إِلَيْهِ من حَائِض وجنب وَغَيرهمَا، وَكَذَا قالته أم سَلمَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، وَذكر ابْن أبي شيبَة عَن ابْن أبي ليلى، وَسُئِلَ عَن رجل سرق من الْكَعْبَة، فَقَالَ: لَيْسَ عَلَيْهِ قطع؟ وَيُقَال: الظَّاهِر جَوَاز قسْمَة الْكسْوَة العتيقة إِذْ بَقَاؤُهَا تَعْرِيض لفسادها بِخِلَاف النَّقْدَيْنِ.
٩٤ - (بابُ هَدْمِ الكَعْبَةِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي ذكر هدم الْكَعْبَة فِي آخر الزَّمَان.
قالَتْ عَائِشَةُ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا قَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَغْزُو جَيْشٌ الْكَعْبَةَ فَيُخْسَفُ بِهِمْ
هَذَا طرف من حَدِيث ذكره البُخَارِيّ مَوْصُولا فِي أَوَائِل الْبيُوع من طَرِيق نَافِع بن جُبَير عَن عَائِشَة بِلَفْظ: (يَغْزُو جَيش الْكَعْبَة حَتَّى إِذا كَانُوا ببيداء من الأَرْض خسف بأولهم وَآخرهمْ، ثمَّ يبعثون على نياتهم) وَسَيَأْتِي الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ، إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
قَوْله: (قَالَت عَائِشَة) ، هَكَذَا وَقع فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين بِغَيْر وَاو، وَفِي رِوَايَة أبي ذَر: وَقَالَت، بِالْوَاو، ومطابقة هَذَا الْمُعَلق للتَّرْجَمَة من حَيْثُ أَن غَزْو الْكَعْبَة فِي هَذَا مُقَدّمَة لهدمها، لِأَن غزوها يَقع مرَّتَيْنِ، فَفِي الأولى: هلاكهم، وَفِي الثَّانِيَة: هدمها، ومقدمة الشَّيْء تَابِعَة لَهُ. فَافْهَم.
٥٩٥١ - حدَّثنا عَمْرُو بنُ عَلِيّ قَالَ حدَّثنا يَحْيَى بنُ سَعِيدٍ قَالَ حدَّثنا عُبَيْدُ الله بنُ الأخْنَسِ قَالَ حدَّثني ابنُ أبي مُلَيْكَةَ عنِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ كأنِّي بِهِ أسْوَدَ أفْحَجَ يَقْلَعُهَا حَجَرا حَجَرا.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
ذكر رِجَاله: وهم: خَمْسَة: الأول: عَمْرو، بِفَتْح الْعين: ابْن عَليّ بن يحيى بن كثير أَبُو حَفْص الْبَاهِلِيّ الصَّيْرَفِي. الثَّانِي: يحيى بن سعيد الْقطَّان. الثَّالِث: عبيد الله بتصغير عبد بن الْأَخْنَس، بِفَتْح الْهمزَة وَسُكُون الْخَاء الْمُعْجَمَة وَفتح النُّون وَفِي آخِره سين مُهْملَة: أَبُو مَالك النَّخعِيّ. الرَّابِع: عبد الله بن أبي مليكَة، بِضَم الْمِيم وَفتح اللَّام: هُوَ عبد الله ابْن عبد الرَّحْمَن بن أبي مليكَة، واسْمه زُهَيْر التَّيْمِيّ الْأَحول، القَاضِي على عهد ابْن الزبير. الْخَامِس: عبد الله بن عَبَّاس.
ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع، وبصيغة الْإِفْرَاد فِي مَوضِع. وَفِيه: العنعنة فِي موضِعين. وَفِيه: أَن شَيْخه وَيحيى بصريان وَعبيد الله بن الْأَخْنَس كُوفِي وَابْن أبي مليكَة مكي.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (كَأَنِّي بِهِ) ، الْكَلَام فِي الضَّمِير فِي لفظ: بِهِ، يحْتَمل ثَلَاثَة أوجه: الأول: أَن يعود إِلَى الْبَيْت، والقرينة الحالية تدل عَلَيْهِ، أَي: كَأَنِّي ملتبس بِهِ. الثَّانِي: أَن يعود إِلَى القالع بِالْقَرِينَةِ الحالية أَيْضا. الثَّالِث: مَا قَالَه الطَّيِّبِيّ، وَهُوَ أَنه ضمير مُبْهَم يفسره مَا بعده على أَنه تَمْيِيز، كَقَوْلِه تَعَالَى: {فقضاهن سبع سموات} (فصلت: ٢١) . فَإِن ضمير: هن، هُوَ الْمُبْهم الْمُفَسّر: بِسبع سموات، وَهُوَ تَمْيِيز، وَهَذِه الْأَوْجه صَحِيحَة مَاشِيَة على قَاعِدَة الْعَرَبيَّة، فَلَا يحْتَاج إِلَى تَقْدِير حذف، كَمَا قَالَ بَعضهم، وَالَّذِي يظْهر أَن فِي الحَدِيث شَيْئا حذف، ثمَّ أكد كَلَامه بقوله: وَيحْتَمل أَن يكون هُوَ مَا وَقع فِي حَدِيث عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فِي (غَرِيب الحَدِيث) لأبي عُبَيْدَة من طَرِيق أبي الْعَالِيَة: (عَن عَليّ، قَالَ: استكثروا من الطّواف بِهَذَا الْبَيْت، قبل أَن يُحَال بَيْنكُم وَبَينه، فَكَأَنِّي بِرَجُل من الْحَبَشَة أصلع أَو قَالَ: أصمع حمش السَّاقَيْن، قَاعد عَلَيْهَا وَهِي تهدم) . وَرَوَاهُ الفاكهي من هَذَا الْوَجْه، وَلَفظه: أصعل، بدل: أصلع، وَقَالَ: قَائِما عَلَيْهَا يَهْدِمهَا بمسحاته، وَرَوَاهُ يحيى الْحمانِي فِي مُسْنده من وَجه آخر عَن عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، مَرْفُوعا. انْتهى. قلت: إِنَّمَا يقدر الْحَذف فِي مَوضِع يحْتَاج إِلَيْهِ للضَّرُورَة، وَلَا ضَرُورَة هَهُنَا، ودعواه الظُّهُور غير ظَاهِرَة لِأَنَّهُ لَا وَجه فِي تَقْدِير مَحْذُوف لَا حَاجَة إِلَيْهِ بِمَا جَاءَ فِي أثر عَن صَحَابِيّ، وَلَا يُقَال الْأَحَادِيث يُفَسر بَعْضهَا بَعْضًا، لأَنا نقُول: هَذَا إِنَّمَا يكون عِنْد الِاحْتِيَاج إِلَيْهِ، فَلَا احْتِيَاج هَهُنَا إِلَى ذَلِك. قَوْله: (أسود) ، مَرْفُوع، وَفِي رَفعه وَجْهَان: أَحدهمَا: أَن يكون مُبْتَدأ وَخَبره قَوْله: (يقلعها) ، وَالْجُمْلَة حَال بِدُونِ الْوَاو، وَهَذَا على تَقْدِير أَن يكون الضَّمِير فِي: بِهِ، للبيت، وَالْوَجْه الآخر: أَن يكون ارتفاعه على أَنه خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف، على أَن يكون الضَّمِير للقالع، وَالتَّقْدِير: كَأَنِّي بالقالع هُوَ أسود. وَقَوله: (أفحج) ، خبر بعد خبر، وَيجوز