للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

يَا عُمَرُ، وَالله لَقَدِ اسْتَقَرَأتُكَ الآيَةَ وَلأنَا أقْرَأُ لَهَا مِنْكَ، قَالَ عُمَرُ: وَالله لأنْ أكُونَ أدْخَلْتُكَ أحَبُّ إلَيَّ مِنْ أنْ يَكُونَ لِي مِثْلُ حُمْرِ النَّعَمِ.

مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: {فَأمر لي بعس من لبن فَشَرِبت مِنْهُ} قَوْله: (وَعَن أبي حَازِم) ، مَوْصُول بِالْإِسْنَادِ الْمُتَقَدّم، وَقد أخرجه أَبُو يعلى عَن عبد الله بن عمر بن أبان عَن مُحَمَّد بن فُضَيْل: بِسَنَد البُخَارِيّ فِيهِ. قَوْله: (جهد) الْجهد بِالضَّمِّ الطَّاقَة وبالفتح الْغَايَة وَالْمَشَقَّة، وَالْمرَاد بِهِ هُنَا الْجُوع الشَّديد. قَوْله: (فاستقرأته) أَي: سَأَلته أَن يقْرَأ عَليّ آيَة من الْقُرْآن مُعينَة على طَرِيق الاستفادة، وَفِي كثير من النّسخ: فاستقريته بِغَيْر همز وَهُوَ جَائِز لِأَنَّهُ سُهَيْل قَوْله: (وَفتحهَا على) أَي: أَقْرَأَنيهَا، وَفِي (الْحِلْية) لأبي نعيم فِي تَرْجَمَة، أبي هُرَيْرَة من وَجه آخر عَنهُ، أَن الْآيَة الْمَذْكُورَة من آل عمرَان. وَفِيه: أَقْرَأَنِي وَأَنا لَا أُرِيد الْقِرَاءَة. إِنَّمَا أُرِيد الْإِطْعَام فَلم يفْطن عمر مُرَاده. قَوْله: (فَخَرَرْت لوجهي) ويروى: على وَجْهي، أَي: سَقَطت من خر يخر بِالضَّمِّ وَالْكَسْر إِذا سقط من علو. وَفِي (الْحِلْية) وَكَانَ يَوْمئِذٍ صَائِما. قَوْله: (فَإِذا) كلمة مفاجأة. قَوْله: (إِلَى رَحْله) أَي: إِلَى مَسْكَنه. قَوْله: (بعس) بِضَم الْعين وَتَشْديد السِّين الْمُهْملَة وَهُوَ الْقدح الْعَظِيم. قَوْله: (حَتَّى اسْتَوَى بَطْني) أَي: حَتَّى استقام لامتلائه من اللَّبن. قَوْله: (كالقدح) بِكَسْر الْقَاف وَسُكُون الدَّال الْمُهْملَة وَهُوَ السهْم الَّذِي لَا ريش لَهُ. قَوْله: (تولى الله تَعَالَى) من التَّوْلِيَة وَالْفَاعِل هُوَ الله وَمن مفعول ويروى: تولى ذَلِك أَي: بَاشرهُ من إشباعي وَدفع الْجُوع عني رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَوْله: (ولانا) اللَّام فِيهِ للتَّأْكِيد وَهُوَ مُبْتَدأ أَو قَوْله: (واقرأ لَهَا) خَبره أَي: لِلْآيَةِ الَّتِي فتحهَا عَلَيْهِ عمر، واقرأ أفعل التَّفْضِيل. قَالَ بَعضهم: فِيهِ إِشْعَار بِأَن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، لما قَرَأَهَا عَلَيْهِ توقف فِيهَا أَو فِي شَيْء مِنْهَا حَتَّى سَاغَ لأبي هُرَيْرَة مَا قَالَ: وَلذَلِك أقره عمر عَلَيْهِ قلت لَيْسَ كَذَلِك وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِك عتبا على عمر حَيْثُ لم يفْطن حَاله وَلم يكن قَصده الاستقراء بل كَانَ قَصده أَن يطعمهُ شَيْئا، ويوضح هَذَا مَا رُوِيَ عَن أبي هُرَيْرَة أَنه قَالَ: وَالله مَا اسْتَقر أَنه الْآيَة، وَأَنا أَقرَأ بهَا مِنْهُ إلاّ طَمَعا فِي أَن يذهب بِي ويطعمني، وَأما قَوْله: وَلذَلِك أقره عمر عَلَيْهِ فَإِنَّمَا مَعْنَاهُ أَنه من استحيائه مِنْهُ حَيْثُ لم يطعمهُ سكت عَنهُ وَلم يُنكر عَلَيْهِ وَفِي الَّذِي قَالَه هَذَا الْقَائِل نوع نقص فِي حق عمر، على مَا لَا يخفى. قَوْله: (لِأَن أكون) اللَّام فِيهِ مَفْتُوحَة للتَّأْكِيد. قَوْله: (أدخلتك أحب إليَّ من حمر النعم) أَرَادَ بِهِ أَن ضيافتك كَانَت عِنْدِي أحب إليّ من حمر النعم أَي: النعم أَي: الْحمر الْإِبِل، وَهُوَ أشرف أَمْوَال الْعَرَب، وَلَفظ: أحب، أفعل التَّفْضِيل بِمَعْنى الْمَفْعُول، وَهَذَا حث من عمر وحرص على فعل الْخَيْر والمواساة.

وَفِي الحَدِيث: التَّعْرِيض بِالْمَسْأَلَة والاستحياء. وَفِيه: ذكر الرجل مَا كَانَ أَصَابَهُ من الْجهد. وَفِيه: إِبَاحَة الشِّبَع عِنْد الْجُوع. وَفِيه: مَا كَانَ السّلف عَلَيْهِ من الصَّبْر على الْقلَّة وشظف الْعَيْش وَالرِّضَا باليسير من الدُّنْيَا. وَفِيه: ستر الرجل حِيلَة أَخِيه الْمُؤمن إِذا علم مِنْهُ حَاجَة من غير أَن يسْأَله ذَلِك. وَفِيه: أَنه كَانَ من عَادَتهم إِذا استقرأ أحدهم صَاحب الْقُرْآن يحملهُ إِلَى بَيته ويطعمه مَا تيَسّر عِنْده، وَالله أعلم.

٢ - (بَابُ: {التسْمِيَةِ عَلَى الطعَّامِ وَالأكْلِ بِالْيَمِينِ} )

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان التسيمة على الطَّعَام، أَي: القَوْل باسم الله فِي ابْتِدَاء الْأكل وأصرح مَا ورد فِي صفة التَّسْمِيَة مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ من طَرِيق أم كُلْثُوم عَن عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا مَرْفُوعا إِذا أكل أحدكُم الطَّعَام فَلْيقل: بِسم الله فَإِن نسي فِي أَوله فَلْيقل بِسم الله أَوله وَآخره، وَالْأَمر بِالتَّسْمِيَةِ عِنْد الْأكل مَحْمُول على النّدب عِنْد الْجُمْهُور، وَحمله بَعضهم على الْوُجُوب لظَاهِر الْأَمر، وَقَالَ النَّوَوِيّ: اسْتِحْبَاب التَّسْمِيَة فِي ابْتِدَاء الطَّعَام مجمع عَلَيْهِ، وَكَذَا يسْتَحبّ حمد الله فِي آخِره. قَالَ الْعلمَاء: يسْتَحبّ أَن يجْهر بالتسيمة لينبه غَيره فَإِن تَركهَا عَامِدًا أَو نَاسِيا أَو جَاهِلا أَو مكْرها أَو عَاجِزا لعَارض ثمَّ تمكن فِي أثْنَاء أكله يسْتَحبّ لَهُ أَن يُسَمِّي، وَتحصل التَّسْمِيَة بقوله: بِسم الله فَإِن اتبعها بالرحمان الرَّحِيم كَانَ حسنا، وَيُسمى كل وَاحِد من الآكلين. وَقَالَ الشَّافِعِي، فَإِن سمى وَاحِد مِنْهُم حصلت التَّسْمِيَة. قَوْله: (وَالْأكل بِالْيَمِينِ) بِالْجَرِّ عطف على التَّسْمِيَة أَي: وَفِي بَيَان الْأكل بِالْيَمِينِ، وَيَأْتِي عَن قريب فِي حَدِيث عمر بن أبي سَلمَة: يَا غُلَام اسْم الله وكُلْ بيمينك وكُل مِمَّا يليك، وَقَالَ شَيخنَا زين الدّين: الْأَمر بِالْأَكْلِ مِمَّا يَلِيهِ وَالْأكل بِالْيَمِينِ حمله أَكثر أَصْحَابنَا على النّدب، وَبِه صرح الْغَزالِيّ وَالنَّوَوِيّ، وَقد نَص الشَّافِعِي فِي (الْأُم) على وُجُوبه، وَزعم الْقُرْطُبِيّ أَن الْأكل بِالْيَمِينِ مَحْمُول على النّدب، وَلِأَنَّهُ من بَاب تشريف الْيَمين، وَلِأَنَّهَا أقوى فِي الْأَعْمَال

<<  <  ج: ص:  >  >>