لَا يُرحم) . وَفِي رِوَايَة مَحْمُود بن لبيد:(فَقَالَ: إِنَّمَا أَنا بشر) ، وَفِي رِوَايَة عبد الرَّزَّاق من مُرْسل مَكْحُول (إِنَّمَا أنهى النَّاس عَن النِّيَاحَة أَن ينْدب الرجل بِمَا لَيْسَ فِيهِ) . قَوْله:(ثمَّ أتبعهَا بِأُخْرَى) أَي: ثمَّ أتبع الدمعة الأولى بِالْأُخْرَى، وَيجوز أَن يُقَال: ثمَّ أتبع الْكَلِمَة الْمَذْكُورَة، وَهِي: إِنَّهَا رَحْمَة، بِكَلِمَة أُخْرَى، وَهِي:(إِن الْعين تَدْمَع وَالْقلب يحزن. .) إِلَى آخِره، فَكَأَن هَذِه الْكَلِمَة الْأُخْرَى صَارَت مفسرة للكلمة الأولى. قَوْله:(وَإِنَّا بِفِرَاقِك يَا إِبْرَاهِيم لَمَحْزُونُونَ) ، وَقد مر أَن فِي حَدِيث أبي أُمَامَة:(وَإِنَّا على إِبْرَاهِيم لَمَحْزُونُونَ) .
ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ: فِيهِ: ذكر إِبْرَاهِيم ابْن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمَوته ومجموع أَوْلَاد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثَمَانِيَة: الْقَاسِم وَبِه كَانَ يكنى، والطاهر وَالطّيب، وَيُقَال أَن الطَّاهِر هُوَ الطّيب، وَإِبْرَاهِيم وَزَيْنَب زَوْجَة ابْن أبي الْعَاصِ، ورقية وَأم كُلْثُوم زوجا عُثْمَان، وَفَاطِمَة زَوْجَة عَليّ بن أبي طَالب، وَجَمِيع أَوْلَاده من خَدِيجَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، إلَاّ ابراهيم فَإِنَّهُ من مَارِيَة الْقبْطِيَّة، وَقَالَ الزُّهْرِيّ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (لَو عَاشَ إِبْرَاهِيم لوضعت الْجِزْيَة على كل قبْطِي) ، وَعَن مَكْحُول أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ فِي إِبْرَاهِيم:(لَو عَاشَ مَا رق لَهُ خَال) ، وَاتَّفَقُوا على أَن مولده كَانَ فِي ذِي الْحجَّة سنة ثَمَان، وَاخْتلفُوا فِي وَقت وَفَاته، فالواقدي جزم بِأَنَّهُ مَاتَ يَوْم الثُّلَاثَاء لعشر لَيَال خلون من شهر ربيع الأول سنة عشر، وَقَالَ ابْن حزم: مَاتَ قبل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِثَلَاثَة، وَقيل: بلغ سِتَّة عشر شهرا وَثَمَانِية أَيَّام، وَقيل: سَبْعَة عشر شهرا، وَقيل: سنة وَعشرَة أشهر وَسِتَّة أَيَّام، وَفِي (سنَن أبي دَاوُد) : توفّي وَله سَبْعُونَ يَوْمًا. وَعَن مَحْمُود بن لبيد: توفّي وَله ثَمَانِيَة عشر شهرا. وَفِي (صَحِيح مُسلم) : قَالَ عَمْرو: فَلَمَّا توفّي إِبْرَاهِيم قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (إِن إِبْرَاهِيم ابْني وَإنَّهُ مَاتَ فِي الثدي وَإِن لَهُ لظئرين يكملان إرضاعه فِي الْجنَّة) . وَعند ابْن سعد بِسَنَد صَحِيح عَن الْبَراء بن عَازِب يرفعهُ:(أما أَن لَهُ مُرْضعًا فِي الْجنَّة) . وَفِي رِوَايَة جَابر عَن عَامر عَن الْبَراء:(إِنَّه صديق شَهِيد) ، وَعَن مُحَمَّد ابْن عمر بن عَليّ بن أبي طَالب: أول من دفن بِالبَقِيعِ ابْن مَظْعُون، ثمَّ اتبعهُ إِبْرَاهِيم، وَعَن رجل من آل عَليّ بن أبي طَالب: لما دفن إِبْرَاهِيم قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: هَل من أحد يَأْتِي بقربة؟ فَأتى رجل من الْأَنْصَار بقربة مَاء، فَقَالَ: رشها على قبر إِبْرَاهِيم.
وَاخْتلف فِي الصَّلَاة عَلَيْهِ، فصححه ابْن حزم، وَقَالَ أَحْمد: مُنكر جدا. وَقَالَ السّديّ: سَأَلت أنسا: أصلى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على ابْنه إِبْرَاهِيم؟ قَالَ: لَا أَدْرِي، وروى عَطاء عَن ابْن عجلَان عَن أنس أَنه كبر عَلَيْهِ أَرْبعا، وَهُوَ أفقه، أَعنِي: عَطاء. وَعَن جَعْفَر بن مُحَمَّد عَن أَبِيه أَنه: مَا صلى، وَهِي مُرْسلَة، فَيجوز أَن يكون اشْتغل بالكسوف عَن الصَّلَاة. وَحكى الْحَافِظ أَبُو الْعَبَّاس الْعِرَاقِيّ السبتي: أَن مَعْنَاهُ: لم يصل عَلَيْهِ بِنَفسِهِ، وَصلى عَلَيْهِ غَيره. وَقيل: لِأَنَّهُ لَا يُصَلِّي على نَبِي، وَقد جَاءَ عَنهُ، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أَنه لَو عَاشَ كَانَ نَبيا. وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاس: كل هَذِه ضَعِيفَة، وَالصَّلَاة عَلَيْهِ أثبت.
وَفِيه: جَوَاز تَقْبِيل من قَارب الْمَوْت وَذَلِكَ قبل الْوَدَاع والتشفي مِنْهُ. وَفِيه: جَوَاز الْبكاء الْمُجَرّد والحزن، وَقد مر هَذَا فِيمَا مضى. فَإِن قلت: روى ابْن أبي شيبَة فِي (مُصَنفه) : حَدثنَا مُحَمَّد بن بشر حَدثنَا مُحَمَّد بن عمر وحَدثني أبي عَن عَلْقَمَة (عَن عَائِشَة: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، لَا تَدْمَع عينه على أحد، قَالَ عَلْقَمَة: أَي أمه! كَيفَ كَانَ يصنع؟ قَالَت: كَانَ إِذا وجد فَإِنَّمَا هُوَ أَخذ بلحيته) . قلت: يحْتَمل أَن عَائِشَة مَا شاهدت مَا شَاهده غَيرهَا، أَو يكون مرادها: لَا تَدْمَع عينه بفيض.
رَوَاهُ مُوسى عنْ سُلَيْمَانَ بنِ المُغِيرَةِ عنْ ثَابِتٍ عنْ أنَسٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
أَي: روى الحَدِيث مُوسَى بن إِسْمَاعِيل التَّبُوذَكِي الْمنْقري عَن سُلَيْمَان بن الْمُغيرَة، بِضَم الْمِيم وَكسر الْغَيْن الْمُعْجَمَة: عَن ثَابت الْبنانِيّ عَن أنس بن مَالك عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَوَصله الْبَيْهَقِيّ فِي (الدَّلَائِل) من طَرِيق تمْتَام الْحَافِظ عَنهُ، و: تمْتَام، بتائين مثناتين من فَوق: لقب مُحَمَّد بن غَالب الْبَغْدَادِيّ.
وَأخرجه مُسلم: حَدثنَا شَيبَان بن فروخ وهدبة بن خَالِد، كِلَاهُمَا عَن سُلَيْمَان بن الْمُغيرَة عَن ثَابت عَن أنس فَذكره.
٤٤ - (بابُ البُكَاءِ عِنْدَ المَرِيضِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان الْبكاء عِنْد الْمَرِيض، وَفِي بعض النّسخ: الْبكاء على الْمَرِيض، وَلَفظ: بَاب، سَاقِط فِي رِوَايَة أبي ذَر.