على بَاب سعد نَادِر، وَلم يذكر عَنهُ فِي غير هَذَا الحَدِيث. وَالْوَجْه فِيهِ أَن يُقَال مَعْنَاهُ: كَانَ، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، إِذا أَتَى على قوم سلم عَلَيْهِم تَسْلِيمَة الاسْتِئْذَان، وَإِذا دخل سلم تَسْلِيمَة التَّحِيَّة، ثمَّ إِذا قَامَ من الْمجْلس سلم تَسْلِيمَة الْوَدَاع. وَهَذِه التسليمات كلهَا مسنونة. وَكَانَ النَّبِي، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، يواظب عَلَيْهَا وَلَا يزِيد عَلَيْهَا فِي هَذِه السّنة على الْأَقْسَام. وَقَالَ الْكرْمَانِي: حرف: إِذا، لَا يَقْتَضِي تكْرَار الْفِعْل إِنَّمَا الْمُقْتَضى لَهُ من الْحُرُوف: كلما، فَقَط. نعم التَّرْكِيب مُفِيد للاستمرار، ثمَّ مَا قَالَ هُوَ أَمر نَادِر لم يذكر فِي غَيره مَمْنُوع، وَكَيف وَقد صَحَّ حَدِيث: (إِذا اسْتَأْذن أحدكُم ثَلَاثًا فَلم يُؤذن لَهُ فَليرْجع) ؟ قلت: نعم: إِذا لَا يَقْتَضِي تكْرَار الْفِعْل، وَلَكِن من اقتضائه الثَّبَات والدوام، وَيصدق عَلَيْهِ التّكْرَار. وَقَوله: (إِذا اسْتَأْذن أحدكُم ثَلَاثًا) أَعم من أَن يكون بِالسَّلَامِ وَغَيره.
وَقَالَ ابْن بطال: وَفِيه أَن الثَّلَاث غَايَة مَا يَقع بِهِ الْبَيَان والأعذار. قلت: اخْتلف فِيمَا إِذا ظن أَنه لم يسمع هَل يزِيد على الثَّلَاث؟ فَقيل: لَا يزِيد أخذا بِظَاهِر الحَدِيث. وَقيل: يزِيد. وَالسّنة أَن يسلم ثَلَاثًا، فَيَقُول: السَّلَام عَلَيْكُم، أَدخل.
٩٦ - حدّثنا مُسَدَّدُ قَالَ: حدّثنا أبُو عَوَانَةَ عنْ أبي بِشْرٍ عنْ يُوسُفَ بنِ ماهِكٍ عنْ عَبْدِ اللَّه بنِ عَمْرٍ وَقال: تخَلَّفَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي سَفَرٍ سافَرْناهُ فادْرَكَنَا وقَدْ أَرْهقنا الصَّلاةُ، صلاةَ العَصْرِ، ونَحْنُ نَتَوَضَّأُ، فَجَعَلْنا نَمْسَحُ عَلى أرْجُلْنا، فَنادَى بأعْلَى صَوْتِهِ: (وَيْلٌ لْلأعْقابِ مِنَ النارِ) مَرَّتَيْنِ أَو ثَلاثاً.
مُطَابقَة الحَدِيث للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (مرَّتَيْنِ أَو ثَلَاثًا) . وَهَذَا الحَدِيث بِعَيْنِه بِهَذَا الْإِسْنَاد قد مر فِي: بَاب من رفع صَوته بِالْعلمِ، غير أَنه أخرجه هُنَاكَ عَن أبي النُّعْمَان عَن أبي عوَانَة، وَهنا عَن مُسَدّد عَن أبي عوَانَة، واسْمه: الوضاح، وَأَبُو بشر اسْمه: جَعْفَر بن إِيَاس. وَالِاخْتِلَاف فِي الْمَتْن فِي موضِعين: احدهما: قَوْله: (فِي سفر سافرناه) ، وَهُنَاكَ: (فِي سفرة سافرناها) وَالْآخر: قَوْله: (صَلَاة الْعَصْر) : لَيْسَ بمذكور هُنَاكَ. قَوْله: (فَأَدْرَكنَا) ، بِفَتْح الرَّاء أَي: النَّبِي، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، أدركنا، وَالْحَال أَن صَلَاة الْعَصْر قد أدركتنا. قَوْله: (ارهقنا الصَّلَاة) بِوَجْهَيْنِ. أَحدهمَا: بِسُكُون الْقَاف، وَنصب الصَّلَاة على المفعولية. وَالْآخر: بتحريك الْقَاف وَرفع الصَّلَاة على الفاعلية. وَقَوله: (صَلَاة الْعَصْر) بِالرَّفْع وَالنّصب بدل من الصَّلَاة، أَو بَيَان. وَالْوَاو فِي: وَنحن، أَيْضا للْحَال. وَقد مر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ مُسْتَوفى.
٣١ - (بَاب تَعْلِيمِ الرَّجُلِ أمَتَهُ وأهْلَهُ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان تَعْلِيم الرجل جَارِيَته وَأهل بَيته. الْأمة: أَصله: أموة بِالتَّحْرِيكِ لِأَنَّهُ يجمع على آم، وَهُوَ أفعل، مثل نَاقَة وأنيق، وَلَا يجمع فعلة بالتسكين على ذَلِك، وَيجمع على إِمَاء أَيْضا. وَيُقَال: أَمُوت أموة، وَالنِّسْبَة إِلَيْهَا أموى بِالْفَتْح، وتصغيرها: أُميَّة، وَهُوَ اسْم قَبيلَة أَيْضا، وَالنِّسْبَة إِلَيْهَا أموى أَيْضا بِالْفَتْح، وَرُبمَا تضم. وَالْفرق بَين الجمعين أَن الأول جمع قلَّة، وَالثَّانِي جمع كَثْرَة. وأصل آم: أءمؤ، على وزن أفعل، كأكلب، فأبدل من ضمة الْوَاو يَاء فَصَارَ: اءمى، ثمَّ أعل إعلال قاضٍ، فَصَارَ: اءم، ثمَّ قلبت الْهمزَة الثَّانِيَة الْفَا فَصَارَ: آم، وأصل إِمَاء: إماو، كعقاب، فابدلت الْوَاو همزَة لوقوعها طرفا بعد ألف زَائِدَة، وَيجمع أَيْضا على: إموان، مثل إخْوَان. قَالَ الشَّاعِر.
(إِذا ترامى بَنو الإموان بالعار)
فَإِن قلت: الْأمة من أهل الْبَيْت فَكيف عطف عَلَيْهِ الْأَهْل؟ قلت: هُوَ من عطف الْعَام على الْخَاص، فَإِن قلت: مَا وَجه الْمُنَاسبَة بَين الْبَابَيْنِ؟ قلت: من حَيْثُ إِن الْمَذْكُور فِي الْبَاب الأول هُوَ التَّعْلِيم الْعَام، وَالْمَذْكُور فِي هَذَا الْبَاب هُوَ التَّعْلِيم الْخَاص، فتناسبا من هَذِه الْجِهَة.
٩٧ - حدّثنا مُحَمَّدٌ هُوَ ابنُ سَلَامٍ حدّثنا المُحَارِبِيُّ قَالَ: حدّثنا صالِحُ بنُ حَيَّانَ قالَ: قالَ عامِرٌ الشَّعْبِيُّ: حدّثني أبُو بُرْدَةَ عنْ أبِيهِ قَالَ: قَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (ثَلَاثُةٌ لَهُمْ أجْرَانِ: رَجُلٌ مِنْ أهْلِ الكِتابِ آمَنِ، بِنَبِيِّهِ وآمَنَ بِمُحَمَّدٍ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَالعَبْدُ المَمْلُوكُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute