وَمن دخله كَانَ آمنا} (آل عمرَان: ٩٧) فاقتصر على اثْنَتَيْنِ فَقَط، فَهَذَا على أحد الْأَقْوَال فِي الْآيَة وَلَكِن لَيْسَ الحَدِيث كَذَلِك فَإِنَّهُ فِي الأَصْل: سَبْعَة، حذف مِنْهَا البُخَارِيّ خَمْسَة، وَلَيْسَ شَأْن الْآيَة كَذَلِك انْتهى. قلت: النُّكْتَة فِي اقْتِصَاره على اثْنَتَيْنِ من السَّبع هُنَا الرَّمْز إِلَى تَأْكِيد أَمر السحر كَلَام واهٍ جدا، لِأَنَّهُ لَو ذكر الحَدِيث كُله مَعَ وضع التَّرْجَمَة الْمَذْكُورَة لَهُ لما كَانَ فِيهِ رمز إِلَى تَأْكِيد أَمر السحر. قَوْله: (وَظن بعض النَّاس) الخ ... أَرَادَ بِهِ الْكرْمَانِي، وَلَكِن الَّذِي ذكره تَقول على الْكرْمَانِي فَإِنَّهُ لم يقل أَن هَذَا الْقدر جملَة الحَدِيث بل صرح بقوله: هَذَا الَّذِي فِي الْكتاب مُخْتَصر من مطول، وَلِهَذَا ذكر الاثنتين فَقَط. وَقَوله: وَلَيْسَ شَأْن الْآيَة كَذَلِك، كَلَام مَرْدُود، وَكَيف لَا يكون كَذَلِك فَإِنَّهُ ذكر فِيهِ أَولا. {فِيهِ آيَات بَيِّنَات} فَهَذَا يتَنَاوَل الْعدَد الْكثير ثمَّ ذكر مِنْهُ اثْنَيْنِ فَقَط، وهما: مقَام ابراهيم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. وَقَوله: {وَمن دخله كَانَ آمنا} وَقد ذكر الزَّمَخْشَرِيّ فِيهِ وُجُوهًا كَثِيرَة، فَمن أَرَادَ الْوُقُوف عَلَيْهِ فَليرْجع إِلَيْهِ. قَوْله: (الشّرك بِاللَّه وَالسحر) قَالَ ابْن مَالك: يجوز الرّفْع فيهمَا على تَقْدِير: مِنْهُنَّ. قلت: الْأَحْسَن أَن يُقَال: إِن التَّقْدِير الأول: الشّرك بِاللَّه وَالثَّانِي السحر، وَكَذَلِكَ يقدر فِي الْبَوَاقِي هَكَذَا فَيكون وَجه الرّفْع على أَنه خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف.
٤٩ - (بابٌ هَلْ يَسْتَخْرِجُ السِّحْرَ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان: هَل يسْتَخْرج السحر، إِنَّمَا ذكره بِحرف الِاسْتِفْهَام إِشَارَة إِلَى الِاخْتِلَاف فِيهِ.
وَقَالَ قتادَةُ: قُلْتُ لِسَعِيد بنِ المُسَيَّبِ: رجُلٌ بِهِ طِبُّ أوْ يُؤَخذُ عَن امْرَأتِهِ أيُحَلُّ عَنْهُ أوْ يُنَشَّرُ؟ قَالَ: لَا بأْسَ بِهِ، إنَّما يُرِيدُونَ بِهِ الإصْلاحَ، فَأَما مَا يَنْفَعُ فَلَمْ يُنْهَ عَنْهُ.
لما ذكر التَّرْجَمَة بالاستفهام أورد الَّذِي روى عَن قَتَادَة إِشَارَة إِلَى تَرْجِيح جَوَاز اسْتِخْرَاج السحر وعلقه عَن قَتَادَة، وَوَصله أَبُو بكر الْأَثْرَم فِي (كتاب السّنَن) من طَرِيق أبان الْعَطَّار مثله. قَوْله: (بِهِ طب) بِكَسْر الطَّاء وتشديدذ الْبَاء أَي: سحر. قَوْله: (أَو يُؤْخَذ) بِضَم الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفتح الْهمزَة على الْوَاو وَتَشْديد الْخَاء الْمُعْجَمَة وبالذال الْمُعْجَمَة أَي: يحبس الرجل عَن مُبَاشرَة امْرَأَته وَلَا يصل إِلَى جِمَاعهَا، وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُور بِعقد الرجل، وَقَالَ الْجَوْهَرِي: الأخذة بِالضَّمِّ الرّقية كالسحر، أَو حرزة يُؤْخَذ بهَا الرِّجَال عَن النِّسَاء من التأخيذ. قَوْله: (أَيحلُّ؟) بِهَمْزَة الِاسْتِفْهَام على صِيغَة الْمَجْهُول. قَوْله: (أَو ينشر؟) بِضَم الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفتح النُّون وَتَشْديد الشين الْمُعْجَمَة وبالراء على صِيغَة الْمَجْهُول أَيْضا: من التنشير من النشرة، بِضَم النُّون وَسُكُون الشين وَهِي كالتعويذ والرقية يعالج بِهِ الْمَجْنُون ينشر عَنهُ تنشيراً، وَكلمَة: أَو، يحْتَمل أَن تكون شكا وَأَن تكون تنوعاً شَبِيها باللف والنشر، بِأَن يكون الْحل فِي مُقَابلَة الطِّبّ والتنشير فِي مُقَابلَة التأخيذ. قَوْله: (فَأَما) مَا ينفع، ويروى: مَا ينفع النَّاس فَلم ينْه عَنهُ على صِيغَة الْمَجْهُول.
٥٧٦٥ - حدّثني عبْدُ الله بنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: سَمَعْتُ ابنَ عُيَيْنَةَ، يَقُولُ: أوَّلُ مَنْ حَدَّثنا بِهِ ابنُ جُرَيْجٍ يَقُولُ: حَدَّثَني آلُ عُرْوَةَ عنْ عُرْوَةَ، فَسَألْتُ هِشاماً عَنْهُ فَحَدَّثَنا عنْ أبيهِ عنْ عائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا قالَتْ: كَانَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سُحِرَ حتَّى كَانَ يَراى أنَّهُ يَأْتِي النِّساءَ وَلَا يَأتِيهِنَّ، قَالَ سفْيانُ: وهذَا أشَدُّ مَا يَكُونُ مِنَ السِّحْرِ إِذا كانَ كَذاا، فَقَالَ: يَا عائِشَةُ! أعَلِمْتِ أنَّ الله قَدْ أفْتانِي فِيما اسْتَفْتَيْتُهُ فيهِ؟ أتانِي رَجلانِ فَقَعَدَ أحَدُهُما عِنْدَ رَأسِي والآخَرُ عِنْدَ رِجْلَيَّ، فَقَالَ الَّذِي عِنْدَ رَأسِي لِلآخَرِ: مَا بالُ الرَّجُل؟ قَالَ: مَطْبُوبٌ. قَالَ: ومَنْ طَبَّهُ؟ قَالَ: لَبِيدُ بنُ أعْصَمَ، رَجُلٌ مِنْ بَني زُرَيْقٍ حَلِيفٌ لِيَهُودَ كانَ مُنافِقاً قَالَ: وفِيم؟ قَالَ: فِي مُشْطٍ ومُشاقَةٍ. قَالَ: وأينَ؟ قَالَ: فِي جُفِّ طَلْعَةٍ ذَكَرٍ تَحْتَ رَاعُوفَةٍ فِي بِئْرٍ ذَرْوانَ. قَالَتْ: فأتَى النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم البِئْرَ حتَّى اسْتَخْرَجَهُ، فَقَالَ: هاذِهِ البِئْرُ الَّتي أُرِيتُها وكأنَّ ماءَها نُقاعَةُ الحِنَّاءِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute