هُوَ صرف الشَّيْء فِيمَا يَنْبَغِي زَائِدا على مَا يَنْبَغِي بِخِلَاف التبذير فَإِنَّهُ صرف الشَّيْء فِيمَا لَا يَنْبَغِي قَوْله فِيهِ أَي فِي الْوضُوء وَأَشَارَ بذلك إِلَى مَا أخرجه ابْن أبي شيبَة فِي مُصَنفه من طَرِيق هِلَال بن يسَاف أحد التَّابِعين قَالَ كَانَ يُقَال فِي الْوضُوء إِسْرَاف وَلَو كنت على شاطىء نهر وَأخرج نَحوه عَن أبي الدَّرْدَاء وَابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنْهُمَا وروى فِي مَعْنَاهُ حَدِيث مَرْفُوع أخرجه ابْن مَاجَه بِإِسْنَاد لين حَدثنَا ابْن مصفى حَدثنَا بَقِيَّة عَن مُحَمَّد بن الْفضل عَن سَالم عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا رأى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَآله وَسلم رجلا يتَوَضَّأ فَقَالَ لَا تسرف لَا تسرف قَالَ وَحدثنَا مُحَمَّد بن يحيى حَدثنَا قُتَيْبَة حَدثنَا ابْن لَهِيعَة عَن يحيى بن عبد الله عَن الجباني عَن ابْن عَمْرو أَن رَسُول الله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام مر بِسَعْد وَهُوَ يتَوَضَّأ فَقَالَ مَا هَذَا السَّرف قَالَ أَفِي الْوضُوء إِسْرَاف قَالَ نعم وَإِن كنت على نهر جَار وَقَالَ بعض الشَّارِحين قَول البُخَارِيّ هَذَا إِشَارَة إِلَى نقل الْإِجْمَاع على منع الزِّيَادَة على الثَّلَاث قلت وَفِيه نظر فَإِن الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ قَالَ فِي الْأُم لَا أحب الزِّيَادَة عَلَيْهَا فَإِن زَاد لم أكره إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَحَاصِل مَا ذكره الشَّافِعِيَّة فِي الْمَسْأَلَة ثَلَاثَة أوجه. أَصَحهَا أَن الزِّيَادَة عَلَيْهَا مَكْرُوهَة كَرَاهَة تَنْزِيه. وَثَانِيها أَنَّهَا حرَام. وَثَالِثهَا أَنَّهَا خلاف الأولى وَأبْعد قوم فَقَالُوا أَنه إِذا زَاد على الثَّلَاث يبطل الْوضُوء كَمَا لَو زَاد فِي الصَّلَاة حَكَاهُ الدَّارمِيّ فِي استذكاره عَنْهُم وَهُوَ خطأ ظَاهر وَخلاف مَا عَلَيْهِ الْعلمَاء قَوْله وَإِن يجاوزوا عطف على قَوْله الْإِسْرَاف فِيهِ وَهُوَ عطف تفسيري للإسراف إِذْ لَيْسَ المُرَاد بالإسراف إِلَّا الْمُجَاوزَة عَن فعل النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أَي الثَّلَاث وروى ابْن أبي شيبَة فِي مُصَنفه عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ لَيْسَ بعد الثَّلَاث شَيْء وَقَالَ أَحْمد وَإِسْحَق لَا تجوز الزِّيَادَة على الثَّلَاث وَقَالَ ابْن الْمُبَارك لَا آمن إِن يَأْثَم. فَإِن قلت الْمَذْكُور فِي هَذَا الْبَاب كُله تَرْجَمَة فَأَيْنَ الحَدِيث قلت لَا نسلم ذَلِك لِأَن قَوْله وَبَين النَّبِي صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَآله وَسلم أَن فرض الْوضُوء مرّة مرّة حَدِيث لِأَن المُرَاد من الحَدِيث أَعم من قَول الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم غَايَة مَا فِي الْبَاب أَنه ذكره على سَبِيل التَّعْلِيق وَكَذَا قَوْله وَتَوَضَّأ أَيْضا مرَّتَيْنِ مرَّتَيْنِ حَدِيث لما ذكرنَا وَلَا شكّ أَن كلا مِنْهُمَا بَيَان للسّنة وَهُوَ الْمَقْصُود من الْبَاب وَهَذَا الَّذِي ذَكرْنَاهُ على مَا وجد فِي بعض النّسخ من ذكر لفظ بَاب هَهُنَا وَأما على بعض النّسخ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا ذكر لفظ بَاب فَلَا يحْتَاج إِلَى هَذَا التَّكَلُّف
(بَاب لَا تقبل صَلَاة بِغَيْر طهُور)
بَاب منون غير مُضَاف خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف أَي هَذَا بَاب وَفِي بعض النّسخ لَا يقبل الله صَلَاة بِغَيْر طهُور وَهُوَ بِضَم الطَّاء وَهُوَ الْفِعْل الَّذِي هُوَ الْمصدر وَالْمرَاد بِهِ هَهُنَا أَعم من الْوضُوء وَالْغسْل وَلَيْسَ كَمَا قَالَه الْكرْمَانِي وَالْمرَاد بِهِ هَهُنَا الْوضُوء وَأما بِفَتْح الطَّاء فَهُوَ المَاء الَّذِي يتَطَهَّر بِهِ وَتَقْدِيم هَذَا الْبَاب على مَا بعده من الْأَبْوَاب ظَاهر لِأَن الْكتاب فِي أَحْكَام الْوضُوء وَالْغسْل اللَّذين لَا تجوز الصَّلَاة أصلا إِلَّا بِأَحَدِهِمَا وَهَذِه التَّرْجَمَة لفظ حَدِيث رَوَاهُ مُسلم وَغَيره من حَدِيث ابْن عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا بِزِيَادَة قَوْله وَلَا صَدَقَة من غلُول وَأخرجه أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه من طَرِيق أبي الْمليح عَن أَبِيه عَن النَّبِي صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَآله وَسلم قَالَ لَا يقبل الله تَعَالَى صَدَقَة من غلُول وَلَا صَلَاة بِغَيْر طهُور وَله طرق كَثِيرَة لَكِن لَيْسَ فِيهَا شَيْء على شَرط البُخَارِيّ فَلهَذَا عدل عَنهُ إِلَى مَا ذكره من حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ مَعَ أَن حَدِيث ابْن عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا مُطَابق لما ترْجم لَهُ وَحَدِيث أبي هُرَيْرَة يقوم مقَامه
١ - (حَدثنَا إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم الْحَنْظَلِي قَالَ أخبرنَا عبد الرَّزَّاق قَالَ أخبرنَا معمر عَن همام بن مُنَبّه أَنه سمع أَبَا هُرَيْرَة يَقُول قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا تقبل صَلَاة من أحدث حَتَّى يتَوَضَّأ قَالَ رجل من حضر موت مَا الْحَدث يَا أَبَا هُرَيْرَة قَالَ فسَاء أَو ضراط) قيل أَن الحَدِيث لَيْسَ بمطابق للتَّرْجَمَة لِأَن التَّرْجَمَة عَام والْحَدِيث خَاص وَجَوَابه أَنه وَإِن كَانَ خَاصّا وَلكنه يسْتَدلّ بِهِ على أَن الْأَعَمّ مِنْهُ نَحوه بل أولى على أَنا قُلْنَا أَن الْأَحَادِيث الَّتِي تطابق التَّرْجَمَة بِحَسب الظَّاهِر لَيست على شَرطه فَلذَلِك لم يذكرهَا وَحَدِيث أبي هُرَيْرَة هَذَا على شَرطه فَذكره عوضا عَنْهَا لِأَنَّهُ يقوم مقَامهَا من الْوَجْه الَّذِي ذَكرْنَاهُ الْآن
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute