الْخَبيث مِنْهُ تنفقون} (الْبَقَرَة: ٧٦٢) . قَالَ: كسب الْمُسلم لَا يكون خبيثا، وَلَكِن لَا يتَصَدَّق بالحشف وَالدِّرْهَم الزيف وَمَا لَا خير فِيهِ، وَقَالَ أَحْمد بِإِسْنَادِهِ عَن عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، قَالَت: (أُتِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بضب فَلم يَأْكُلهُ، وَلم ينْه عَنهُ. قلت: يَا رَسُول الله نطعمه الْمَسَاكِين؟ قَالَ: لَا تطعموهم مِمَّا لَا تَأْكُلُونَ) . وَقَالَ عُبَيْدَة: سَأَلت عليا عَن قَوْله: {انفقوا من طَيّبَات مَا كسبتم} (الْبَقَرَة: ٧٦٢) . قَالَ من الذَّهَب وَالْفِضَّة وَكَذَا قَالَ السّديّ قَالَ عُبَيْدَة وَسَأَلَهُ عَن قَوْله (وَمِمَّا أخرجنَا لكم من الأَرْض) قَالَ من قَالَ: من الْحبّ وَالثَّمَر كل شَيْء عَلَيْهِ زَكَاة، وَقَالَ مُجَاهِد: من النّخل، وَلَا تيمموا، قَالَ الطَّبَرِيّ: لَا تقصدوا وتعمدوا، وَفِي قِرَاءَة عبد الله، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَلَا تَمُوتُوا من أممت، وَالْمعْنَى وَاحِد، وَإِن اخْتلفت الْأَلْفَاظ. وَقَالَ أَبُو بكر الْهُذلِيّ: عَن ابْن سِيرِين عَن عُبَيْدَة عَن عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: أنزلت هَذِه الْآيَة فِي الزَّكَاة الْمَفْرُوضَة، كَانَ الرجل يعمد إِلَى التَّمْر فيصرمه فيعزل الْجيد نَاحيَة، فَإِذا جَاءَ صَاحب الصَّدَقَة أعطَاهُ من الرَّدِيء، فَقَالَ الله تَعَالَى: {وَلَا تيمموا الْخَبيث مِنْهُ تنفقون} (الْبَقَرَة: ٧٦٢) . قَالَ ابْن زيد: الْخَبيث هُنَا هُوَ الْحَرَام. وَقَالَ الثَّوْريّ: عَن السّديّ عَن أبي مَالك، واسْمه عزوان عَن الْبَراء: {ولستم بآخذيه إِلَّا أَن تغمضوا فِيهِ} (الْبَقَرَة: ٧٦٢) . يَقُول: لَو كَانَ لرجل على رجل دين فَأعْطَاهُ ذَلِك لم يَأْخُذهُ إلَاّ أَن يرى أَنه قد نَقصه من حَقه، رَوَاهُ ابْن جرير، وَقَالَ عَليّ بن أبي طَلْحَة: عَن ابْن عَبَّاس: {ولستم بآخذيه إلَاّ أَن تغمضوا فِيهِ} (الْبَقَرَة: ٧٦٢) . يَقُول: لَو كَانَ لكم على أحد حق فجاءكم بِحَق دون حقكم لم تأخذوه بِحِسَاب الْجيد حَتَّى تنقصوه، قَالَ: وَذَلِكَ قَوْله: {إلَاّ أَن تغمضوا فِيهِ} (الْبَقَرَة: ٧٦٢) . فَكيف ترْضونَ لي مَا لَا ترْضونَ لأنفسكم، وحقي عَلَيْكُم من أطيب أَمْوَالكُم وأنفسها؟) . رَوَاهُ ابْن أبي حَاتِم وَابْن جرير، وَزَاد قَوْله تَعَالَى: {لن تنالوا الْبر حَتَّى تنفقوا مِمَّا تحبون} (آل عمرَان: ٢٩) . قَوْله: {وَاعْلَمُوا أَن الله غَنِي حميد} (الْبَقَرَة: ٧٦٢) . أَي: وَإِن أَمركُم بالصدقات وبالطيب مِنْهَا فَهُوَ غَنِي عَنْهَا، حميد فِي جَمِيع أَفعاله وأقواله وشرعه وَقدره لَا إلاه إلاص هُوَ وَلَا رب سواهُ.
٠٣ - (بابٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٌ صَدَقَةٌ فَمَنْ يَجِدْ فَلْيَعْمَلْ بِالْمَعْرُوفِ)
أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ على كل مُسلم صَدَقَة. قَوْله: (فَمن لم يجد) من التَّرْجَمَة أَي: فَمن لم يقدر على الصَّدَقَة فليعمل بِالْمَعْرُوفِ، وَالْمَعْرُوف اسْم جَامع لكل مَا عرف من طَاعَة الله عز وَجل، والتقرب إِلَيْهِ وَالْإِحْسَان إِلَى النَّاس، وكل مَا ندب إِلَيْهِ الشَّرْع وَنهى عَنهُ من المحسنات والمقبحات.
٥٤٤١ - حدَّثنا مُسْلِمُ بنُ إبْرَاهِيمَ قَالَ حدَّثنا شُعْبَةُ قَالَ حدَّثنا سَعِيدُ بنُ أبِي بُرْدَةَ عنْ أبِيهِ عنْ جَدِّهِ عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَالَ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ صَدَقَةٌ فقالُوا يَا نَبِيَّ الله فَمَنْ لَمْ يَجِدْ قَالَ يَعْمَلُ بِيَدِهِ فَيَنفَعُ نَفْسَهُ وَيَتصَدَّقُ قَالُوا فإنْ لَمْ يَجِدْ قَالَ يُعِينُ ذَا الحَاجَةِ المَلْهُوفَ قالُوا فإنْ لَمْ يَجِدْ قالَ فَلْيَعْمَلْ بِالْمَعْرُوفِ ولْيُمْسِكْ عنِ الشَّرِّ فإنَّهَا لَهُ صَدَقَةٌ.
(الحَدِيث ٥٤٤١ طرفه فِي ٢٢٠٦) .
مطابقته للتَّرْجَمَة للجزء الأول بِعَيْنِه وللجزء الثَّانِي فِي قَوْله: (فليعمل بِالْمَعْرُوفِ) .
ذكر رِجَاله: وهم خَمْسَة: الأول: مُسلم بن إِبْرَاهِيم الْأَزْدِيّ القصاب، وَقد مر غير مرّة. الثَّانِي: شُعْبَة بن الْحجَّاج. الثَّالِث: سعيد بن أبي بردة، بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة: واسْمه عَامر. الرَّابِع: أَبوهُ أَبُو بردة عَامر. الْخَامِس: جد سعيد وَهُوَ: أَبُو مُوسَى عبد الله بن قيس الْأَشْعَرِيّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع. وَفِيه: العنعنة فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع. وَفِيه: أَن شَيْخه بَصرِي وَشعْبَة واسطي والبقية كوفيون. وَفِيه: رِوَايَة الابْن عَن أَبِيه عَن جده.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الزَّكَاة عَن أبي بكر بن أبي شيبَة، وَعَن مُحَمَّد بن الْمثنى. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن مُحَمَّد بن عبد الْأَعْلَى.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (على كل مُسلم صَدَقَة) قَالَ بَعضهم: أَي على سَبِيل الِاسْتِحْبَاب المتأكد. قلت: كلمة: على، تنَافِي هَذَا الْمَعْنى. وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ: ظَاهره الْوُجُوب، لَكِن خففه، عز وَجل، حَيْثُ جعل مَا خَفِي من المندوبات مسْقطًا لَهُ لطفا مِنْهُ وتفضلاً، قلت: يُمكن أَن يحمل ظَاهر الْوُجُوب على كل مُسلم رأى مُحْتَاجا عَاجِزا عَن التكسب، وَقد أشرف على الْهَلَاك فَإِنَّهُ يجب عَلَيْهِ أَن يتَصَدَّق عَلَيْهِ إحْيَاء لَهُ. قَالَ الْقُرْطُبِيّ: أطلق الصَّدَقَة هُنَا وَبَينهَا فِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة، بقوله: (فِي كل يَوْم) ، وَهَذَا أخرجه مُسلم