(بابُ الفُتْيَا عَلَى الدَّابَّةِ عِنْدَ الجَمْرَةِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان الْفتيا على الدَّابَّة عِنْد جَمْرَة الْعقبَة، يُقَال: استفتيت الْفَقِيه فِي مَسْأَلَة فأفتاني، قَالَ الْجَوْهَرِي: والإسم الْفتيا والفتوة، وَقد ذكر البُخَارِيّ بَابَيْنِ فِي كتاب الْعلم أَحدهمَا: بَاب الْفتيا وَهُوَ وَاقِف على ظهر الدَّابَّة أَو غَيرهَا، وَأورد فِيهِ حَدِيث عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ. وَالْآخر: بَاب السُّؤَال والفتيا عِنْد رمي الْجمار، وَأورد فِيهِ أَيْضا حَدِيث عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ، وَأورد هَهُنَا أَيْضا حَدِيث عبد الله بن عَمْرو الْمَذْكُور فِي الْبَابَيْنِ، وَهَذَا مِنْهُ نَادِر غَرِيب.
٦٣٧١ - حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ يُوسُفَ قَالَ أخبرنَا مالِكٌ عنِ ابنِ شِهَابٍ عنْ عِيسَى بنِ طَلْحَةَ عَنْ عَبْدِ الله بنِ عَمْرٍ وأنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وقفَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ فجَعَلُوا يَسْألُونهُ فَقَالَ رجُلٌ لَمْ أشْعُرْ فحَلَقْتُ قَبْلَ أنْ أذْبَحَ ولَا حَرَجَ فَجَاءَ آخَرُ فَقَالَ لَمْ أشْعُرْ فَنَحَرْتُ قَبْلَ أنْ أرْمِيَ قَالَ ارمِ ولَا حَرَجَ فَما سُئِلَ يَوْمَئِذٍ عنْ شَيْءٍ قُدِّمَ ولَا أُخِّرَ إلَاّ قالَ افْعَلْ ولَا حَرَجَ..
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (وقف فِي حجَّة الْوَدَاع) ، لِأَن مَعْنَاهُ: وقف على نَاقَته، وَقد صرح بِهِ عبد الله بن عَمْرو فِي رِوَايَته الْأُخْرَى فِي هَذَا الْبَاب لِأَن البُخَارِيّ روى حَدِيثه فِي هَذَا الْبَاب بِثَلَاثَة أوجه الأول: وقف فِي حجَّة الْوَدَاع. وَالثَّانِي: أَنه شهد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ يخْطب. وَالثَّالِث: وقف رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على نَاقَته. وَقَوله: (فِي التَّرْجَمَة على الدَّابَّة) يتَنَاوَل النَّاقة، وَأما دلَالَته على أَنه كَانَ عِنْد الْجَمْرَة فَمن حَدِيث عبد الله بن عَمْرو أَيْضا الَّذِي أخرجه فِي كتاب الْعلم فِي: بَاب السُّؤَال والفتيا عِنْد الْجمار، عَن عِيسَى بن طَلْحَة عَن عبد الله بن عمر وَقَالَ: رَأَيْت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عِنْد الْجَمْرَة وَهُوَ يسْأَل ... الحَدِيث، وَهُوَ وَاحِد والراوي وَاحِد.
ذكر رِجَاله: وهم خَمْسَة، فالثلاثة الأول ذكرُوا غير مرّة، وَابْن شهَاب هُوَ مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ، وَعِيسَى بن طَلْحَة بن عبيد الله التَّيْمِيّ، مَاتَ سنة مائَة.
ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي مَوضِع والإخبار كَذَلِك فِي مَوضِع. وَفِيه: العنعنة فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع. وَفِيه: أَن رُوَاته كلهم مدنيون إلَاّ عبد الله بن يُوسُف فَإِنَّهُ تنيسي وَأَصله من دمشق وَأَنه من أَفْرَاد البُخَارِيّ. وَفِيه: رِوَايَة التَّابِعِيّ عَن التَّابِعِيّ عَن الصَّحَابِيّ.
وَقد ذكرنَا فِي: بَاب الْفتيا وَهُوَ على ظهر الدَّابَّة فِي كتاب الْعلم أَن هَذَا الحَدِيث أخرجه الْأَئِمَّة السِّتَّة. وَقد ذكرنَا أَيْضا تعدد مَوْضِعه لكل مِنْهُم، وتكلمنا على مَا يتَعَلَّق بِهِ من الْأَشْيَاء هُنَاكَ، ونتكلم أَيْضا على بعض مَا فاتنا هُنَاكَ.
فَقَوله: (مَالك عَن ابْن شهَاب) كَذَا فِي (الْمُوَطَّأ) وَعند النَّسَائِيّ من طَرِيق يحيى الْقطَّان: عَن مَالك حَدثنِي الزُّهْرِيّ. قَوْله: (عَن عِيسَى) فِي رواي صَالح بن كيسَان: حَدثنِي عِيسَى، قَوْله: (عَن عبد الله) ، فِي رِوَايَة صَالح: أَنه سمع عبد الله، وَفِي رِوَايَة ابْن جريج، وَهِي الثَّانِيَة: أَن عبد الله حَدثهُ. قَوْله: (وقف) فِي رِوَايَة ابْن جرير: أَنه شهد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه وقف، وَقَالَ ابْن التِّين: هَذَا الحَدِيث لَا يَقْتَضِي رفع الْحَرج فِي غير الْمَسْأَلَتَيْنِ المذكورتين الْمَنْصُوص عَلَيْهِمَا فِي رِوَايَة مَالك، لِأَنَّهُ صرح جَوَابا للسؤال، فَلَا يدْخل فِيهِ غَيره. انْتهى. قلت: هَذَا عَجِيب مِنْهُ، فَكَأَنَّهُ ذهل عَن قَوْله: فِي بَقِيَّة الحَدِيث (فَمَا سُئِلَ عَن شَيْء وَقدم وَلَا أخر إِلَّا قَالَ: إفعل وَلَا حرج) ، فَإِن قلت: يُمكن أَنه حمل هَذَا الْمُبْهم على مَا ذكر؟ قلت: يرد ذَلِك رِوَايَة ابْن جريج وَأَشْبَاه ذَلِك، كَمَا يَجِيء فِي الحَدِيث الَّذِي يَأْتِي عقيب هَذَا الحَدِيث إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
٣١٨ - (حَدثنَا سعيد بن يحيى بن سعيد قَالَ حَدثنَا أبي قَالَ حَدثنَا ابْن جريج قَالَ حَدثنِي الزُّهْرِيّ عَن عِيسَى بن طَلْحَة عَن عبد الله بن عَمْرو بن العَاصِي رَضِي الله عَنهُ حَدثهُ أَنه شهد النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يخْطب يَوْم النَّحْر فَقَامَ إِلَيْهِ رجل فَقَالَ كنت أَحسب أَن كَذَا قبل كَذَا ثمَّ قَامَ آخر فَقَالَ كنت أَحسب أَن كَذَا قبل كَذَا حلقت قبل أَن أنحر نحرت قبل أَن أرمي وَأَشْبَاه