاس على الصِّرَاط فَيجْعَل: رصدا من الْمَلَائِكَة مَعَهم الكلاليب والمحاجن والحسك.
تحاضُّونَ: تُحافِظُونَ. وَتَحُضُّونَ: تَأْمُرُونَ بِإطْعَامِهِ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {وَلَا يحضون على طَعَام الْمِسْكِين} (الْفجْر: ٨١) وَهنا قراءتان إِحْدَاهمَا: تحاضون بِالْألف وَهِي قِرَاءَة أهل الْكُوفَة. وَالْأُخْرَى: تحضون، بِلَا ألف وَهِي قِرَاءَة البَاقِينَ، وَعَن الْكسَائي تحاضون بِالضَّمِّ، وَفسّر الَّذِي بِلَا ألف بقوله: تأمرون بإطعامه أَي: إطْعَام مِسْكين.
المُطْمَئِنَةُ المُصَدِّقَةُ بِالثَّوابِ، وَقَالَ الحَسَنُ: يَا أيَّتُها النَّفْسُ إذَا أرَادَ الله عَزَّ وَجَلَّ قَبْضَها اطمآنتْ إلَى الله وَاطمَآنَّ الله إلَيْها وَرَضِيَتْ عَنِ الله وَرَضِيَ الله عَنْها فَأمرَ بِقَبْضِ رُوحها وأدْخَلَها الله الجَنَّةَ وَجَعَلَهُ مِنْ عِبَادِهِ الصَّالِحِينَ.
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {يَا أيتها النَّفس المطمئنة ارجعي إِلَى رَبك} (الْفجْر: ٧٢) بقوله: (المصدقة بالثواب) وَقيل: المطمئنة إِلَى مَا وعد الله المصدقة بِمَا قَالَ، وَعَن ابْن كيسَان: المطمئنة المخلصة، وَعَن ابْن عَطاء: العارفة بِاللَّه تَعَالَى الَّتِي لَا تصبر عَنهُ طرفَة عين، وَقيل: المطمئنة بِذكر الله دَلِيله قَوْله تَعَالَى: {وتطمئن قُلُوبهم بِذكر الله} (الرَّعْد: ٨٢) وَقيل: المتوكلة على الله. قَوْله: (وَقَالَ الْحسن) أَي: الْبَصْرِيّ فِي قَوْله عز وَجل: (يَا أيتها النَّفس) إِلَى آخِره وتأنيث الضمائر فِيهِ فِي الْمَوَاضِع السَّبْعَة ظَاهر لِأَنَّهَا ترجع إِلَى النَّفس. وَفِي قَوْله: (وَجعله بالتذكير) بِاعْتِبَار الشَّخْص، وَوَقع فِي رِوَايَة الْكشميهني بالتأنيث فِي ثَلَاث مَوَاضِع فَقَط، وَهِي قَوْله: وَاطْمَأَنَّ الله إِلَيْهَا، وَرَضي الله تَعَالَى عَنْهَا، وأدخلها الله الْجنَّة. وَهَذَا التَّعْلِيق رَوَاهُ ابْن أبي حَاتِم من طَرِيق حَفْص عَنهُ، وَإِسْنَاده الاطمئنان إِلَى الله تَعَالَى مجَاز يُرِيد بِهِ لَازمه وغايته من نَحْو إِيصَال الْخَيْر إِلَيْهِ وَفِيه المشاكلة، والرضى هُوَ ترك الِاعْتِرَاض.
وَقَالَ غَيْرُهُ: جَابُوا نَقَبُوا مِنْ جَيْبِ القَمِيصِ قُطِعَ لَهُ جَيْبٌ يَجُوبُ الفلاة يَقْطَعُها
أَي: قَالَ غير الْحسن فِي قَوْله تَعَالَى: {وَثَمُود الَّذين جابوا الصخر بالواد} (الْفجْر: ٩) وَفسّر: (جابوا) بقوله: (نقبوا) . قَوْله: (من جيب الْقَمِيص) أَشَارَ إِلَى أَن أصل الجيب الْقطع، وَمِنْه يُقَال: جبت الْقَمِيص إِذا قطعت لَهُ جيبا وَكَذَلِكَ يجوب الفلاة أَي: يقطعهَا. وَقَالَ الْفراء جابوا الصخر: خرقوه فاتخذوه بُيُوتًا.
لَمَّا: لَمْمتُهُ أجْمَعَ أتَيْتُ عَلَى آخِرِهِ
لم يثبت هَذَا لأبي ذَر، وسقوطه أولى لِأَنَّهُ مُكَرر ذكر مرّة عَن قريب، وَمَعَ هَذَا لَو ذكر هُنَاكَ لَكَانَ أولى.
٠٩ - (سُورةُ: {لَا أُقْسِمُ} )
أَي: هَذَا فِي تَفْسِير بعض سُورَة: {لَا أقسم بِهَذَا الْبَلَد} (الْبَلَد: ١) وَيُقَال لَهَا أَيْضا: سُورَة الْبَلَد، وَهِي مَكِّيَّة، وَهِي ثَلَاثمِائَة وعشرو حرفا، وَاثْنَتَانِ وَثَمَانُونَ كلمة وَعِشْرُونَ آيَة.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {وَأَنْتَ حِلٌّ بِهاذا البَلَدِ} (الْبَلَد: ٢) مَكَّةَ لَيْسَ عَلَيْكَ مَا عَلَى النَّاسِ فِيهِ