بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
(كتاب الْوضُوء)
قد ذكرنَا أَنه افْتتح الْكتاب أَولا بالمقدمة وَهُوَ بَاب الْوَحْي ثمَّ ذكر الْكتب الْمُشْتَملَة على الْأَبْوَاب وَقدم كتاب الْإِيمَان وَكتاب الْعلم للمعنى الَّذِي ذَكرْنَاهُ عِنْد كتاب الْإِيمَان ثمَّ شرع بِذكر الْكتب الْمُتَعَلّقَة بالعبادات وقدمها على غَيرهَا من الْكتب الْمُتَعَلّقَة بِنَحْوِ الْمُعَامَلَات والآداب وَالْحُدُود وَغير ذَلِك لِأَن ذكرهَا عقيب كتاب الْعلم وَالْإِيمَان أنسب لِأَن أصل الْعِبَادَات ومبناها الْإِيمَان ومعرفتها على مَا يجب وَيَنْبَغِي بِالْعلمِ ثمَّ قدم كتاب الصَّلَاة بأنواعها على غَيرهَا من كتب الْعِبَادَات لكَونهَا تالية الْإِيمَان فِي الْكتاب وَالسّنة وَلِأَن الِاحْتِيَاج إِلَى مَعْرفَتهَا أَشد لِكَثْرَة دورانها ثمَّ قدم كتاب الْوضُوء لِأَنَّهَا شَرط الصَّلَاة وَشرط الشَّيْء يسْبقهُ وَوَقع فِي بعض النّسخ كتاب الطَّهَارَة وَبعده بَاب مَا جَاءَ فِي الْوضُوء وَهَذَا أنسب لِأَن الطَّهَارَة أَعم من الْوضُوء وَالْكتاب الَّذِي يذكر فِيهِ نوع من الْأَنْوَاع يَنْبَغِي أَن يترجم بِلَفْظ عَام حَتَّى يَشْمَل جَمِيع أَقسَام ذَلِك الْكتاب ثمَّ الْكَلَام فِي لفظ الْكتاب قد مر عِنْد كتاب الْإِيمَان. وَالطَّهَارَة فِي اللُّغَة مصدر من طهر الشَّيْء بِضَم الْهَاء وَفتحهَا وَفِي الْعباب طهر الشَّيْء وطهر أَيْضا بِالضَّمِّ وبالفتح أَعلَى طَهَارَة وَالطُّهْر بِالضَّمِّ الِاسْم والطهرة اسْم من التَّطْهِير وَالطُّهْر نقيض الْحيض والتركيب يدل على نقاء وَإِزَالَة دنس. وَفِي الشَّرْع الطَّهَارَة هِيَ النَّظَافَة وَالْوُضُوء بِضَم الْوَاو من الْوَضَاءَة وَهُوَ الْحسن والنظافة تَقول وضؤ الرجل أَي صَار وضيئا وَالْمَرْأَة وضيئة وَالْوُضُوء بِالْفَتْح المَاء الَّذِي يتَوَضَّأ بِهِ وَفِي الْعباب الْوضُوء أَيْضا يَعْنِي بِالْفَتْح مصدر من تَوَضَّأت للصَّلَاة مثل الْقبُول وَأنكر أَبُو عَمْرو بن الْعَلَاء الْفَتْح فِي غير الْقبُول وَقَالَ الْأَصْمَعِي قلت لأبي عَمْرو مَا الْوضُوء بِالْفَتْح قَالَ المَاء الَّذِي يتَوَضَّأ بِهِ قلت فَمَا الْوضُوء بِالضَّمِّ قَالَ لَا أعرفهُ وَأما إسباغ الْوضُوء فبفتح الْوَاو لَا غير لِأَنَّهُ فِي معنى إبلاغ الْوضُوء موَاضعه وَذكر الْأَخْفَش فِي قَوْله تَعَالَى {وقودها النَّاس وَالْحِجَارَة} فَقَالَ الْوقُود بِالْفَتْح الْحَطب والوقود بِالضَّمِّ الإيقاد وَهُوَ الْمصدر قَالَ وَمثل ذَلِك الْوضُوء وَهُوَ المَاء وَالْوُضُوء وَهُوَ الْمصدر ثمَّ قَالَ وَزَعَمُوا أَنَّهُمَا لُغَتَانِ بِمَعْنى وَاحِد تَقول الْوقُود والوقود يجوز أَن يَعْنِي بهما الْحَطب وَيجوز أَن يَعْنِي بهما الْمصدر وَقَالَ غَيره الْقبُول والولوع مفتوحان وهما مصدران شَاذان وَمَا سواهُمَا من المصادر فمبني على الضَّم قلت الْحَاصِل أَن فِي الْوضُوء ثَلَاث لُغَات أشهرها أَنه بِضَم الْوَاو اسْم للْفِعْل وَبِفَتْحِهَا اسْم للْمَاء الَّذِي يتَوَضَّأ بِهِ ونقلها ابْن الْأَنْبَارِي عَن الْأَكْثَرين الثَّانِي أَنه بِفَتْح الْوَاو فيهمَا وَهُوَ قَول جماعات مِنْهُم الْخَلِيل قَالَ وَالضَّم لَا يعرف الثَّالِث أَنه بِالضَّمِّ فيهمَا وَهِي غَرِيبَة ضَعِيفَة حَكَاهَا صَاحب الْمطَالع وَهَذِه اللُّغَات الثَّلَاث مثلهَا فِي الطّهُور
(بَاب مَا جَاءَ فِي الْوضُوء وَقَول الله تَعَالَى {إِذا قُمْتُم إِلَى الصَّلَاة فَاغْسِلُوا وُجُوهكُم وَأَيْدِيكُمْ إِلَى الْمرَافِق وامسحوا برؤسكم وأرجلكم إِلَى الْكَعْبَيْنِ} )
هَكَذَا وَقع فِي النّسخ الصَّحِيحَة وَهِي رِوَايَة الْأصيلِيّ وَفِي رِوَايَة كَرِيمَة. بَاب فِي الْوضُوء وَقَوله عز وَجل إِذا قُمْتُم. الخ وَوَقع فِي أصل الدمياطي بَاب مَا جَاءَ فِي الْوضُوء وَقَول الله عز وَجل وَعَلِيهِ مَشى ابْن بطال فِي شَرحه وَكَذَا مَشى عَلَيْهِ الْكرْمَانِي فِي شَرحه غير أَن قبله كتاب الطَّهَارَة وَكَذَا فِي شرح الْحَافِظ مغلطاي كتاب الطَّهَارَة مَوضِع كتاب الْوضُوء ثمَّ قَوْله بَاب مَرْفُوع على أَنه خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف مُضَاف إِلَى مَا بعده وَالتَّقْدِير هَذَا بَاب فِي بَيَان ماجاء فِي قَول الله عز وَجل وَأَشَارَ بِهِ إِلَى مَا جَاءَ من اخْتِلَاف الْعلمَاء فِي معنى قَوْله تَعَالَى {إِذا قُمْتُم إِلَى الصَّلَاة} هَل فِيهِ تَقْدِير أَو الْأَمر على ظَاهره وعمومه على مَا نبينه إِن شَاءَ الله تَعَالَى فَنَقُول الْكَلَام فِي هَذِه الْآيَة الْكَرِيمَة على أَنْوَاع (الأول) افْتتح كتاب الْوضُوء بِهَذِهِ الْآيَة لكَونهَا أصلا فِي استنباط مسَائِل هَذَا الْبَاب أَو لأجل التَّبَرُّك فِي الِافْتِتَاح بِآيَة من الْقُرْآن وَإِن كَانَ حق الدَّلِيل أَن يُؤَخر عَن الْمَدْلُول لِأَن الأَصْل فِي الدَّعْوَى تَقْدِيم الْمُدَّعِي (الثَّانِي فِي بَيَان أَلْفَاظ هَذِه الْآيَة) فَقَوله يَا حرف نِدَاء للبعيد حَقِيقَة أَو حكما وَقد يُنَادى بِهِ الْقَرِيب توكيدا وَقيل هِيَ مُشْتَركَة بَين الْبعيد والقريب وَقيل بَينهمَا وَبَين الْمُتَوَسّط وَهِي أَكثر حُرُوف النداء اسْتِعْمَالا وَلِهَذَا لَا يقدر عِنْد الْحَذف سواهَا نَحْو {يُوسُف أعرض عَن هَذَا} وَلَا يُنَادى اسْم الله تَعَالَى وَالِاسْم المستغاث وأيها وأيتها إِلَّا بهَا وَلَا الْمَنْدُوب
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute