أَي: أَلَا تَجعلني عَاملا على الصَّدَقَة أَو مُتَوَلِّيًا على بلد؟ قَوْله: (كَمَا اسْتعْملت فلَانا) أَي: كاستعمالك فلَانا، قيل: هُوَ عَمْرو بن الْعَاصِ. قَوْله: (أَثَرَة) ، بِضَم الْهمزَة وَسُكُون الثَّاء الْمُثَلَّثَة وَفتح الرَّاء وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: أَثَرَة، بِفَتْح الْهمزَة والثاء، قَالَ ابْن الْأَثِير: الأثرة الِاسْم من آثر يوثر إيثاراً إِذا أعْطى، أَرَادَ أَن يستأثر عَلَيْكُم فيفضل غَيْركُمْ فِي نصِيبه من الْفَيْء، والاستئثار الِانْفِرَاد بالشَّيْء، وَقَالَ الْكرْمَانِي: الأثرة الاستئثار لنَفسِهِ والاستقلال والاختصاص يَعْنِي: أَن الْأُمَرَاء يخصصون أنفسهم بالأموال وَلَا يشركونكم فِيهَا. قلت: وَقع الْأَمر كَمَا وصف، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَهُوَ من جملَة مَا أخبر بِهِ من الْأُمُور الَّتِي تَأتي بعده، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
٣٩٧٣ - حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ بَشَّارٍ حدَّثنا غُنْدَرٌ حدَّثنا شُعْبَةُ عنْ هِشَامٍ قَالَ سَمِعْتُ أنَسَ بنَ مالِكٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ يَقُولُ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم للأنْصَارِ إنَّكُمْ سَتلْقَونَ بَعْدِي أثَرَةً فاصْبِرُوا حتَّى تَلْقَوْنِي ومَوْعِدُكُمْ الحَوْضُ. .
هَذَا طَرِيق آخر فِي الحَدِيث الْمَذْكُور عَن أنس نَفسه، وَالَّذِي قبله عَنهُ عَن أسيد رِوَايَة الصَّحَابِيّ عَن الصَّحَابِيّ، وَفِيه رِوَايَة قَتَادَة عَن أنس، وَهَهُنَا عَن هِشَام بن زيد بن أنس بن مَالك، فَإِنَّهُ يروي عَن جده أنس، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. قَوْله: (وموعدكم الْحَوْض) ، أَي: حَوْض النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
٤٩٧٣ - حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ مُحَمَّدٍ حدَّثنا سُفْيانُ عنْ يَحْيَى بنِ سَعِيدٍ سَمِعَ أنَسَ بنَ مالِكٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ حِينَ خرَجَ مَعَهُ إلَى الوَلِيدِ قَالَ دَعَا النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الأنْصَارَ إِلَى أنْ يُقُطِعَ لَهُمُ الَبْحْرَيْنِ فقالُوا لَا إلَاّ أنْ تُقْطِعَ لإخْوَانِنا مِنَ المُهَاجِرِينَ مِثْلَهَا قَالَ إمَّا لَا فاصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوْنِي فإنَّهُ سَيُصِيبُكُمْ بَعْدِي أثْرَةٌ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (فَاصْبِرُوا) وَعبد الله بن مُحَمَّد أَبُو جَعْفَر البُخَارِيّ الْمَعْرُوف بالمسندي، وسُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة، وَيحيى ابْن سعيد الْأنْصَارِيّ.
والْحَدِيث قد مر فِي الْجِزْيَة فِي: بَاب مَا اقْطَعْ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، من الْبَحْرين فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن أَحْمد بن يُونُس عَن الزُّهْرِيّ عَن يحيى بن سعيد عَن أنس، وَفِي الشّرْب أَيْضا عَن سُلَيْمَان بن حَرْب.
قَوْله: (حِين خرج مَعَه) أَي: حِين خرج يحيى أَي: سَافر مَعَه، أَي: مَعَ أنس. قَوْله: (إِلَى الْوَلِيد) بن عبد الْملك بن مَرْوَان، وَكَانَ أنس قد توجه من الْبَصْرَة حِين آذاه الْحجَّاج إِلَى دمشق يشكوه إِلَى الْوَلِيد بن عبد الْملك فأنصفه مِنْهُ. قَوْله: (إِلَى أَن يقطع) بِضَم الْيَاء آخر الْحُرُوف من: الإقطاع، وَهُوَ أَن يُعْطي الإِمَام قِطْعَة من الأَرْض وَغَيرهَا. قَوْله: (الْبَحْرين) تَثْنِيَة بَحر، إسم بلد بساحل الْهِنْد. قَوْله: (إمَّا لَا) ، بِكَسْر الْهمزَة وَتَشْديد الْمِيم وَفتح اللَّام أَصله: أَن مَا لَا تريدوا أَو لَا تقبلُوا، فأدغمت النُّون فِي الْمِيم وَحذف فعل الشَّرْط، وَقد تمال كلمة: لَا، وَقد روى بِفَتْح الْهمزَة من أَن مَا قيل هُوَ خطأ إلَاّ على لُغَة بعض بني تَمِيم، فَإِنَّهُم يفتحون الْهمزَة من أما حَيْثُ وَردت، وَقيل: اللَّام من قَوْله: (إِمَّا لَا) مَفْتُوحَة عِنْد الْجُمْهُور، وَوَقع عِنْد الْأصيلِيّ فِي الْبيُوع من (الْمُوَطَّأ) بِكَسْر الَّلام وَالْمَعْرُوف فتحهَا. قَوْله: (فَإِنَّهُ) أَي: فَإِن إقطاع المَال سيصيبكم حَال كَونه أَثَرَة بِمَعْنى: استئثار الْغَيْر عَلَيْكُم واستئثار المقطع بِكَسْر الطَّاء لنَفسِهِ وَعدم الِالْتِفَات إِلَى غَيره كَمَا هُوَ فِي غَالب أهل هَذَا الزَّمَان، فَافْهَم، فَإِنَّهُ مَوضِع الدقة.
٩ - (بابُ دُعَاءِ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أصْلِحِ الأنْصَارَ والمُهَاجِرَةَ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان دُعَاء النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، للْأَنْصَار والمهاجرين. بقوله: أصلح الْأَنْصَار والمهاجرة، وَقد ذكرنَا أَن الْأَنْصَار جمع نصير بِمَعْنى نَاصِر، كشريف يجمع على أَشْرَاف، والمهاجرة بِكَسْر الْجِيم الْجَمَاعَة الْمُهَاجِرُونَ الَّذين هَاجرُوا من مَكَّة إِلَى الْمَدِينَة.