للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ليشْمل جَمِيع أَنْوَاع النعم مُبَالغَة، ثمَّ اعْترف بالتقصير، وَأَنه لم يقم بأَدَاء شكرها ثمَّ بَالغ فعده ذَنبا مُبَالغَة فِي التَّقْصِير وهضم النَّفس. قَوْله: (من قَالَهَا موقناً) أَي: مخلصاً من قلبه مُصدقا بثوابها. قَوْله: (وَمن قَالَهَا من النَّهَار) وَفِي رِوَايَة النَّسَائِيّ: فَمن قَالَهَا قَوْله: (فَمن أهل الْجنَّة) وَفِي رِوَايَة النَّسَائِيّ دخل الْجنَّة، وَفِي رِوَايَة عُثْمَان بن ربيعَة: إلَاّ وَجَبت لَهُ الْجنَّة، قيل: الْمُؤمن وَإِن لم يقلها فَهُوَ من أهل الْجنَّة. وَأجِيب بِأَنَّهُ يدخلهَا ابْتِدَاء من غير دُخُول النَّار لِأَن الْغَالِب أَن الموقن بحقيقتها الْمُؤمن بمضمونها لَا يعْصى الله تَعَالَى، أَو لِأَن الله يعْفُو عَنهُ ببركة هَذَا الاسْتِغْفَار.

٣ - (بابُ اسْتِغْفارِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي اليَوْمِ واللَّيْلَةِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان كمية اسْتِغْفَار النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْيَوْم وَاللَّيْلَة.

٦٣٠٧ - حدَّثنا أبُو اليَمانِ أخبرنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبرنِي أبُو سَلَمَةَ بنُ عَبْدِ الرَّحْمانِ قَالَ: قَالَ أبُو هُرَيْرَةَ: سَمِعْتُ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يَقُولُ: وَالله إنِّي لأسْتَغْفِرُ الله وأتُوبُ فِي اليَوْمِ أكْثَرَ مِنْ سَبْعِينَ مَرَّةً.

مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِنَّه أوضح الْإِجْمَال الَّذِي فِي التَّرْجَمَة من كمية اسْتِغْفَار النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْيَوْم، وَأَنه أَكثر من سبعين مرّة، وَإِنَّمَا كَانَ يسْتَغْفر هَذَا الْمِقْدَار مَعَ أَنه مَعْصُوم ومغفور لَهُ لِأَن الاسْتِغْفَار عبَادَة، أَو هُوَ تَعْلِيم لأمته، أَو اسْتِغْفَار من ترك الأولى أَو قَالَه تواضعاً، أَو مَا كَانَ عَن سَهْو أَو قبل النُّبُوَّة، وَقيل: اشْتِغَاله بِالنّظرِ فِي مصَالح الْأمة ومحاربة الْأَعْدَاء وتأليف الْمُؤَلّفَة وَنَحْو ذَلِك شاغل عَن عَظِيم مقَامه من حُضُور مَعَ الله عز وَجل وفراغه مِمَّا سواهُ، فيراه ذَنبا بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ، وَإِن كَانَت هَذِه الْأُمُور من أعظم الطَّاعَات وَأفضل الْأَعْمَال فَهُوَ نزُول عَن عالي دَرَجَته فيستغفر لذَلِك. وَقيل: كَانَ دَائِما فِي الترقي فِي الْأَحْوَال فَإِذا رأى مَا قبلهَا دونه اسْتغْفر مِنْهُ، كَمَا قيل: حَسَنَات الْأَبْرَار سيئات المقربين، وَقيل: يَتَجَدَّد للطبع غفلات تفْتَقر إِلَى الاسْتِغْفَار. وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ: هفوات الطباع البشرية لَا يسلم مِنْهَا أحد، والأنبياء عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام وَإِن عصموا من الْكَبَائِر فَلم يعصموا من الصَّغَائِر. قلت: لَا نسلم ذَلِك، بل عصموا من الصَّغَائِر والكبائر جَمِيعًا قبل النُّبُوَّة وَبعدهَا، وَشَيخ البُخَارِيّ فِيهِ أَبُو الْيَمَان هُوَ الحكم بن نَافِع.

قَوْله: (أَكثر من سبعين مرّة) ، وَفِي حَدِيث أنس: إِنِّي لأستغفر الله فِي الْيَوْم سبعين مرّة، يحْتَمل فِيهِ الْمُبَالغَة وَيحْتَمل أَن يُرِيد الْعدَد بِعَيْنِه. قَوْله: (أَكثر) مُبْهَم فَيحْتَمل أَن يُفَسر بِمَا رُوِيَ عَن أبي هُرَيْرَة أَيْضا بِلَفْظ: إِنِّي أسْتَغْفر الله فِي الْيَوْم مائَة مرّة، وروى النَّسَائِيّ من رِوَايَة مُحَمَّد بن عَمْرو عَن أبي سَلمَة بِلَفْظ: إِنِّي لأستغفر الله وَأَتُوب إِلَيْهِ كل يَوْم مائَة مرّة.

٤ - (بابُ التَّوْبَةِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان التَّوْبَة، قَالَ الْجَوْهَرِي: التَّوْبَة الرُّجُوع من الذَّنب وَكَذَلِكَ التوب، وَقَالَ الْأَخْفَش: التوب جمع تَوْبَة، وَتَابَ إِلَى الله تَوْبَة ومتاباً، وَقد تَابَ الله عَلَيْهِ وَفقه لَهَا، واستتابه سَأَلَهُ أَن يَتُوب، وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ: اخْتلف عِبَارَات الْمَشَايِخ فِيهَا، فقائلاً يَقُول: إِنَّهَا النَّدَم، وَقَائِل يَقُول: إِنَّهَا الْعَزْم على أَن لَا يعود، وَآخر يَقُول: الإقلاع عَن الذَّنب، وَمِنْهُم من يجمع بَين الْأُمُور الثَّلَاثَة، وَهُوَ أكملها، وَقَالَ ابْن الْمُبَارك: حَقِيقَة التَّوْبَة لَهَا سِتّ عَلَامَات: النَّدَم على مَا مضى، والعزم على أَن لَا يعود، وَيُؤَدِّي كل فرض ضيعه، وَيُؤَدِّي إِلَى كل ذِي حق حَقه من الْمَظَالِم، ويذيب الْبدن الَّذِي زينه بالسحت وَالْحرَام بالهموم وَالْأَحْزَان حَتَّى يلصق الْجلد بالعظم، ثمَّ ينشأ بَينهمَا لَحْمًا طيبا إِن هُوَ نَشأ، وَيُذِيق الْبدن ألم الطَّاعَة كَمَا أذاقه لَذَّة الْمعْصِيَة.

وَقَالَ قتادَةُ: تُوبُوا إِلَى الله تَوْبَةً نَصُوحاً: الصَّادِقَةُ النَّاصِحَةُ

هَذَا التَّعْلِيق وَصله عبد بن حميد من طَرِيق شَيبَان عَن قَتَادَة، وَفسّر قَتَادَة التَّوْبَة النصوح بالصادقة الناصحة، وَقَالَ صَاحب

<<  <  ج: ص:  >  >>