فِيهِ إِخْبَارًا بِمَا سَيكون وَهُوَ للأنبياء بِالنِّسْبَةِ للوحي كالرؤيا وَيَقَع فِي غير الْأَنْبِيَاء كَمَا تقدم فِي مَنَاقِب عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قد كَانَ فِيمَن مضى من الْأُمَم محدثون، وَفسّر الْمُحدث بِفَتْح الدَّال بالملهم بِفَتْح الْهَاء، وَقد أخبر كثير من الْأَوْلِيَاء عَن أُمُور مغيبة فَكَانَت كَمَا أخبروا. وَأجِيب: بِأَن الْحصْر فِي الْمَنَام لكَونه يَشْمَل آحَاد الْمُؤمنِينَ، بِخِلَاف الإلهام فَإِنَّهُ مُخْتَصّ بِالْبَعْضِ، وَمَعَ كَونه مُخْتَصًّا فَإِنَّهُ نَادِر. وَقَالَ الْمُهلب مَا حَاصله: إِن التَّعْبِير بالمبشرات خرج للأغلب، فَإِن من الرُّؤْيَا مَا تكون منذرة وَهِي صَادِقَة يريها الله لِلْمُؤمنِ رفقا بِهِ ليستعد لما يَقع قبل وُقُوعه.
٦ - (بابُ رُؤْيا يُوسُفَ، عليْهِ السّلامُ)
أَي هَذَا بَاب فِي بَيَان رُؤْيا يُوسُف، عَلَيْهِ السَّلَام، كَذَا وَقع للأكثرين، وَوَقع للنسفي: يُوسُف بن يَعْقُوب بن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم خَلِيل الرحمان، صلوَات الله عَلَيْهِم وَسَلَامه.
وقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِذْ قَالَ يُوسُفُ لَاِبِيهِ ياأَبتِ إِنِّى رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِى سَاجِدِينَ قَالَ يابُنَىَّ لَا تَقْصُصْ رُءْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُواْ لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ وَكَذالِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأْوِيلِ الَاْحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَىءالِ يَعْقُوبَ كَمَآ أَتَمَّهَآ عَلَى أَبَوَيْكَ مِن قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} وقوْلِهِ تَعَالَى: {وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّواْ لَهُ سُجَّدَا وَقَالَ ياأَبَتِ هَاذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَاى مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّى حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بَى إِذْ أَخْرَجَنِى مِنَ السِّجْنِ وَجَآءَ بِكُمْ مِّنَ الْبَدْوِ مِن بَعْدِ أَن نَّزغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِى وَبَيْنَ إِخْوَتِى إِنَّ رَبِّى لَطِيفٌ لِّمَا يَشَآءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِى مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِى مِن تَأْوِيلِ الَاْحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالَاْرْضِ أَنتَ وَلِىِّ فِى الدُّنُيَا وَالَاْخِرَةِ تَوَفَّنِى مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِى بِالصَّالِحِينَ}
وَقَوله، بِالْجَرِّ عطف على مَا قبله، وسيقت هَذِه الْآيَات كلهَا إِلَى قَوْله: بالصالحين فِي رِوَايَة كَرِيمَة، وَفِي رِوَايَة أبي ذَر والنسفي سَاق إِلَى ساجدين ثمَّ قَالَ: إِلَى قَوْله: عليم حَكِيم قَوْله: إِذْ قَالَ أَي: اذكر حِين قَالَ يُوسُف لِأَبِيهِ، يَعْنِي يَعْقُوب بن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم، عَلَيْهِم السَّلَام. قَوْله: أحد عشر كوكباً نصب على التَّمْيِيز وأسماؤها: جرثان والطارق وَالذَّيَّال وَذُو الْكَتِفَيْنِ وَذُو القابس وَوَثَّاب وَعَمُودَان والفليق وَالْمصْبح والضروج وَذُو الفرغ. قَوْله: رَأَيْتهمْ لي ساجدين وَلم يُقَال: رَأَيْتهَا سَاجِدَة، لِأَنَّهُ لما وصفهَا الله بِمَا هُوَ خَاص بالعقلاء وَهُوَ السُّجُود أجْرى عَلَيْهَا حكمهم كَأَنَّهَا عَاقِلَة، وَرَأى يُوسُف، عَلَيْهِ السَّلَام، هَذَا وَهُوَ ابْن اثْنَي عشرَة سنة، وَقيل: كَانَ بَين رُؤْيا يُوسُف ومصير إخْوَته إِلَيْهِ أَرْبَعُونَ سنة، وَقيل: ثَمَانُون. قَوْله: على إخْوَتك وهم يهوذا وروبيل وريالون وشمعون ولاوي ويشجر وَدينه دَان ونفتال وجاد وآشر. قَوْله: فيكيدوا لَك أَي: فيبغوا لَك الغوائل ويحتالوا فِي هلاكك. قَوْله: يجتبيك أَي: يصطفيك. قَوْله: من تَأْوِيل الْأَحَادِيث يَعْنِي: تَعْبِير الرُّؤْيَا. قَوْله: وَيتم نعْمَته عَلَيْك يَعْنِي: يُوصل لَك نعم الدُّنْيَا بِنِعْمَة الْآخِرَة. قَوْله: وعَلى آل يَعْقُوب أَي: أَهله وهم نَسْله وَغَيرهم. قَوْله: أَبَوَيْك أَرَادَ بهما الْجد وَأَبا الْجد قَوْله: هَذَا تَأْوِيل رُؤْيَايَ وَهُوَ قَوْله: إِنِّي رَأَيْت أحد عشر كوكباً قَوْله: أحسن بِي يُقَال: أحسن إِلَيْهِ وَبِه. قَوْله: من البدو أَي: من الْبَادِيَة لأَنهم كَانُوا أهل عمل وَأَصْحَاب مواش ينتقلون فِي الْمِيَاه والمناجع. قَوْله: من بعد أَن نَزغ الشَّيْطَان أَي: أفسد بَيْننَا وأغوى. قَوْله: لطيف ذُو لطف وصنع لما يَشَاء عَالم بدقائق الْأُمُور. قَوْله: من الْملك أَي: ملك مصر وَتَأْويل الْأَحَادِيث تَعْبِير الرُّؤْيَا. قَوْله: فاطر السَّمَوَات يَعْنِي: يَا فاطر السَّمَوَات وَالْأَرْض أَنْت وليي أَي: مُتَوَلِّي أَمْرِي. قَوْله: توفني يَعْنِي: اقبضني إِلَيْك وألحقني بالصالحين يَعْنِي: بآبائي الْأَنْبِيَاء، عَلَيْهِم السَّلَام، ثمَّ توفاه الله تَعَالَى بِمصْر وَدفن فِي النّيل فِي صندوق من رُخَام وَمَات وعمره مائَة وَعِشْرُونَ سنة.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute