لَا يفرق بَين الْهِبَة وَالصَّدَََقَة، وَلَيْسَ كَذَلِك، فَإِن الْهِبَة يجوز الرُّجُوع فِيهَا على مَا فِيهِ من الْخلاف وَالتَّفْصِيل، بِخِلَاف الصَّدَقَة فَإِنَّهُ لَا يجوز الرُّجُوع فِيهَا مُطلقًا، والْحَدِيث مضى فِي كتاب الزَّكَاة فِي: بَاب هَل يَشْتَرِي صدقته؟ فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ: عَن عبد الله ابْن يُوسُف عَن مَالك ... إِلَى آخِره، وَأخرجه هُنَا عَن يحيى بن قزعة، بِفَتْح الْقَاف وَالزَّاي وَالْعين الْمُهْملَة: الْمَكِّيّ، وَهُوَ من أَفْرَاده عَن مَالك عَن زيد بن أسلم عَن أَبِيه، أسلم أبي خَالِد، مولى عمر بن الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
قَوْله: (عَن زيد ن أسلم) سَيَأْتِي فِي آخر حَدِيث فِي الْهِبَة عَن الْحميدِي: حَدثنَا سُفْيَان سَمِعت مَالِكًا يسْأَل زيد بن أسلم، قَالَ: سَمِعت أبي ... فَذكره مُخْتَصرا، ولمالك فِيهِ إِسْنَاد آخر سَيَأْتِي فِي الْجِهَاد: عَن نَافِع عَن ابْن عمر ... وَله فِيهِ إِسْنَاد قَالَت: عَن عَمْرو بن دِينَار عَن ثَابت الْأَحْنَف عَن ابْن عمر ... أخرجه أَبُو عمر. قَوْله: (سَمِعت عمر بن الْخطاب) زَاد ابْن الْمَدِينِيّ عَن سُفْيَان: على الْمِنْبَر، وَهِي للموطآت للدارقطني. قَوْله: (حملت على فرس) أَي: تَصَدَّقت بِهِ ووهبته بِأَن يقاتَلَ عَلَيْهِ فِي سَبِيل الله، وَفِي رِوَايَة القعْنبِي فِي (الْمُوَطَّأ) : على فرس عَتيق، والعتيق الْكَرِيم الْفَائِق من كل شَيْء، وَهَذَا الْفرس هُوَ الَّذِي أهداه تَمِيم الدَّارِيّ لرَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يُقَال لَهُ: الْورْد، فَأعْطَاهُ عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فَحمل عَلَيْهِ عمر فِي سَبِيل الله فَوَجَدَهُ يُبَاع، وَهَذَا رَوَاهُ الْوَاقِدِيّ عَن سهل بن سعد فِي تَسْمِيَة خيل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. فَإِن قلت: كَيفَ كَيْفيَّة الْحمل عَلَيْهِ؟ قلت: ظَاهره يَقْتَضِي حمل تمْلِيك ليجاهد بِهِ، وَلَو كَانَ حمل تحبيس لم يجز بَيْعه. قَوْله: (فأضاعه الَّذِي كَانَ عِنْده) أَي: لم يحسن الْقيام عَلَيْهِ، وَقصر فِي مؤونته وخدمته. وَقيل: أَي لم يعرف مِقْدَاره فَأَرَادَ بَيْعه بِدُونِ قِيمَته، وَقيل: اسْتَعْملهُ فِي غير مَا جعل لَهُ. قَوْله: (لَا تشتره) ، نهي للتنزيه لَا للتَّحْرِيم، قَالَه الْكرْمَانِي: قلت: هَكَذَا هُوَ عِنْد الْجُمْهُور وَحمله قوم على التَّحْرِيم وَلَيْسَ بِظَاهِر، وَالله أعلم، ثمَّ إِن هَذَا النَّهْي مَخْصُوص بالصورة الْمَذْكُورَة وَمَا أشبههَا، لَا فِيمَا إِذا رده إِلَيْهِ الْمِيرَاث، مثلا.
١٣ - (بابٌ)
إِن قدر شَيْء مَعَه يكون معرباً وإلَاّ فَلَا، لِأَن الْإِعْرَاب لَا يكون إلَاّ بِالْعقدِ والتركيب، وَهُوَ كالفصل، لِأَن الْكتاب يجمع الْأَبْوَاب، والأبواب تجمع الْفُصُول.
٤٢٦٢ - حدَّثنا حدَّثنا إبْرَاهِيمُ بنُ مُوسَى قَالَ أخبرنَا هِشامُ بنُ يوسُفَ أنَّ ابنَ جُرَيْجٍ أخْبَرَهُمْ قَالَ أَخْبرنِي عبْدُ الله بنُ عُبَيْدِ الله بنِ أبِي مُلَيْكَةَ أنَّ بَني صُهَيْبٍ مَوْلَى ابنِ جُدْعَانَ ادَّعُوا بَيْتَيْنِ وحُجْرَةً أنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أعْطَى ذَلِكَ صُهَيْباً فَقَالَ مَرْوَانُ منْ يَشْهَدُ لَكُما علَى ذالِكَ قَالُوا ابنُ عُمَرَ فدَعَاهُ فَشَهِدَ لأعْطَى رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صُهَيْبَاً بَيْتَيْنِ وحُجْرَةً فقَضَى مرْوَانُ بِشَهَادَتِهِ لَهُمْ.
قَالَ ابْن بطال: ذكر هَذَا الحَدِيث فِي كتاب الْهِبَة، لِأَن فِيهِ: أَن النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وهب صهيباً ذَلِك، وَقَالَ ابْن التِّين: أَتَى البُخَارِيّ بِهَذِهِ الْقِصَّة هُنَا لِأَن العطايا نَافِذَة، وَقَالَ بَعضهم: ومناسبته لَهَا أَن الصَّحَابَة بعد ثُبُوت عَطِيَّة النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ذَلِك لِصُهَيْب لم يستفصلوا: هَل رَجَعَ أَو لَا؟ فَدلَّ على أَن لَا أثر للرُّجُوع فِي الْهِبَة. انْتهى. قلت: أما مَا ذكره ابْن بطال وَابْن التِّين فَلهُ وَجه مَا، وَأما القَوْل الثَّالِث فَلَا وَجه لَهُ أصلا، لِأَن الْمَوْهُوب لَهُ إِذا مَاتَ لَا رُجُوع فِيهِ أصلا عِنْد جَمِيع الْعلمَاء. وَأما عِنْد الْحَنَفِيَّة فَلِأَن الرُّجُوع امْتنع بِالْمَوْتِ، وَأما عِنْد غَيرهم فَلَا رُجُوع من الأول أصلا، لِأَن الْمَوْهُوب لَهُ إِذا مَاتَ لَا رُجُوع فِيهِ أصلا عِنْد جَمِيع الْعلمَاء. وَأما عِنْد الْحَنَفِيَّة فَلِأَن الرُّجُوع امْتنع بِالْمَوْتِ، وَأما عِنْد غَيرهم فَلَا رُجُوع من الأول أصلا إلَاّ فِي مَوضِع مَخْصُوص واستفصال الصَّحَابَة وَعدم استفصالهم فِي الرُّجُوع وَعَدَمه بعد موت الْوَاهِب لَا دخل لَهُ هُنَا، فَلَا فَائِدَة فِي قَوْله، فَدلَّ على أَن لَا أثر فِي الرُّجُوع فِي الْهِبَة، لِأَن الرُّجُوع لم يبْق أصلا، فالرجوع وَعَدَمه غير مبنيين على الاستفصال، وَعَدَمه حَتَّى يكون عدم استفصالهم دَالا على عدم الرُّجُوع وَعدم الرُّجُوع هُنَا مُتَحَقق بِدُونِ ذَلِك أَقُول: لذكر هَذَا الحَدِيث هُنَا وَجه حسن، وَهُوَ أَنه أَشَارَ بِهِ إِلَى أَن حكم الْهِبَة عِنْد وُقُوع الدَّعْوَى بَين المتواهبين أَو بَين ورثتهم كَحكم سَائِر الدَّعَاوَى فِي أَبْوَاب الْفِقْه فِيمَا يحْتَاج إِلَيْهِ من الْحَاكِم وَإِقَامَة الشُّهُود وَالْيَمِين وَغير ذَلِك، فَافْهَم.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute