للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فَلَمَّا نسخ ذَلِك وَنهى عَنهُ) .

ثمَّ اخْتلفُوا فِي الْأَمر الْمَذْكُور فِي الحَدِيث، فَقيل: للْوُجُوب، وَإِن الْقيام للجنازة إِذا مرت وَاجِب وَقيل للنَّدْب والاستحباب، وَإِلَيْهِ ذهب ابْن حزم. وَقيل: كَانَ وَاجِبا ثمَّ نسخ على مَا ذكرنَا، وَاخْتَارَ النَّوَوِيّ على أَنه للاستحباب، وَإِلَيْهِ ذهب الْمُتَوَلِي من الشَّافِعِيَّة. وَقَالَ النَّوَوِيّ: والْحَدِيث لَيْسَ بمنسوخ وَلَا تصح دَعْوَى النّسخ فِي مثل هَذَا، لِأَن النّسخ إِنَّمَا يكون إِذا تعذر الْجمع بَين الْأَحَادِيث وَلم يتَعَذَّر. قلت: ورد التَّصْرِيح بالنسخ فِي حَدِيث عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، الْمَذْكُور، وَتكلم الشَّافِعِي، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، على حَدِيث عَامر بن ربيعَة باحتمالات حَكَاهُ عَنهُ الْبَيْهَقِيّ والحازمي، فَقَالَ: وَهَذَا لَا يعدو أَن يكون مَنْسُوخا. وَأَن يكون النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَامَ لَهَا لعِلَّة، وَقد رَوَاهَا بعض الْمُحدثين أَنَّهَا كَانَت جَنَازَة يَهُودِيّ، فَقَامَ لَهَا كَرَاهَة أَن تطوله. قَالَ: وَأيهمَا كَانَ فقد جَاءَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تَركه بعد فعله، قَالَ: وَالْحجّة فِي ذَلِك فِي الْآخِرَة من أمره إِن كَانَ الأول وَاجِبا فالآخر من أمره نَاسخ، وَإِن كَانَ الأول اسْتِحْبَابا فالآخر من أمره هُوَ الِاسْتِحْبَاب، وَإِن كَانَ مُبَاحا فَلَا بَأْس بِالْقيامِ وَالْقعُود. قَالَ: وَالْقعُود أحب إِلَيّ لِأَنَّهُ الآخر من فعله، ثمَّ الْأَمر بِالْقيامِ للجنازة فِي حَدِيث الْبَاب وَغَيره عَام فِي جَنَازَة الْمُسلم وَغَيره من أهل الْكتاب، وَقد ورد فِي حَدِيث أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ التَّصْرِيح بذلك فِيمَا رَوَاهُ عبد الله بن أَحْمد فِي (زياداته على الْمسند) والطَّحَاوِي من رِوَايَة لَيْث عَن أبي بردة بن أبي مُوسَى عَن أَبِيه عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (إِذا مرت بكم جَنَازَة فَإِن كَانَ مُسلما أَو يَهُودِيّا أَو نَصْرَانِيّا فَقومُوا لَهَا، فَإِنَّهُ لَيْسَ يقوم لَهَا وَلَكِن يقوم لمن مَعهَا من الْمَلَائِكَة) . وَقَالَ شَيخنَا زين الدّين، رَحمَه الله: فِي حَدِيث أبي مُوسَى هَذَا التَّخْصِيص بِجنَازَة الْمُسلم وَأهل الْكتاب، وَالْعلَّة الْمَذْكُورَة فِيهِ تَقْتَضِي عدم تَخْصِيصه بهم، بل بِجَمِيعِ بني آدم، وَإِن كَانُوا كفَّارًا غير أهل كتاب، لِأَن الْمَلَائِكَة مَعَ كل نفس.

