على كل شَيْء قدير. وَقَالَ الْخطابِيّ: الْحبّ والبغض لَا يجوزان على الْجَبَل نَفسه، وَإِنَّمَا هُوَ كِنَايَة عَن أهل الْجَبَل وهم سكان الْمَدِينَة، يُرِيد بِهِ الثَّنَاء على الْأَنْصَار، والإخبار عَن حبهم لرَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وحبه إيَّاهُم وَهُوَ نَحْو: {واسأل الْقرْيَة} (يُوسُف: ٢٨) . قَوْله: (لابتيها) ، أَي: لابتي الْمَدِينَة وَهِي تَثْنِيَة لابة بِالْبَاء الْمُوَحدَة الْخَفِيفَة، وَهِي الْحرَّة وَالْمَدينَة بَين الحرتين، والحرة، بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَتَشْديد الرَّاء، وَهِي الأَرْض ذَات الْحِجَارَة السود، وَيجمع على حر وحرار وحرات وحرين واحرين وَهُوَ من الجموع النادرة، واللَاّبة تجمع على لوب ولابات مَا بَين الثَّلَاث إِلَى الْعشْر فَإِذا كثرت جمعت على اللَاّب واللوب، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ فِي كتاب الْحَج فِي: بَاب لابتي الْمَدِينَة. قَوْله: (كتحريم إِبْرَاهِيم، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام) التَّشْبِيه فِي نفس الْحُرْمَة وَفِي وجوب الْجَزَاء وَنَحْوه. قَوْله: (أللهم بَارك لنا فِي صاعنا ومدنا) أَي: بَارك لنا فِي الطَّعَام الَّذِي يُكَال بالصيعان والأمداد ودعا لَهُم رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْبركَةِ فِي أقواتهم، وَمر الْكَلَام فِيهِ أَيْضا فِي بَاب مُجَرّد عَن التَّرْجَمَة فِي آخر كتاب الْحَج.
وَفِيه: جَوَاز خدمَة الصَّغِير للكبير لشرف فِي نَفسه أَو فِي قومه أَو لعلمه أَو لصلاحه، وَنَحْو ذَلِك.
٠٩٨٢ - حدَّثنا سُلَيْمَانُ بنُ دَاوُدَ أَبُو الرَّبِيعِ عنْ إسْمَاعِيلَ بنَ زَكَرِيَّاءَ قَالَ حَدثنَا عاصِمٌ عنْ مُورِّقٍ العِجْلِيِّ عنْ أنَسٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أكْثَرُنَا ظِلاًّ الَّذِي يَسْتَظِلُّ بِكِسَائِهِ وأمَّا الَّذِينَ صامُوا فلَمْ يَعْمَلُوا شَيْئَاً وأمَّا الَّذِينَ أفْطَرُوا فَبَعَثُوا الرِّكَابَ وامْتَهَنُوهَا وعالَجُوا فَقَالَ النبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذَهَبَ الْمُفْطِرُونَ الْيَوْم بالأجْرِ.
قيل: هَذَا الحَدِيث من الْأَحَادِيث الَّتِي أوردهَا فِي غير مظانها لكَونه لم يذكرهُ فِي الصّيام، وَاقْتصر على إِيرَاده هُنَا. قلت: يُمكن أَن يُقَال: إِن لَهُ بعض مَظَنَّة هُنَا، وَهُوَ أَن قَوْله: (فبعثوا الركاب وامتهنوا وعالجوا) عبارَة عَن الْخدمَة لِأَن معنى قَوْله: (بعثوا الركاب) أَي: إِلَى المَاء للسقي، والركاب، بِالْكَسْرِ الْإِبِل الَّتِي يسَار عَلَيْهَا، وَمعنى قَوْله: (وامتهنوا) أَي: خدموا، لِأَن الامتهان: الْخدمَة والابتذال، وَمعنى قَوْله: (وعالجوا) أَي: تناولوا الطَّبْخ والسقي، وكل هَذَا عبارَة عَن الْخدمَة وَهِي أَعم من أَن يخدموا أنفسهم أَو يخدموا غَيرهم، أَو يخدموا أنفسهم وَغَيرهم، بل هم خدموا الصائمين لأَنهم سقطوا على مَا يَجِيء من رِوَايَة مُسلم، وَكَانَ ذَلِك فِي السّفر، لِأَن فِي رِوَايَة مُسلم عَن مُورق عَن أنس، قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. فِي السّفر ... الحَدِيث، فَحِينَئِذٍ يُطَابق الحَدِيث التَّرْجَمَة من هَذَا الْوَجْه، وَسليمَان بن دَاوُد أَبُو الرّبيع الْعَتكِي الزهْرَانِي الْبَصْرِيّ وَإِسْمَاعِيل بن زَكَرِيَّاء أَبُو زِيَاد الخلقاني الْكُوفِي وَعَاصِم هُوَ ابْن سُلَيْمَان الْأَحول، ومورق بِكَسْر الرَّاء الْمُشَدّدَة وبالقاف: الْعجلِيّ وهما تابعيان فِي نسق، وَقَالَ بَعضهم: والإسناد كُله بصريون. قلت: لَيْسَ كَذَلِك، وَإِسْمَاعِيل ومورق كوفيان.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الصَّوْم عَن أبي بكر بن أبي شيبَة، وَعَن أبي كريب، وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم.
قَوْله: (أكثرنا ظلاً من يستظل بكسائه) يُرِيد: لم يكن لَهُم أخبية، وَذَلِكَ لما كَانُوا عَلَيْهِ من الْقلَّة، وَفِي رِوَايَة مُسلم: فنزلنا منزلا فِي يَوْم حَار أكثرنا ظلاً صَاحب الكساء، فمنا من يَتَّقِي الشَّمْس بِيَدِهِ، وَأما الَّذين صَامُوا فَلم يعملوا شَيْئا، يَعْنِي: لعجزهم، وَفِي رِوَايَة مُسلم: فَسقط الصوامون. قَوْله: (وَأما الَّذين أفطروا) إِلَى قَوْله: (وعالجوا) قد ذَكرْنَاهُ الْآن، وَفِي رِوَايَة مُسلم: وَقَامَ المفطرون فَضربُوا الْأَبْنِيَة وَسقوا الركاب. قَوْله: (ذهب المفطرون) بِالْأَجْرِ، أَي: بِالْأَجْرِ الْأَكْمَل الوافر، لِأَن نفع صَوْم الصائمين قَاصِر على أنفسهم وَلَيْسَ المُرَاد نقص أجرهم، بل المُرَاد أَن المفطرين حصل لَهُم أجر عَمَلهم وَمثل أجر الصوام لتعاطيهم اشغالهم واشغال الصوام.
قيل: فِيهِ: أَن أجر الْخدمَة فِي الْغَزْو أعظم من أجر الصّيام. وَفِيه: أَن التعاون فِي الْجِهَاد وَفِي خدمَة الْمُجَاهدين فِي حل وارتحال وَاجِب على جَمِيع الْمُجَاهدين. وَفِيه: جَوَاز خدمَة الرجل لمن يُسَاوِيه، لِأَن الْخدمَة أَعم كَمَا ذكرنَا.
٢٧ - (بابُ فَضْلِ مَنْ حَمَلَ مَتاع صاحِبِهِ فِي السَّفَرِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان فضل ... إِلَى آخِره، وَالْمَتَاع فِي اللُّغَة كل مَا انْتفع بِهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute