الله عَنْهَا، أنَّ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دَخَلَ علَيْها وعِنْدَها رجُلٌ، فَكأنّهُ تَغَيَّرَ وجْهُهُ كأنّهُ كَرِهَ ذالِكَ، فقالَتْ: إنّهُ أخي، فَقَالَ: انْظُرْنَ مَنْ إخْوَانُكُنَّ، فإِنّما الرَّضاعَةُ مِنَ المَجاعَةِ.
(انْظُر الحَدِيث ٧٤٦٢) .
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله:(فَإِنَّمَا الرضَاعَة من المجاعة) لِأَن التَّرْجَمَة فِي ذكر الرَّضَاع، وَحَدِيث الْبَاب يبين أَن الرضَاعَة تكون من المجاعة أَي الْجُوع.
وَأَبُو الْوَلِيد هِشَام بن عبد الْملك الطَّيَالِسِيّ، والأشعث هُوَ ابْن أبي الشعْثَاء واسْمه سليم بن الْأسود الْمحَاربي الْكُوفِي، ومسروق بن الأجدع.
والْحَدِيث مر فِي الشَّهَادَات فِي: بَاب الشَّهَادَة على الْأَنْسَاب وَأخرجه عَن مُحَمَّد بن كثير، وَمر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
قَوْله:(رجل) لم يدر اسْمه، وَقيل بالتخمين: هُوَ ابْن أبي القعيس، وَمن قَالَ: هُوَ عبد الله بن يزِيد، فقد غلط لِأَنَّهُ تَابِعِيّ بِاتِّفَاق الْأَئِمَّة، وَكَانَت أمه أرضعت عَائِشَة، عاشت بعد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فولدته فَلذَلِك قيل لَهُ: رَضِيع عَائِشَة قَوْله: (فَكَأَنَّهُ تغير وَجهه كَأَنَّهُ كره ذَلِك) وَفِي رِوَايَة مُسلم من طَرِيق أبي الْأَحْوَص عَن أبي الْأَشْعَث: وَعِنْدِي رجل قَاعد، فَاشْتَدَّ ذَلِك عَلَيْهِ وَرَأَيْت الْغَضَب فِي وَجهه، وَفِي رِوَايَة أبي دَاوُد عَن حَفْص بن عمر عَن شُعْبَة. فشق ذَلِك عَلَيْهِ وَتغَير وَجهه. قَوْله:(إِنَّه أخي) وَفِي رِوَايَة غنْدر عَن شُعْبَة: إِنَّه أخي من الرضَاعَة. قَوْله:(انظرن من إخوانكن) هَذِه رِوَايَة الْكشميهني، وَفِي رِوَايَة غَيره: مَا إخوانكن، وَالْأول أوجه، مَعْنَاهُ: تحققن صِحَة الرضَاعَة ووقتهاد فَإِنَّمَا تثبت الْحُرْمَة إِذا وَقعت على شَرطهَا وَفِي وَقتهَا. قَوْله:(فَإِنَّمَا الرضَاعَة من المجاعة) أَي: الْجُوع، يَعْنِي: الرضَاعَة الَّتِي تثبت بهَا الْحُرْمَة مَا تكون فِي الصغر حِين يكون الرَّضِيع طفْلا يسد اللَّبن جوعته، لِأَن معدته ضَعِيفَة يكفيها اللَّبن وينبت لَحْمه بذلك فَيصير كجزء من الْمُرضعَة، فَيكون كَسَائِر أَوْلَادهَا، وَهَذَا أَعم من أَن يكون قَلِيلا أَو كثيرا وَفِي رِوَايَة: فَإِنَّمَا الرضَاعَة عَن المجاعة، ويروي: أَو الْمطعم من المجاعة وَيُقَال: كَأَنَّهُ قَالَ: لَا رضاعة مُعْتَبرَة إلَاّ الْمُغنيَة عَن الْجُوع أَو المطعمة عَنهُ، وَمن شواهده حَدِيث ابْن مَسْعُود: لَا رضَاع إلَاّ مَا شدّ الْعظم وَأنْبت اللَّحْم، أخرجه أَبُو دَاوُد مَرْفُوعا مَوْقُوفا، وَحَدِيث أم سَلمَة: لَا يحرم من الرَّضَاع مَا فتق الأمعاء، أخرجه الرمذي وَصَححهُ وَيُمكن أَن يسْتَدلّ على أَن الرضعة الْوَاحِدَة لَا تحرم لِأَنَّهَا لَا تغني من جوع، فَإِذن يحْتَاج إِلَى تَقْدِير، فَأولى مَا يُؤْخَذ بِهِ مَا قدرته الشَّرِيعَة وَهُوَ خمس رَضعَات، قُلْنَا: هَذَا كُله زِيَادَة على مُطلق النَّص، لِأَن النَّص غير مُقَيّد بِالْعدَدِ وَالزِّيَادَة على النَّص نسخ فَلَا يجوز، وَكَذَلِكَ الْجَواب عَن كل حَدِيث فِيهِ عدد مثل حَدِيث عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لَا تحرم المصة وَلَا المصتان، وَفِي رِوَايَة النَّسَائِيّ عَنْهَا: لَا تحرم الْخَطفَة والخطفتان، وَقَالَ ابْن بطال: أَحَادِيث عَائِشَة كلهَا مضطربة فَوَجَبَ تَركهَا ولارجوع إِلَى كتاب الله تَعَالَى. وَرُوِيَ أَبُو بكر الرَّازِيّ عَن ابْن عَبَّاس، رَضِي الله عَنْهُمَا، أَنه قَالَ: قَوْلهَا: لَا تحرم الرضعة والرضعتان، كَانَ فَأَما الْيَوْم فالرضعة الْوَاحِدَة تحرم فَجعله مَنْسُوخا، وَكَذَلِكَ الْجَواب عَن قَوْلهَا: لَا تحرم الإملاجة وَلَا الإملاجتان.
٢٢ - (بابُ لَبَنِ الفَحْلِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان لبن الْفَحْل، بِفَتْح الْفَاء وَسُكُون الْهَاء الْمُهْملَة أَي: الرجل، وَنسبَة اللَّبن إِلَيْهِ مجَاز لكَونه سَببا فِيهِ. وَاخْتلف فِيهِ فَقَالَ قوم: لبن الْفَحْل يحرم. وَهُوَ قَول ابْن عَبَّاس فِيمَا ذكره التِّرْمِذِيّ، وَقَول عَائِشَة فِيمَا ذكره ابْن عبد الْبر، وَبِه قَالَ عُرْوَة بن الزبير وطاووس وَعَطَاء وَابْن شهَاب وَمُجاهد وَأَبُو الشعْثَاء وَجَابِر بن زيد وَالْحسن وَالشعْبِيّ وَسَالم وَالقَاسِم بن مُحَمَّد وَهِشَام بن عُرْوَة على خلاف فِيهِ، وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد وأصحابهم وَالثَّوْري وَالْأَوْزَاعِيّ وَاللَّيْث بن سعد وَإِسْحَاق وَأبي ثَوْر. وَقَالَ قوم: لَيْسَ لبن الْفَحْل بِمحرم، رُوِيَ ذَلِك عَن جمَاعَة من الصَّحَابَة مِنْهُم: ابْن عمر وَجَابِر وَعَائِشَة على اخْتِلَاف عَنْهَا وَرَافِع بن خديج وَعبد الله بن الزبير، وَمن التَّابِعين قَول سعيد بن الْمسيب وَأبي سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن وَسليمَان بن يسَار وأخيه عَطاء بن يسَار وَمَكْحُول وَإِبْرَاهِيم النَّخعِيّ وَأبي قلَابَة وَإيَاس بن مُعَاوِيَة وَالقَاسِم بن مُحَمَّد وَسَالم وَالشعْبِيّ على خلاف عَنهُ، وَكَذَا الْحسن وَإِبْرَاهِيم بن علية وَدَاوُد الظَّاهِرِيّ فِيمَا حَكَاهُ عَنهُ أَبُو عمر فِي التَّمْهِيد، وَالْمَعْرُوف عَن دَاوُد خِلَافه، وَقَالَ القَاضِي عِيَاض: لم يقل أحد من أَئِمَّة الْفُقَهَاء وَأهل الْفَتْوَى بِإِسْقَاط حُرْمَة لبن الْفَحْل إلَاّ أهل الظَّاهِر وَابْن علية، وَالْمَعْرُوف عَن دَاوُد مُوَافقَة الْأَئِمَّة الْأَرْبَعَة. قلت: معنى لبن الْفَحْل يحرم أَنه يثبت حُرْمَة الرَّضَاع بَينه وَبَين الرَّضِيع