وَاخْتلفت الْأَحَادِيث فِي تَعْلِيل الْقيام بِجنَازَة الْيَهُودِيّ أَو الْيَهُودِيَّة، فَفِي حَدِيث جَابر: التَّعْلِيل، بقوله: (إِن الْمَوْت فزع) ، وَحَدِيث جَابر أخرجه البُخَارِيّ على مَا يَأْتِي، وَأخرجه مُسلم وَالنَّسَائِيّ أَيْضا. وَفِي حَدِيث سهل بن حنيف وَقيس التَّعْلِيل بِكَوْنِهَا نفسا، وحديثهما أخرجه البُخَارِيّ وَمُسلم وَالنَّسَائِيّ على مَا يَأْتِي. وَفِي حَدِيث أنس: (إِنَّمَا قمنا للْمَلَائكَة) ، أخرجه النَّسَائِيّ من رِوَايَة حَمَّاد بن سَلمَة عَن قَتَادَة (عَن أنس: أَن جَنَازَة مرت برَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَامَ، فَقيل: إِنَّهَا جَنَازَة يَهُودِيّ ... فَقَالَ: إِنَّمَا قمنا للْمَلَائكَة) ، وَرِجَاله رجال الصَّحِيح. وَفِي حَدِيث عبد الله بن عَمْرو: (إِنَّمَا يقومُونَ إعظاما للَّذي يقبض الْأَرْوَاح) أخرجه ابْن حبَان فِي (صَحِيحه) من رِوَايَة ربيعَة بن سيف المغافري عَن أبي عبد الرَّحْمَن الْجبلي (عَن عبد الله ابْن عَمْرو، قَالَ: سَأَلَ رجل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: يَا رَسُول الله، تمر بِنَا جَنَازَة الْكَافِر أفنقوم لَهَا؟ قَالَ: نعم، فَقومُوا لَهَا فَإِنَّكُم لَسْتُم تقومون لَهَا، إِنَّمَا تقومون إعظاما للَّذي يقبض الْأَرْوَاح) . وَفِي حَدِيث الْحسن بن عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، أَنه كره أَن تعلو رَأسه، أخرجه النَّسَائِيّ (فَقَالَ الْحسن: مر بِجنَازَة يَهُودِيّ وَكَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على طريقها جَالِسا، فكره أَن تعلو رَأسه جَنَازَة يَهُودِيّ فَقَامَ) . وَفِي حَدِيث رَوَاهُ الطَّحَاوِيّ بِإِسْنَادِهِ عَن الْحسن وَابْن عَبَّاس، أَو عَن أَحدهمَا. (أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مرت بِهِ جَنَازَة يَهُودِيّ فَقَامَ) وَقَالَ: آذَانِي (نتنها) ويروي آذَانِي (رِيحهَا) .

(بَاب مَتى يقْعد إِذا قَامَ للجنازة) ٢.

أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ مَتى يقْعد الرجل إِذا قَامَ لجنازة مرت بِهِ وَلَيْسَ فِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي ذكر هَذَا الْبَاب وَلَا التَّرْجَمَة وَثبتت التَّرْجَمَة دون ذكر الْبَاب فِي رِوَايَة غَيره.

حَدثنَا قُتَيْبَة بن سعيد قَالَ حَدثنَا اللَّيْث عَن نَافِع عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا عَن عَامر بن ربيعَة رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِذا رأى أحدكُم جَنَازَة فَإِن لم يكن مَاشِيا مَعهَا فَليقمْ حَتَّى يخلفها أَو تخلفه أَو تُوضَع من قبل أَن تخلفه.

مطابقته للتَّرْجَمَة على تَقْدِير وجودهَا تَأْخُذ من قَوْله (أَو تُوضَع) فَإِنَّهَا إِذا وضعت يقْعد وَهَذَا زمَان الْقعُود وعَلى تَقْدِير عدم التَّرْجَمَة يكون الحَدِيث دَاخِلا فِي حكم الْبَاب السَّابِق، لِأَن الْمَذْكُور فيهمَا عَن عَامر بن ربيعَة. قَوْله: (حَتَّى يخلفها

<<  <  ج: ص:  >  >>