يَعْتَقِدُونَ أَنهم يَتَقَرَّبُون بِمثلِهِ إِلَى الله تَعَالَى. قَوْله: (وبشيء غير ذَلِك) كَأَن الرَّاوِي لم يضْبط مَا كَانَ مربوطا بِهِ، فلأجل ذَلِك شكّ فِيهِ، وَغير السّير وَالْخَيْط نَحْو المنديل الَّذِي يرْبط بِهِ أَو الْوتر أَو غَيرهمَا. قَوْله: (قده) ، بِضَم الْقَاف: أَمر من قَادَهُ يَقُودهُ من القيادة أَو الْقود، وَهُوَ الْجَرّ والسجب، ويروى: (قد بِيَدِهِ) ، بِدُونِ الضَّمِير فِي: قده، وَفِي رِوَايَة أَحْمد وَالنَّسَائِيّ: قده، بالضمير. وَفِي (التَّلْوِيح) بِخَط مُصَنفه: خُذ بِيَدِهِ، قيل: ظَاهر الحَدِيث أَن المقود كَانَ ضريرا، ورد بِأَنَّهُ يحْتَمل أَن يكون لِمَعْنى آخر، وَقَالَ الْكرْمَانِي: قيل: إسم الرجل المقود ثَوَاب ضد الْعقَاب وَقَالَ بَعضهم: وَلم أر ذَلِك لغيره، وَلَا أَدْرِي من أَيْن أَخذه. قلت: إِن هَذَا مِمَّا يتعجب مِنْهُ، فَلَا يلْزم من عدم رُؤْيَته كَذَلِك، عدم رُؤْيَة الْغَيْر، وَلَا اطلع هُوَ على الْمَوَاضِع الْمُتَعَلّقَة بِهَذَا جَمِيعًا جتى يستغرب ذَلِك.
ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ فِيهِ: إِبَاحَة الْكَلَام بِالْخَيرِ فِي الطّواف. وَفِيه: أَنه يجوز للطائف فعل مَا خف من الْأَفْعَال. وَفِيه: أَنه إِذا رأى مُنْكرا فَلهُ أَن يُغير بِيَدِهِ. وَفِيه: أَن من نذر مَالا طَاعَة لله فِيهِ لَا يلْزمه، ذكره الدَّاودِيّ وَاعْتَرضهُ ابْن التِّين، فَقَالَ: لَيْسَ هُنَا نذر ذَلِك، وغفل أَنه ذكره فِي النّذر، وَقد روى أَحْمد من طَرِيق عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده: (أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أدْرك رجلَيْنِ وهما مقترنان، فَقَالَ: مَا بَال القِران؟ قَالَا: إِنَّا نذرنا لنقترنن حَتَّى نأتي الْكَعْبَة. فَقَالَ: أطلقا أنفسكما، لَيْسَ هَذَا نذرا إِنَّمَا النّذر مَا يَبْتَغِي بِهِ وَجه الله) . وروى الطَّبَرَانِيّ من طَرِيق فَاطِمَة بنت مُسلم: (حَدثنِي خَليفَة بن بشر عَن أَبِيه أَنه أسلم، فَرد عَلَيْهِ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَاله وَولده، ثمَّ لقِيه هُوَ وَابْنه طلق بن بشر مقترنين بِحَبل، فَقَالَ: مَا هَذَا؟ فَقَالَ: حَلَفت لَئِن رد الله عَليّ مَالِي وَوَلَدي لأحجن بَيت الله مَقْرُونا. فَأخذ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْحَبل فَقَطعه، وَقَالَ لَهما: حجا، إِن هَذَا من عمل الشَّيْطَان) . وَقَالَ النَّوَوِيّ: قطعه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم السّير مَحْمُول على أَنه لم يُمكن إِزَالَة هَذَا الْمُنكر إلَاّ بِقطعِهِ.
فروع ذكرهَا الشَّافِعِيَّة: وَهِي: يجوز لَهُ إنشاد الشّعْر وَالرجز فِي الطّواف إِذا كَانَ مُبَاحا، قَالَه الْمَاوَرْدِيّ، وَتَبعهُ صَاحب (الْبَحْر) وَيكرهُ أَن يبصق فِيهِ أَو يتنخم أَو يغتاب أَو ينم فَلَا يفْسد طَوَافه بِشَيْء من ذَلِك، وَإِن أَثم صرح بِهِ الْمَاوَرْدِيّ، وَقيل: لَا يكره لَهُ التَّعْلِيم فِيهِ كَمَا فِي الِاعْتِكَاف، قَالَه الرَّوْيَانِيّ، وَيكرهُ أَن يضع يَده على فَمه كَمَا فِي الصَّلَاة، قَالَه الرَّوْيَانِيّ، وَلَو احْتَاجَ إِلَيْهِ للتثاوب فَلَا بَأْس بذلك، وَلَو طافت الْمَرْأَة متنقبة وَهِي غير مُحرمَة، قَالَ فِي (التَّوْضِيح) : فَمُقْتَضى مَذْهَبنَا كَرَاهَته كَمَا فِي الصَّلَاة. وَحكى ابْن الْمُنْذر عَن عَائِشَة أَنَّهَا كَانَت تَطوف متنقبة، وَبِه قَالَ أَحْمد وَابْن الْمُنْذر، وَكَرِهَهُ طَاوُوس وَغَيره، وَالله أعلم.
٦٦ - (بابٌ إذَا رأى سَيْرا أوْ شَيْئا يُكْرَهُ فِي الطَّوَافِ قَطَعَهُ)
أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ أَن شخصا إِذا رأى سيرا ربط بِهِ آخر فِي الطّواف وَهُوَ يُقَاد بِهِ قطعه. قَوْله: (أَو رأى شَيْئا يكره فعله فِي الطّواف مَنعه) قَوْله: (يكره) على صِيغَة الْمَجْهُول، صفة لقَوْله: شَيْئا، ويروى: يكرههُ الرَّائِي من فعل مُنْكرا أَو قَول مُنكر، وَقَوله: (قطعه) بِصِيغَة الْمَاضِي جَوَاب إِذا، وَلَكِن مَعْنَاهُ فِي السّير على الْحَقِيقَة، وَفِي الشَّيْء الَّذِي يكره بِمَعْنى الْمَنْع كَمَا ذَكرْنَاهُ.
١٢٦١ - حدَّثنا أبُو عَاصِمٍ عنِ ابنِ جُرَيْجٍ عَن سُلَيْمَانَ الأحْوَلِ عنْ طَاوُوسٍ عنِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُما أنَّ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رأى رجُلاً يَطُوفُ بِالكَعْبَةِ بِزِمَام أَو غَيْرِهِ فقَطَعَهُ..
هَذَا وَجه آخر من حَدِيث ابْن عَبَّاس الْمَذْكُور. أخرجه عَن أبي عَاصِم الضَّحَّاك بن مخلد عَن عبد الْملك بن عبد الْعَزِيز بن جريج عَن سُلَيْمَان بن أبي مُسلم الْأَحول إِلَى آخِره. قَوْله: (أَو غَيره) شكّ من الرَّاوِي.
٧٦ - (بابٌ لَا يَطُوفُ بالْبَيْتِ عُرْيَانٌ ولَا يَحُجُّ مُشْرِكٌ)
أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ: لَا يطوف ... إِلَى آخِره.
٢٢٦١ - حدَّثنا يَحْيَى بنُ بُكَيْرٍ قَالَ حدَّثنا اللَّيْثُ قَالَ يُونُسُ قَالَ ابنُ شِهَابٍ حدَّثني حُمَيْدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمانِ أنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ أخْبَرَهُ أنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ بعَثَهُ فِي الحَجَّةِ الَّتِي أمَّرَهُ عَلَيْهَا رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَبْلَ حَجَّةِ الوَدَاعِ يَوْمَ النَّحْرِ فِي رَهْطٍ يُؤذِّنُ فِي النَّاسِ ألَا يَحُجَّ بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ وَلَا يَطُوفُ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ.
.