للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

الْمَرَض يقصر يَد الْمَالِك عَن بعض ملكه وَإِن سخاوته بِالْمَالِ فِي مَرضه لَا تمحو عَنهُ سمة الْبُخْل، وَلذَلِك شَرط أَن يكون صَحِيح الْبدن شحيحا بِالْمَالِ، يجد لَهُ وَقعا فِي قلبه لما يأمله من طول الْعُمر، وَيخَاف من حُدُوث الْفقر. قَالَ: والإسمان الْأَوَّلَانِ كِنَايَة عَن الْمُوصى لَهُ، وَالثَّالِث عَن الْوَارِث يُرِيد أَنه إِذا صَار للْوَارِث فَإِنَّهُ إِن شَاءَ أبْطلهُ وَلم يجزه، وَقَالَ الْكرْمَانِي: وَيحْتَمل أَن يكون كِنَايَة عَن الْمُورث أَي: خرج عَن تصرفه وَكَمَال ملكه واستقلاله بِمَا شَاءَ من التَّصَرُّفَات، فَلَيْسَ لَهُ فِي وَصيته كثير ثَوَاب بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا كَانَ كَامِل التَّصَرُّف. فَإِن قلت: فِي قَوْله: كِنَايَة عَن الْمُورث، نظر لَا يخفى، وروى أَبُو الدَّرْدَاء أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (مثل الَّذِي يعْتق عِنْد الْمَوْت كَالَّذي يهدي إِذا شبع) ، وَلما بلغ مَيْمُون بن مهْرَان أَن رقية امْرَأَة هِشَام مَاتَت واعتقت كل مَمْلُوك لَهَا، قَالَ: يعصون الله فِي أَمْوَالهم مرَّتَيْنِ: يَبْخلُونَ بِمَا فِي أَيْديهم، فَإِذا صَارَت لغَيرهم أَسْرفُوا فِيهَا. قَوْله: (وَقد كَانَ لفُلَان) يُرِيد بِهِ الْوَارِث، كَمَا قَالَه الْخطابِيّ آنِفا، فَإِنَّهُ إِذا شَاءَ لم يجزه، قيل: لَعَلَّه إِذا جَاوَزت الْوَصِيَّة الثُّلُث أَو كَانَت لوَارث وَقبل، سبق الْقَضَاء بِهِ للْمُوصى لَهُ.

(بابٌ)

أَي: هَذَا بَاب، كَذَا وَقع فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَسقط هَذَا فِي رِوَايَة أبي ذَر، فعلى رِوَايَته يكون هَذَا من تَرْجَمَة الْبَاب السَّابِق، وعَلى رِوَايَة غَيره يكون قَوْله: بَاب، كالفصل من الْبَاب، لِأَن دأب المصنفين جرى بِذكر لفظ: كتاب، فِي كَذَا ثمَّ يذكرُونَ فِيهِ أبوابا ثمَّ يذكرُونَ فِي كل بَاب فصولاً.

٠٢٤١ - حدَّثنا مُوسَى بنُ إسْمَاعِيلَ قَالَ حدَّثنا أبُو عَوَانَةَ عنْ فِرَاسٍ عنِ الشَّعْبِيِّ عنْ مَسْرُوقٍ عنْ عَائِشَةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا أنَّ بَعْضَ أزْوَاجِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قُلْنَ لِللنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أيُّنَا بِكَ لُحُوقا قَالَ أطْوَلُكُنَّ يَدَا فأخَذُوا قَصَبَةً يَذْرَعُونَهَا فكَانَتْ سَوْدَةُ أطْوَلُهُنَّ يَدا فَعَلِمْنَا بَعْدُ أنَّما كانَتْ طُولَ يَدِهَا الصَّدَقَةُ وكَانَتْ أسْرَعَنَا لُحُوقا بِهِ وكانَتْ تُحِبِّ الصَّدَقَةَ.

وَجه تعلق هَذَا الحَدِيث بِمَا قبله من حَيْثُ إِنَّه يبين أَن المُرَاد بطول الْيَد الْمُقْتَضِي للحاق بِهِ الطول، بِالْفَتْح، وَذَلِكَ لَا يَأْتِي إلَاّ من الصَّحِيح لِأَنَّهُ لَا يحصل إلَاّ بالمداومة فِي حَال الصِّحَّة.

ذكر رِجَاله: وهم سِتَّة: الأول: مُوسَى بن إِسْمَاعِيل الْمنْقري، وَقد مضى عَن قريب. الثَّانِي: أَبُو عوَانَة، بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة: واسْمه الوضاح بن عبد الله الْيَشْكُرِي. الثَّالِث: فراس، بِكَسْر الْفَاء وَتَخْفِيف الرَّاء وَفِي آخِره سين مُهْملَة: ابْن يحيى الخارفي، بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة وَالرَّاء وَالْفَاء: الْمكتب. الرَّابِع: عَامر بن شرَاحِيل الشّعبِيّ. الْخَامِس: مَسْرُوق بن الأجدع. السَّادِس: عَائِشَة أم الْمُؤمنِينَ. رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا.

ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين. وَفِيه: العنعنة فِي أَرْبَعَة مَوَاضِع. وَفِيه: أَن شَيْخه بَصرِي وَأَبُو عوَانَة واسطي وفراس وَالشعْبِيّ ومسروق كوفيون. وَفِيه: رِوَايَة التَّابِعِيّ عَن التَّابِعِيّ عَن الصحابية. وَفِيه: أَن أحد الروَاة مَذْكُور بكنيته وَالْآخر بنسبته وَالْآخر مُجَرّد.

والْحَدِيث أخرجه النَّسَائِيّ أَيْضا فِي الزَّكَاة عَن أبي دَاوُد الْحَرَّانِي عَن يحيى بن حَمَّاد عَن أبي عوَانَة عَن فراس عَن الشّعبِيّ بِهِ.

ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (أَن بعض أَزوَاج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قُلْنَ:) بِصِيغَة جمع الْمُؤَنَّث، وَعند ابْن حبَان من طَرِيق يحيى بن حَمَّاد عَن أبي عوَانَة بِهَذَا الْإِسْنَاد، قَالَت: فَقلت، وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي هَذَا الْوَجْه بِلَفْظ: فَقُلْنَ، بِصِيغَة الْجمع. قَوْله: (أَيّنَا) إِنَّمَا لم يقل أَيَّتنَا، بتاء التَّأْنِيث لِأَن سِيبَوَيْهٍ يشبه تَأْنِيث: أَي: بتأنيث: كل، فِي قَوْلهم: كلتهن، يَعْنِي: لَيْسَ بفصيحة، ذكره الزَّمَخْشَرِيّ فِي سُورَة لُقْمَان. قَوْله: (لُحُوقا) نصب على التَّمْيِيز، أَي: من حَيْثُ اللحوق بك. قَوْله: (أَطْوَلكُنَّ) مَرْفُوع، يجوز أَن يكون مُبْتَدأ وَيجوز أَن يكون خَبرا. أما الأول: فتقديره: أَطْوَلكُنَّ يدا أسْرع بِي لُحُوقا. وَأما الثَّانِي: فتقديره: أسْرع بِي لُحُوقا أَطْوَلكُنَّ يدا، ويدا نصب على التَّمْيِيز، وَإِنَّمَا لم يقل: طولا، كن، بِلَفْظ: فعلى، لِأَن الْقيَاس هَذَا، لِأَن فِي مثله يجوز الْإِفْرَاد والمطابقة لمن أفعل التَّفْضِيل

<<  <  ج: ص:  >  >>