وَيكون الِاسْتِقْبَال مُضَافا إِلَى الغلامين، نَحْو قَوْله تَعَالَى: {قتل أَوْلَادهم شركاؤهم} (الْأَنْعَام: ٧٣١) . بِنصب أولادَهم وجر الشُّرَكَاء، وَيكون الِاسْتِقْبَال مُضَافا إِلَى الغلامين، والحاج مفعول. فَإِن قلت: لفظ استقبله يُفِيد عكس ذَلِك؟ قلت: الِاسْتِقْبَال إِنَّمَا هُوَ من الطَّرفَيْنِ.
٨٩٧١ - حدَّثنا مُعَلَّى بنُ أسَدٍ قَالَ حدَّثنا يَزيدُ بنُ زُرَيْعٍ قَالَ حدَّثنا خالِدٌ عنْ عِكْرِمَةَ عنِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا قَالَ لَمَّا قَدِمَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَكَّةَ اسْتَقْبَلَتْهُ أُغَيْلِمَةُ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فحَملَ واحِدا بَيْنَ يَدَيْهِ وآخَرَ خَلْفَهُ.
التَّرْجَمَة مُشْتَمِلَة على جزئين فمطابقة الحَدِيث للجزء الثَّانِي ظَاهِرَة، وَلِهَذَا وضع البُخَارِيّ تَرْجَمَة بالجزء الثَّانِي قبيل كتاب الْأَدَب، فَقَالَ: بَاب الثَّلَاثَة على الدَّابَّة، وَأورد فِيهَا هَذَا الحَدِيث بِعَيْنِه على مَا تقف عَلَيْهِ إِن شَاءَ الله تَعَالَى، وَأما مطابقته للجزء الأول فبطريق دلَالَة عُمُوم اللَّفْظ، وَلَيْسَ المُرَاد من طَرِيق الْعُمُوم مَا قَالَه بَعضهم بقوله لِأَن قدومه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَكَّة أَعم من أَن يكون فِي حج أَو عمْرَة أَو غَزْو، لِأَن هَذَا الَّذِي ذكره لَيْسَ بداخل فِي هَذَا الْبَاب، وَهُوَ كَلَام طائح. وَقَالَ هَذَا الْقَائِل أَيْضا: وَكَون التَّرْجَمَة لتلقي القادم من الْحَج، والْحَدِيث دَال على تلقي القادم لِلْحَجِّ وَلَيْسَ بَينهمَا تخَالف لاتِّفَاقهمَا من حَيْثُ المعني. انْتهى. قلت: لَا نسلم أَن كَون التَّرْجَمَة لنلقي القادم من الْحَج، بل هِيَ لتلقي القادم لِلْحَجِّ. والْحَدِيث يطابقه، وَهَذَا الْقَائِل ذهل وَظن أَن التَّرْجَمَة وضعت لتلقي القادم من الْحَج وَلَيْسَ كَذَلِك، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَو علم أَن لفظ الِاسْتِقْبَال فيالترجمة مصدر مُضَاف إِلَى مَفْعُوله، وَالْفَاعِل ذكره مطوي لما كَانَ يحْتَاج إِلَى قَوْله: وَكَون التَّرْجَمَة ... إِلَى آخِره.
ذكر رِجَاله: وهم خَمْسَة: الأول: مُعلى، بِضَم الْمِيم وَتَشْديد اللَّام الْمَفْتُوحَة: ابْن أَسد أَبُو الْهَيْثَم الْعمي. الثَّانِي: يزِيد بن زُرَيْع، بِضَم الزَّاي، وَقد تكَرر ذكره. الثَّالِث: خَالِد الْحذاء. الرَّابِع: عِكْرِمَة مولى ابْن عَبَّاس. الْخَامِس: عبد الله ابْن عَبَّاس.
ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع. وَفِيه: العنعنة فِي موضِعين. وَفِيه: القَوْل فِي مَوضِع. وَفِيه: أَن الثَّلَاثَة الأول بصريون.
ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي اللبَاس عَن مُسَدّد، وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الْحَج أَيْضا عَن قُتَيْبَة عَن يزِيد بن زُرَيْع.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (أغيلمة) ، بِضَم الْهمزَة وَفتح الْغَيْن الْمُعْجَمَة. قَالَ الْخطابِيّ: هُوَ تَصْغِير غلمة، وَكَانَ الْقيَاس: غليمة، لكِنهمْ ردُّوهُ إِلَى أفعلة فَقَالُوا: أغيلمة، كَمَا قَالُوا: أصيبية، فِي تَصْغِير صبية. وَقَالَ الْجَوْهَرِي: الْغُلَام جمعه: غلمة، وتصغيرها: أغيلمة، على غير مكبره وَكَأَنَّهُم صغروا أغلمة وَإِن كَانُوا لم يقولوه، وَقَالَ الدَّاودِيّ: أغلمة، بِفَتْح الْألف جمع غُلَام، وَالْمرَاد بأغيلمة بني عبد الْمطلب صبيانهم. قَوْله: (فَحمل وَاحِدًا) أَي: فَحمل النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَاحِدًا من أغيلمة بني عبد الْمطلب بَين يَدَيْهِ (وَآخر) أَي: وَحمل آخر مِنْهُم خَلفه، وَكَانَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على نَاقَته.
وَفِيه: جَوَاز ركُوب الثَّلَاثَة فَأكْثر على دَابَّة عِنْد الطَّاقَة، وَمَا روى من كَرَاهَة ركُوب الثَّلَاثَة على دَابَّة لَا يَصح، وَقَالَ صَاحب (التَّوْضِيح) . وَفِيه: تلقي القادمين من الْحَج إِكْرَاما لَهُم وتعظيما لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يُنكر تلقيهم، بل سر بِهِ لحمله مِنْهُم بَين يَدَيْهِ وَخَلفه. انْتهى. قلت: هَذَا أَيْضا ذهل مثل ذَاك الْقَائِل الْمَذْكُور عَن قريب، وَذَلِكَ أَنه لَيْسَ فِيهِ تلقي القادمين من الْحَج، بل فِيهِ تلقي القادمين لِلْحَجِّ، كَمَا ذَكرْنَاهُ، نعم، يُمكن أَن يُؤْخَذ مِنْهُ تلقي القادمين من الْحَج، وَكَذَلِكَ فِي مَعْنَاهُ من قدم من جِهَاد أَو سفر، لِأَن فِي ذَلِك تأنيسا لَهُم وتطييبا لقُلُوبِهِمْ.
٤١ - (بابُ القُدُومِ بِالغَدَاةِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان اسْتِحْبَاب قدوم الْمُسَافِر إِلَى منزله بِالْغَدَاةِ أَي بغدوة النَّهَار.
٩٩٧١ - حدَّثنا أحْمَدُ بنُ الحَجَّاجِ قَالَ حدَّثنا أنَسُ بنُ عِيَاضٍ عنْ عُبَيْدِ الله عنْ نافِعٍ عنِ ابنِ عُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا أنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كانَ إذَا خَرَجَ إلَى مَكَّةَ يُصَلِّي فِي مَسْجِدِ الشَّجَرَةِ