أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان قَول الرجل للشَّيْء الْمَوْجُود: لَيْسَ بِشَيْء، وَالْحَال أَنه يَنْوِي أَنه لَيْسَ بِحَق، وَهَذَا غَالِبا يكون مُبَالغَة فِي النَّفْي كَمَا يُقَال لمن عمل عملا غير متقن: مَا عملت شَيْئا، أَو قَالَ قولا غير سديد: مَا قلت شَيْئا، وَلَيْسَ هَذَا بكذب.
وَقَالَ ابنُ عَباسٍ رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِلْقَبْرَيْنِ: يُعَذَّبانِ بِلا كَبير، وإنَّهُ لَكَبِيرٌ
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن قَوْله: بِلَا كَبِير، نفي وَقَوله: (وَإنَّهُ لكبير) ، إِثْبَات فَكَأَنَّهُ قَول للشَّيْء: لَيْسَ بِشَيْء، وَهَذَا تَعْلِيق مر فِي كتاب الطَّهَارَة مَوْصُولا بِتَمَامِهِ وَهُوَ: مر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بقبرين فَقَالَ: إنَّهُمَا ليعذبان وَمَا يعذبان فِي كَبِير، ثمَّ قَالَ: بلَى يعذبان فِي كَبِير أما أَحدهمَا فَكَانَ لَا يسْتَتر من الْبَوْل، وَأما الآخر فَكَانَ يمشي فِي النميمة أَي: لَيْسَ التَّحَرُّز عَنْهُمَا بشاق عَلَيْكُم وَهُوَ عَظِيم عِنْد الله، عز وَجل، وَقد مرت مباحثه هُنَاكَ.
٦٢١٣ - حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ سَلامٍ أخبرنَا مَخْلَدُ بنُ يَزيدَ أخبَرنا ابنُ جُرَيْجٍ قَالَ ابنُ شِهابٍ: أَخْبرنِي يَحْياى بنُ عُرْوَةَ أنَّهُ سَمِعَ عُرْوَةَ يَقُولُ: قالَتْ عائِشَةُ: سألَ أُناسٌ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، عَنِ الكُهَّانِ فَقَالَ لَهُمْ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَيْسُوا بِشَيْءٍ. قَالُوا: يَا رسولَ الله! فإنَّهُمْ يُحَدِّثُونَ أحْياناً بالشَّيْءِ يَكُونُ حَقًّا، فَقَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: تلْكَ الكَلِمَةُ مِنَ الحَقِّ يَخْطَفُها الجِنِّيُّ فَيَقُرُّها فِي أذُنِ وَلِيِّهِ قَرَّ الدَّجاجَةِ فَيَخْلِطُونَ فِيها أكْثَرَ مِنْ مائَةِ كَذْبَةٍ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (لَيْسُوا بِشَيْء) قَالَ الْخطابِيّ: أَي: فِيمَا يتعاطونه من علم الْغَيْب، أَي: لَيْسَ قَوْلهم بِشَيْء صَحِيح يعْتَمد كَمَا يعْتَمد قَول النَّبِي الَّذِي يخبر عَن الْوَحْي.
ومخلد بِفَتْح الْمِيم وَاللَّام بَينهمَا خاء مساكنة ابْن يزِيد من الزِّيَادَة وَابْن جريج عبد الْملك ابْن عبد الْعَزِيز بن جريج، وَابْن شهَاب مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ، وَيحيى بن عُرْوَة بن الزبير بن الْعَوام.
وَمضى الحَدِيث فِي كتاب الطِّبّ فِي: بَاب الكهانة فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن عَليّ بن عبد الله عَن هِشَام بن يُوسُف عَن معمر عَن الزُّهْرِيّ عَن يحيى بن عُرْوَة ... إِلَى آخِره، وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: (يكون حَقًا) أَي: وَاقعا مَوْجُودا. قَوْله: (فيقرها) بِفَتْح الْقَاف وَضم الرَّاء. قَوْله: (قر الدَّجَاجَة) أَي: كقر الدَّجَاجَة والقر ترديدك الْكَلَام فِي أذن الْمُخَاطب حَتَّى يفهمهُ، تَقول: قَرّرته فِيهِ أقره قراً، وقر الدَّجَاجَة صَوتهَا إِذا قطعته يُقَال: قرت تقرّ قَرَأَ وقريراً فَإِن رَددته قلت: قر قرت قرقرة، وَفِي (الصِّحَاح) : قر الحَدِيث فِي أُذُنه يقره: صبه فِيهَا، وَضَبطه بِضَم الْقَاف، وَقَالَ ابْن الْأَثِير: ويروى: فيقذفها مَوضِع: فيقرها، وَقَالَ الْكرْمَانِي: والدجاجة بِفَتْح الدَّال. قلت: ذكر ابْن السكت الْكسر أَيْضا، وَقَالَ الْكرْمَانِي: وَلَعَلَّ الصَّوَاب قر الزجاجة بالزاي ليلائم معنى القارورة الَّذِي فِي الحَدِيث الآخر. قلت: قَالَ ابْن الْأَثِير: ويروى كقر الزجاجة بالزاي، أَي: كصوتها إِذا صب فِيهَا المَاء. قلت: حينئذٍ لَا فَائِدَة فِي قَول الْكرْمَانِي: وَلَعَلَّ الصَّوَاب، وَلَو اطلع على هَذَا لم يقل هَكَذَا بِكَلِمَة: لَعَلَّ. قَوْله: (فِيهَا) أَي: فِي الْكَلِمَة الْحق، أَي: الْوَاقِع.
١١٨ - (بابُ رَفْعِ البَصَرِ إِلَى السَّماءِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان جَوَاز رفع الْبَصَر إِلَى السَّمَاء. وَفِيه الرَّد على من قَالَ: لَا يَنْبَغِي النّظر إِلَى السَّمَاء تخشعاً وتذللاً لله تَعَالَى وَهُوَ بعض الزهاد، وروى عَن عَطاء السّلمِيّ أَنه مكث أَرْبَعِينَ سنة لَا ينظر إِلَى السَّمَاء، فحانت مِنْهُ نظرة فَخر مغشياً عَلَيْهِ فَأَصَابَهُ فتق فِي بَطْنه، وَذكر الطَّبَرِيّ عَن إِبْرَاهِيم التَّيْمِيّ أَنه كره أَن يرفع الْبَصَر إِلَى السَّمَاء فِي الدُّعَاء، وَإِنَّمَا نهى عَن ذَلِك الْمُصَلِّي فِي دُعَاء كَانَ أَو غَيره، كَمَا تقدم فِي كتاب الصَّلَاة عَن أنس رَفعه: مَا بَال أَقوام يرفعون أَبْصَارهم إِلَى السَّمَاء فِي الصَّلَاة؟ فَاشْتَدَّ قَوْله فِي ذَلِك حَتَّى قَالَ: لينتهين عَن ذَلِك أَو ليخطفن أَبْصَارهم، وَفِي رِوَايَة مُسلم عَن جَابر نَحوه، وَفِي رِوَايَة ابْن مَاجَه عَن ابْن عمر نَحوه، وَقَالَ: أَن تلتمع، وَصَححهُ ابْن حبَان.
وقَوْلِهِ تَعَالَى: { (٨٨) أَفلا ينظرُونَ إِلَى. . كَيفَ رفعت} (الغاشية: ١٧ ١٨)