أَي: هَذَا بَاب فِي قَوْله تَعَالَى: {أَن علينا جمعه} أَي: فِي صدرك {وقرآنه} (الْقِيَامَة: ٧١) وقراءته عَلَيْك حَتَّى تعيه، وَالْقُرْآن مصدر كالرجحان وَالنُّقْصَان.
٨٢٩٤ - حدَّثنا عُبَيْدُ الله بنُ مُوسَى عَنْ إسْرَائِيلَ عَنْ مُوسَى عَنْ مُوسَى بنِ أبِي عَائِشَةَ أنَّهُ سَأَلَ سَعِيد بنِ جُبَيْرٍ عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ} (الْقِيَامَة: ٦١) قَالَ وَقَالَ ابنُ عَبَّاسٍ كَانَ يُحَرِّكُ شَفَتَيْهِ إذَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ فَقِيلَ لَهُ: {لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ} يَخَشَى أنْ يَنْقَلِبَ مِنْهُ {إنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ} أنْ نَجْمَعَهُ فِي صَدْرِكَ وَقُرْآنَهُ أنْ تَقْرَأَهُ: {فَإِذَا قَرَأْناهُ} يَقُولُ أُنْزِلَ عَلَيْهِ (فَاتَبِعْ قُرْآنَهُ ثُمَّ إنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ) (الْقِيَامَة: ٨١، ٩١) أنْ نُبَيِّنَهُ عَلَى لِسَانِكَ..
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَإِسْرَائِيل هُوَ ابْن يُونُس أبي إِسْحَاق السبيعِي. وَهَذَا حَدِيث ابْن عَبَّاس من رِوَايَة إِسْرَائِيل عَن مُوسَى الْمَذْكُور. قَوْله: (كَانَ) أَي: رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُحَرك شَفَتَيْه إِذا أنزل عَلَيْهِ الْقُرْآن. قَوْله: (أَن يتفلت) أَي: يضيع ويفوت قَوْله: (إِن علينا جمعه) إِلَى آخِره، يحْتَمل أَن يكون مُعَلّقا عَن ابْن عَبَّاس، وَسِيَاق الحَدِيث الَّذِي بعده أتم مِنْهُ.
٢ - (بَابٌ: {فَإذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبعْ قُرْآنَهُ} )
أَي: هَذَا بَاب فِي قَوْله تَعَالَى: {فَإِذا قرأناه} أَي: إِذا قرأناه عَلَيْك: {فَاتبع قرآنه} أَي: مَا فِيهِ من الْأَحْكَام.
قَالَ ابنُ عَبَّاسٍ قَرْآنَهُ بَيَانَهُ فَانبِعْ اعْمَلْ بِهِ
هَذَا تَفْسِير ابْن عَبَّاس هَذِه التَّرْجَمَة، وَهِي قَوْله تَعَالَى: {فَإِذا قرأناه فَاتبع قرآنه} وروى هَذَا التَّفْسِير عَليّ بن أبي طَلْحَة وَقد أخرجه ابْن حَاتِم.
٩٢٩٤ - حدَّثنا قُتَيْبَةُ بنُ سَعِيدٍ حدَّثنا جَرِيرُ عَنْ مُوسَى بنِ أبِي عَائِشَةَ عَنْ سَعِيدِ بنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: {لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ} قَالَ كَانَ رَسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إذَا نَزَلَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ بِالوَحْي وَكَانَ مِمَّا يُحَرِّكُ بِهِ لِسَانَهُ وَشَفَتَيْهِ فَيَشْتَدُ عَلَيْهِ وَكَانَ يُعْرَقُ مِنْهُ فَأنْزَلَ الله الآيَةَ الَّتِي فِي {لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ} (الْقِيَامَة: ١) {لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ إنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ} (الْقِيَامَة: ٦١، ٧١) قَالَ عَلَيْنَا أنْ نَجْمَعُهُ فِي صَدْرِكَ وَقرْآنَهُ: {فَإذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ} فإذَا أَنْزَلْنَا فَاسْتَمِعْ {ثُمَّ إنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} (الْقِيَامَة: ٩١) عَلَيْنَا أنْ نُبَيِّنَهُ بِلِسَانِكَ قَالَ: فَكَانَ إذَا أتَاهُ جِبْرِيلُ أطْرَقَ فَإذَا ذَهَبَ قَرَأَهُ كَمَا وَعَدَهُ الله تَعَالَى..
هَذَا طَرِيق آخر فِي حَدِيث ابْن عَبَّاس الْمَذْكُور أخرجه عَن قُتَيْبَة بن سعيد عَن جرير بن عبد الحميد عَن مُوسَى الْمَذْكُور.
قَوْله: (لِسَانه وشفتيه) ذكر هما هُنَا وَاقْتصر سُفْيَان فِي رِوَايَته السَّابِقَة على ذكر لِسَانه، وَاقْتصر إِسْرَائِيل على ذكر شَفَتَيْه وَالْكل مُرَاد. قَوْله: (فيشتد عَلَيْهِ) أَي: يشْتَد عَلَيْهِ حَاله عِنْد نزُول الْوَحْي، وَمضى فِيمَا تقدم، وَكَانَت الشدَّة تحصل مَعَه عِنْد نزُول الْوَحْي لثقل القَوْل، وَفِي حَدِيث الْإِفْك، فَأَخذه مَا كَانَ يَأْخُذهُ من البرحاء وَكَانَ يتعجل بِأَخْذِهِ لتزول الشدَّة سَرِيعا. قَوْله: (وَكَانَ يعرف مِنْهُ) أَي: وَكَانَ الاشتداد، يعرف مِنْهُ حَالَة نزُول الْوَحْي عَلَيْهِ. قَوْله: (فَأنْزل الله تَعَالَى) أَي: بِسَبَب ذَلِك الاشتداد أنزل الله تَعَالَى قَوْله: {وقرآنه} زَاد إِسْرَائِيل فِي رِوَايَته الْمَذْكُورَة أَن تَقْرَأهُ أَي: أَنْت تقرؤه. قَوْله: (فَإِذا قرأناه) أَي: فَإِذا قَرَأَهُ عَلَيْك الْملك قَوْله: (أطرق) يُقَال: أطرق الرجل إِذا سكت، وأطرق أَي أرْخى عَيْنَيْهِ ينظر إِلَى الأَرْض.
{أَوْلَى لَكَ} تَوَعُّدٌ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {أولى لَك فَأولى ثمَّ أولى لَك فَأولى} وَفَسرهُ. بقوله: (توعد) أَي: هَذَا وَعِيد من الله تَعَالَى على وَعِيد لأبي جهل، وَهِي كلمة مَوْضُوعَة للتهديد والوعيد، وَقيل: أولى من المقلوب ويلي من الويل كَمَا يُقَال: مَا أطيبه وأبطيه، وَمعنى الْآيَة لِأَنَّهُ يَقُول لأبي جهل الويل لَك يَوْم تحيى وَالْوَيْل لَك يَوْم تَمُوت وَالْوَيْل لَك يَوْم تبْعَث وَالْوَيْل لَك يَوْم تدخل النَّار.