الصَّوْم، وَهَذَا يلْزم مِنْهُ أَن يكون فِي رَمَضَان، لِأَنَّهُ شهر الصَّوْم، وَقد جَاءَ صَرِيحًا فِي رِوَايَة مُسلم: (كَانَ يقبل فِي رَمَضَان وَهُوَ صَائِم) . فَإِن قلت: لَا يلْزم من قَوْله: (فِي رَمَضَان) ، أَن يكون بِالنَّهَارِ؟ قلت: فِي رِوَايَة عَن عَائِشَة فِي (الصَّحِيحَيْنِ) (كَانَ يقبل ويباشر وَهُوَ صَائِم) ، فَبين أَن ذَلِك فِي حَالَة الصّيام.
٩٢٩١ - حدَّثنا مُسَدَّدٌ قَالَ حدَّثنا يَحْيَى عنْ هِشَامِ بنِ أبِي عَبْدِ الله قَالَ حدَّثنا يَحْيَى بنُ أبِي كَثِيرٍ عنْ أبِي سلَمَةَ عنْ زَيْنَبَ ابْنَةِ أُمِّ سَلَمَةَ عنْ أُمِّهَا رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا قالَتْ بَيْنَمَا أنَا مَعَ رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الخَمِيلَةِ إذْ حِضْتُ فانْسَلَلْتُ فأخَذْتُ ثَيَابَ حِيضَتِي فَقَالَ مَا لَكِ أنَفِسْتِ قُلْتُ نَعَمْ فدَخَلْتُ مَعَهُ فِي الخَمِيلَةِ وكانَتْ هِيَ ورسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَغْتَسِلَانِ مِنْ إنَاءٍ واحِدٍ وكانَ يُقَبِّلُها وهُوَ صَائِمٌ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (وَكَانَ يقبلهَا وَهُوَ صَائِم) ، والْحَدِيث مضى فِي كتاب الْحيض فِي: بَاب من سمى النّفاس حيضا فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ: عَن مكي بن إِبْرَاهِيم عَن هِشَام ... إِلَى آخِره، وَزَاد هُنَا، قَوْله: (وَكَانَت هِيَ) إِلَى آخِره، وَهُنَاكَ: (بَينا أَنا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مُضْطَجِعَة فِي خميصة) ، وَهنا: (فَدخلت مَعَه فِي الخميلة) ، وَهُنَاكَ: (فاضطجعت مَعَه فِي الخميلة) ، وَيحيى هُوَ الْقطَّان، وَهِشَام هُوَ الدستوَائي، والخميلة، بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة: ثوب من صوف لَهُ علم. قَوْله: (حيضتي) بِكَسْر الْحَاء، قَوْله: (أنفست؟) الصَّحِيح فِيهِ أَنه بِفَتْح النُّون وَكسر الْفَاء: مَعْنَاهُ أحضتِ؟ وَبَقِيَّة المباحث مرت هُنَاكَ.
٥٢ - (بابُ اغْتِسَالِ الصَّائِمِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم الِاغْتِسَال للصَّائِم وَهُوَ جَوَازه، قيل: إِنَّمَا أطلق الِاغْتِسَال ليشْمل جَمِيع أَنْوَاعه من الْفَرْض وَالسّنة وَغَيرهمَا، وَقَالَ بَعضهم: وَكَأَنَّهُ يُشِير إِلَى ضعف مَا رُوِيَ عَن عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، من النَّهْي عَن دُخُول الصَّائِم الْحمام، أخرجه عبد الرَّزَّاق، وَفِي إِسْنَاده ضعف، وَاعْتَمدهُ الْحَنَفِيَّة فكرهوا الِاغْتِسَال للصَّائِم. انْتهى. قلت: قَوْله: كَأَنَّهُ يُشِير، كَلَام كَاد أَن يكون عَبَثا، لِأَنَّهُ لَا يَصح أَن يُرَاد بِالْإِشَارَةِ مَعْنَاهَا اللّغَوِيّ، وَلَا مَعْنَاهَا الاصطلاحي، وَقَوله: وَاعْتَمدهُ الْحَنَفِيَّة، غير صَحِيح على إِطْلَاقه، لِأَن قَوْله: كَرهُوا الِاغْتِسَال للصَّائِم، رِوَايَة عَن أبي حنيفَة غير مُعْتَمد عَلَيْهَا، وَالْمذهب الْمُخْتَار أَنه لَا يكره، ذكره الْحسن عَن أبي حنيفَة، نبه عَلَيْهِ صَاحب (الْوَاقِعَات) وَذكر فِي (الرَّوْضَة) و (جَوَامِع الْفِقْه) : لَا يكره الِاغْتِسَال وبل الثَّوْب وصب المَاء على الرَّأْس للْحرّ، وروى أَبُو دَاوُد بِسَنَد صَحِيح عَن أبي بكر بن عبد الرَّحْمَن عَن بعض أَصْحَاب النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: لقد رَأَيْت النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بالعرج يصب على رَأسه المَاء وَهُوَ صَائِم من الْحر، أَو من الْعَطش) . وَفِي (المُصَنّف) : حَدثنَا أَزْهَر عَن ابْن عون: كَانَ ابْن سِيرِين لَا يرى بَأْسا أَن يبل الثَّوْب، ثمَّ يلقيه على وَجهه، وَحدثنَا يحيى ابْن سعيد عَن عُثْمَان بن أبي الْعَاصِ أَنه كَانَ يصب عَلَيْهِ المَاء وَيروح عَنهُ وَهُوَ صَائِم.
وبَلَّ ابنُ عُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا ثَوْبا فألْقَاهُ عَلَيْهِ وهُوَ صَائِمٌ
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، لِأَن الثَّوْب المبلول إِذا ألقِي على الْبدن بل الْبدن، فَيُشبه الْبدن الَّذِي سكب عَلَيْهِ المَاء. قَوْله: (فَأَلْقَاهُ عَلَيْهِ) ، رِوَايَة الْكشميهني وَفِي رِوَايَة غَيره: (فألقي عَلَيْهِ) ، على صِيغَة الْمَجْهُول، فَكَأَنَّهُ أَمر غَيره وألقاه عَلَيْهِ. قَوْله: (وَهُوَ صَائِم) جملَة وَقعت حَالا. هَذَا التَّعْلِيق رَوَاهُ ابْن أبي شيبَة عَن يحيى بن سعيد عَن عبد الله بن أبي عُثْمَان، (قَالَ: رَأَيْت ابْن عمر يبل الثَّوْب ثمَّ يلقيه عَلَيْهِ) ، وَقَالَ بَعضهم: وَأَرَادَ البُخَارِيّ بأثر ابْن عمر هَذَا مُعَارضَة مَا جَاءَ عَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ بأقوى مِنْهُ، فَإِن وكيعا روى عَن الْحسن بن صَالح عَن مغيره عَنهُ أَنه كَانَ يكره للصَّائِم بل الثِّيَاب. قلت: هَذَا كَلَام صادر من غير تَأمل فَأَنَّهُ اعْترف أَن الَّذِي رَوَاهُ إِبْرَاهِيم أقوى من الَّذِي ذكره البُخَارِيّ مُعَلّقا، فَكيف تصح الْمُعَارضَة حِينَئِذٍ؟ بل الَّذِي يُقَال: إِنَّه أَرَادَ بِهِ الْإِشَارَة إِلَى مَا روى عَن ابْن عمر من فعله ذَلِك، فَافْهَم.
ودَخَلَ الشَّعْبِيُّ الحَمَّامَ وهُوَ صَائِمٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute