الْأَلْفَاظ وعلق بِفعل مَاض وَهُوَ عَالم وَقت الْيَمين أَنه كَاذِب اخْتلفُوا فِيهِ. قَالَ بَعضهم: يصير كَافِرًا لِأَنَّهُ تَعْلِيق بِشَرْط كَائِن وَهُوَ تَنْجِيز، وَقَالَ بَعضهم: لَا يكفر وَلَا يلْزمه الْكَفَّارَة، وَإِلَيْهِ مَال شيخ الْإِسْلَام خُوَاهَر زَاده، وَإِن حلف بِهَذِهِ الْأَلْفَاظ على أَمر مُسْتَقْبل. قَالَ بَعضهم: لَا يكفر وَيلْزمهُ الْكفَّار، وَالصَّحِيح مَا قَالَه السَّرخسِيّ أَنه ينظر إِن كَانَ فِي اعْتِقَاد الْحَالِف أَنه لَو حلف بذلك على أَمر فِي الْمَاضِي يصير كَافِرًا فِي الْحَال. وَإِن لم يكن فِي اعْتِقَاده ذَلِك لَا يكفر، سَوَاء كَانَت الْيَمين على أَمر فِي الْمُسْتَقْبل أَو فِي الْمَاضِي. قَوْله تَعَالَى أَمر من التعالي، وَهُوَ الِارْتفَاع. تَقول مِنْهُ إِذا أمرت تعال يَا رجل، بِفَتْح اللَّام، وللمرأة تعالي، وللمرأتين تعاليا، وللنسوة تعالين، وَلَا يجوز أَن يُقَال مِنْهُ: تعاليت وَلَا ينْهَى عَنهُ. قَوْله: (أقامرك) ، مجزوم لِأَنَّهُ جَوَاب الْأَمر، يُقَال: قامره يقامره قمارا إِذا طلب كل وَاحِد أَن يغلب صَاحبه فِي عمل أَو قَول ليَأْخُذ مَالا جعلاه للْغَالِب، وَهُوَ حرَام بِالْإِجْمَاع. قَوْله: (فليتصدق) وَفِي رِوَايَة مُسلم، فليتصدق بِشَيْء. قَالَ الْعلمَاء: أَمر بالتصدق تكفيرا لخطيئته فِي كَلَامه بِهَذِهِ الْمعْصِيَة. قَالَ الْخطابِيّ: يتَصَدَّق بِمِقْدَار مَا كَانَ يُرِيد أَن يقامره بِهِ، وَهُوَ قَول الْأَوْزَاعِيّ، وَقَالَ النَّوَوِيّ: رَحمَه الله: الصَّوَاب أَن يتَصَدَّق بِمَا تيَسّر مِمَّا يُطلق عَلَيْهِ اسْم الصَّدَقَة. وَفِي (التَّلْوِيح) عَن بعض الْحَنَفِيَّة. إِن قَوْله: فليتصدق، المُرَاد بهَا كَفَّارَة الْيَمين، وَقَالَ بَعضهم: وَفِيه مَا فِيهِ. قلت: مَا فِيهِ إلَاّ عدم فهم من لَا يفهم مَا فِيهِ، وَإِنَّمَا قَالَ بَعضهم: المُرَاد بهَا كَفَّارَة الْيَمين لِأَن هَذَا ينْعَقد يَمِينا على رَأْي هَذَا الْقَائِل: فَإِذا انْعَقَد يَمِينا تجب عَلَيْهِ الْكَفَّارَة.
٣ - (بابٌ: {وَمَناةَ الثَّالِثَةَ الأُخْرَى} (النَّجْم: ٢)
أَي: هَذَا بَاب فِي قَوْله تَعَالَى: {وَمَنَاة الثَّالِثَة الْأُخْرَى} وَلم يثبت لفظ: إلَاّ لأبي ذَر، وَسَيَأْتِي تَفْسِيرهَا فِي الحَدِيث، وَلَكِن يُفَسر معنى الْآيَة. فَقَوله: الثَّالِثَة لَا يُقَال لَهَا الْأُخْرَى، وَإِنَّمَا الْأُخْرَى نعت للثَّانِيَة، وَقَالَ الْخَلِيل: إِنَّمَا قَالَ ذَلِك ليُوَافق رُؤُوس الْآي، كَقَوْلِه: {مآرب أُخْرَى} (طه: ٨١) وَقَالَ الْحُسَيْن بن فضل فِي الْآيَة تَقْدِيم وَتَأْخِير مجازها أَفَرَأَيْتُم الّلات والعزى الْأُخْرَى وَمَنَاة؟ .
١٦٨٤ - حدَّثنا الحُمَيْدِيُ حدَّثنا سُفْيَانُ حدَّثنا الزُّهْرِيُّ سَمِعْتُ عُرْوَةَ قُلْتُ لِ عائِشَةَ رَضِيَ الله عَنْها فَقَالَتْ إنَّما كَانَ مَنْ أهَلَّ بِمَناةَ الطَّاغِيَةَ الَّتِي بِالمُشَلّلِ لَا يَطُوفُونَ بَيْنَ الصّفا وَالمَرْوَةِ فَأَنْزَلَ الله تَعَالَى إنَّ الصَّفا وَالمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ الله فَطَافَ رَسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالمُسْلِمُونَ قَالَ سُفْيَانُ مَنَاةُ بِالمُشَلَّلِ مِنْ قُدَيْدٍ.
وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمانِ بنُ خَالِدٍ عَنِ ابنِ شهابٍ قَالَ عُرْوَةُ قَالَتْ عَائِشَةُ نَزَلَتْ فِي الأنْصَارِ كَانُوا هُمْ وَغَسَانُ قَبْلَ أنْ يُسْلِمُوا يُهِلُّونَ لِمناةَ مِثْلَهُ وَقَالَ مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الأنْصَارِ مِمَّنْ كَانَ يُهِلُّ لِمناةِ وَمَناةُ صَنَمٌ بَيْنَ مَكَّةَ وَالمَدِينَةِ قَالُوا يَا نَبِيَّ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كُنّا لَا نَطُوفُ بَيْنَ الصَّفا وَالمَرْوَةِ تَعْظِيما لِمناةَ نَحْوَهُ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. والْحميدِي عبد الله بن الزبير، وسُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة، وَهَذَا الحَدِيث قد مضى مطولا فِي الْحَج فِي: بَاب وجوب الصَّفَا والمروة، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن أبي الْيَمَان عَن شُعَيْب عَن الزُّهْرِيّ إِلَى آخِره.
قَوْله: (قلت لعَائِشَة فَقَالَت) ، فِيهِ حذف بَينه فِي تَفْسِير سُورَة الْبَقَرَة فِي: بَاب {إِن الصَّفَا والمروة من شَعَائِر الله} (الْبَقَرَة: ٨٥١) وَهُوَ أَن عُرْوَة قَالَ: قلت: لعَائِشَة زوج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَنا يَوْمئِذٍ حَدِيث السن: أَرَأَيْت قَول الله تَعَالَى: {إِن الصَّفَا والمروة من شَعَائِر الله فَمن حج الْبَيْت أَو اعْتَمر فَلَا جنَاح عَلَيْهِ أَن يطوف بهما} فَمَا أرى على أحد شَيْئا أَن لَا يطوف بهما. فَقَالَت عَائِشَة: إِنَّمَا كَانَ من أهل. أَي: أحرم بمناة بِالْبَاء الْمُوَحدَة فِي رِوَايَة أبي ذَر، وَعند غَيره: لمناة. بِاللَّامِ أَي: لأجل مَنَاة، والطاغية صفة لَهَا بِاعْتِبَار طغيان عبدتها، وَيجوز أَن يكون مُضَافا إِلَيْهَا على معنى: أحرم باسم مَنَاة الْقَوْم الطاغية. قَوْله: (الَّتِي بالمشلل) ، صفة أُخْرَى أَي: الكائنة بالمشلل، بِضَم الْمِيم وَفتح الشين الْمُعْجَمَة وَتَشْديد اللَّام الْمَفْتُوحَة، وَهُوَ مَوضِع من قديد على مَا يَأْتِي الْآن. قَوْله: (لَا يطوفون) ، أَي: من كَانَ يحجّ لهَذَا الصَّنَم كَانَ لَا يسْعَى بَين الصَّفَا والمروة تَعْظِيمًا لصنعهم حَيْثُ لم يكن فِي الْمَسْعَى، وَكَانَ فِيهِ صنمان إساف ونائلة، فَأنْزل الله تعال ردا عَلَيْهِم بقوله: {إِن الصَّفَا والمروة من شَعَائِر الله} فَطَافَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَطَاف مَعَه الْمُسلمُونَ. قَوْله: (قَالَ سُفْيَان) ، هُوَ ابْن عُيَيْنَة الرَّاوِي فِي الحَدِيث الْمَذْكُور. قَوْله: (مَنَاة بالمشلل من قديد) ، مقول قَول سُفْيَان، وَأَشَارَ بِهِ إِلَى تَفْسِير مَنَاة. أَي: مَنَاة
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute