للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَإِنَّمَا هادنهم النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، على أَن يدخلهَا مُعْتَمِرًا وَيبقى فِيهَا ثَلَاثَة أَيَّام فَقَط، ثمَّ يخرج فَأتى من الْمَدِينَة محرما بِعُمْرَة، وَلم يقدم شَيْئا إِذْ دخل على الطّواف وَالسَّعْي، وَتمّ إِحْرَامه فِي الْوَقْت وَلم يشك أحد فِي أَنه إِنَّمَا تزَوجهَا بِمَكَّة حَاضرا بهَا لَا بِالْمَدِينَةِ، فصح أَنَّهَا بِلَا شكّ إِنَّمَا تزَوجهَا بعد تَمام إِحْرَامه لَا فِي حَال طَوَافه وسعيه، فارتفع الْإِشْكَال جملَة وَبَقِي خبر عُثْمَان ومَيْمُونَة لَا معَارض لَهما، ثمَّ لَو صَحَّ خبر ابْن عَبَّاس بِيَقِين وَلم يَصح خبر مَيْمُونَة لَكَانَ خبر عُثْمَان هَذَا الزَّائِد الْوَارِد بِحكم لَا يحل خِلَافه، لِأَن النِّكَاح قد أَبَاحَهُ الله تَعَالَى فِي كل حَال، ثمَّ لما أَمر صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن لَا ينْكح الْمحرم كَانَ بِلَا شكّ نَاسِخا للْحَال الْمُتَقَدّمَة من الْإِبَاحَة لَا يُمكن غير هَذَا أصلا، وَكَانَ يكون خبر ابْن عَبَّاس مَنْسُوخا بِلَا شكّ لموافقته للْحَال المنسوخة بِيَقِين انْتهى. قلت: الْجَواب عَن كل فصل. أما عَن قَوْله: يزِيد إِنَّمَا رَوَاهُ عَن مَيْمُونَة وَهِي امْرَأَة عافلة، وَابْن عَبَّاس صَغِير فلقائل أَن يَقُول: إِن كَانَ يزِيد رَوَاهُ عَن خَالَته فَابْن عَبَّاس من الْجَائِز غير الْمُنكر أَن يرويهِ عَنهُ، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أَو يرويهِ عَن أَبِيه الَّذِي ولي عقد النِّكَاح بمشهد عَنهُ ومرأى، أَو يرويهِ عَن خَالَته الْمَرْأَة الْعَاقِلَة وإيّا مَا كَانَ فَلَيْسَ صَغِيرا، فروايته مُقَدّمَة على رِوَايَة يزِيد بن الْأَصَم، وَلِأَن لعبد الله متابعين وَلَيْسَ ليزِيد عَن خَالَته متابع مِنْهُم عَطاء بقوله بِسَنَد صَحِيح: مَا كُنَّا نَأْخُذ هَذَا إلَاّ من مَيْمُونَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، ومسروق بِسَنَد صَحِيح، وَلَيْسَ لقَائِل أَن يَقُول: لَعَلَّ عَطاء ومسروقا أخذاه عَن ابْن عَبَّاس لتصريح عَطاء بِأَخْذِهِ إِيَّاه من مَيْمُونَة. وَأما مَسْرُوق فَلَا نعلم لَهُ رِوَايَة عَن عبد الله، فَدلَّ أَنه أَخذه عَن غَيره. وَأما عَن قَوْله: نعدل يزِيد إِلَى أَصْحَاب عبد الله وَلَا نقطع بفضلهم عَلَيْهِ، فَكيف يكون شخص وَاحِد حَدِيثه عِنْد مُسلم وَحده يعدل بعطاء وَمُجاهد وَسَعِيد بن جُبَير وَأبي الشعْثَاء وَعِكْرِمَة فِي آخَرين من أَصْحَاب عبد الله الَّذين رووا عَنهُ هَذَا الحَدِيث؟ وَأما عَن قَوْله: هِيَ أعلم بِنَفسِهَا من عبد الله، فَنَقُول بِمُوجبِه: نعم، هِيَ أعلم بِنَفسِهَا إِذْ حدثت عَطاء وَابْن أُخْتهَا بِمَا هِيَ أعلم بِهِ من غَيرهَا. وَأما عَن قَوْله: إِنَّمَا تزَوجهَا بِمَكَّة حَاضرا بهَا فَيردهُ، مَا رَوَاهُ مَالك عَن ربيعَة عَن سُلَيْمَان بن يسَار أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعث أَبَا رَافع ورجلاً من الْأَنْصَار بزوجاته: مَيْمُونَة وَرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْمَدِينَةِ قبل أَن يخرج. انْتهى. فَيُشبه أَنَّهُمَا زوجاه إِيَّاهَا وَهُوَ ملتبس بِالْإِحْرَامِ فِي طَرِيقه إِلَى مَكَّة، وَلما حل بنى بهَا، وَذكر مُوسَى بن عقبَة (عَن ابْن شهَاب: خرج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مُعْتَمِرًا فِي ذِي الْقعدَة، فَلَمَّا بلغ موضعا ذكره بعث جَعْفَر بن أبي طَالب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، بَين يَدَيْهِ إِلَى مَيْمُونَة يخطبها عَلَيْهِ، فَجعلت أمرهَا إِلَى الْعَبَّاس فَزَوجهَا مِنْهُ) . وَقد أوضح ذَلِك أَبُو عُبَيْدَة فِي كِتَابه (الزَّوْجَات) : توجه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى مَكَّة مُعْتَمِرًا سنة سبع، وَقدم جَعْفَر يخْطب عَلَيْهِ مَيْمُونَة، فَجعلت أمرهَا إِلَى الْعَبَّاس، فَأَنْكحهَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ محرم، وَبنى بهَا بسرف وَهُوَ حَلَال. وَأما عَن قَوْله وَبَقِي خبر عُثْمَان ومَيْمُونَة لَا معَارض لَهما، فَنَقُول: الْمُعَارضَة لَا تكون إِلَّا مَعَ التَّسَاوِي، والتساوي هُنَا غير مُمكن لِأَن حَدِيث ابْن عَبَّاس رَوَاهُ عَنهُ من ذَكَرْنَاهُمْ من الْأَئِمَّة الْأَعْلَام، وَحَدِيث عُثْمَان رَوَاهُ نبيه بن وهب وَهُوَ من أَفْرَاد مُسلم، وَلَيْسَ لَهُ من الْحِفْظ وَالْعلم مَا يُسَاوِي أحدا مِنْهُم، فَإِذا كَانَ كَذَلِك فَكيف تصح دَعْوَى النّسخ فِيهِ؟ فَإِن قلت: قَالَ قوم مِمَّن رد حَدِيث ابْن عَبَّاس على تَسْلِيم صِحَّته: إِن معنى تزَوجهَا محرما أَي: فِي الْحرم، وَهُوَ حَلَال لِأَنَّهُ يُقَال لمن هُوَ فِي الْحرم محرم وَإِن كَانَ حَلَالا، وَهِي لُغَة شائعة مَعْرُوفَة، وَمِنْه الْبَيْت الْمَشْهُور:

(قتلوا ابْن عَفَّان الْخَلِيفَة محرما)

قلت: أَجمعُوا على أَن كسْرَى قتل بِالْمَدَائِنِ من بِلَاد فَارس، وَقد قَالَ الشَّاعِر:

(قتلوا كسْرَى بلَيْل محرما)

أفتراه كَانَ يسكن الْحرم أَو أحرم بِالْحَجِّ؟ فَإِن قلت: قَالُوا: قد تعَارض معنى فعله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَقَوله: وَالرَّاجِح القَوْل لِأَنَّهُ يتَعَدَّى إِلَى الْغَيْر، وَالْفِعْل قد يكون مَقْصُورا عَلَيْهِ. قلت: قد فهم الْجَواب من قَوْلنَا الْآن أَن التَّعَارُض قد يكون عِنْد التَّسَاوِي. فَإِن قلت: قَالَ بعض الشَّافِعِيَّة: إِن هَذَا من خَصَائِصه وَهُوَ أصح الْوَجْهَيْنِ عِنْدهم: قلت: دَعْوَى التَّخْصِيص تحْتَاج إِلَى دَلِيل. فَإِن قلت: يحْتَمل أَنه زَوجهَا حَلَالا وَظهر أَمر تزَوجهَا وَهُوَ محرم. قلت: هَذَا لَا يُسَاوِي شَيْئا لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قدم مَكَّة محرما لَا حَلَالا، فَكيف يتَصَوَّر ذَلِك؟

٣١ - (بابُ مَا يُنْهَى مِنَ الطِّيبِ لِلْمُحْرِمِ والمُحْرِمَةِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان مَا ينْهَى عَنهُ من اسْتِعْمَال الطّيب للْمحرمِ والمحرمة، يَعْنِي أَنَّهُمَا فِي ذَلِك سَوَاء، وَلم تخْتَلف

<<  <  ج: ص:  >  >>