وَغَيره من حَدِيث يزِيد بن هَارُون بِلَفْظ مُخَالف للسياق الَّذِي أوردهُ البُخَارِيّ، وَهَذَا من مرجحات كَونه ابْن زُرَيْع. قلت: هَذَا الَّذِي قَالَه حجَّة عَلَيْهِ ورد لكَلَامه، لِأَن مُخَالفَة لفظ من روى هَذَا الحَدِيث لسياق البُخَارِيّ لَيست مرجحة لكَون يزِيد هَذَا هُوَ ابْن زُرَيْع مَعَ، صَرَاحَة ذكر ابْن هَارُون فِي الرِّوَايَات الْمَذْكُورَة. وَالثَّانِي: قَالَ: وقتيبة مَعْرُوف بالرواية عَن يزِيد بن زُرَيْع دون ابْن هَارُون. قلت: هَذَا أَيْضا حجَّة عَلَيْهِ ومردود عَلَيْهِ، لِأَن كَون قُتَيْبَة مَعْرُوفا بالرواية عَن يزِيد بن زُرَيْع لَا يُنَافِي رِوَايَته عَن يزِيد بن هَارُون، بعد أَن ثَبت أَن قُتَيْبَة روى عَنْهُمَا جَمِيعًا. وَلَقَد غره فِي هَذَا مَا قَالَه الْمزي: الصَّحِيح أَنه يزِيد بن زُرَيْع، فَإِن قُتَيْبَة مَشْهُور بالرواية عَن ابْن زُرَيْع دون ابْن هَارُون. انْتهى. قَالُوا: فِيهِ نظر، وَوَجهه مَا ذكرنَا، وَكَانَ قصد هَذَا الْقَائِل توهية كَلَام الشَّيْخ قطب الدّين، وَالدَّلِيل عَلَيْهِ ذكره إِيَّاه بِمَا ذكره، وَلَا يخفى ذَلِك على من لَهُ فطانة. قَوْله: (حَدثنَا عَمْرو عَن سُلَيْمَان) ، كَذَا وَقع: عَمْرو، غير مَنْسُوب عِنْد الْأَكْثَرين، وَوَقع عِنْد ابي ذَر يَعْنِي: ابْن مَيْمُون، وَهُوَ: عَمْرو بن مَيْمُون بن مهْرَان، وَقد تقدم. قَوْله: (حَدثنَا عبد الْوَاحِد) ، هُوَ: عبد الْوَاحِد بن زِيَاد الْبَصْرِيّ، وَفِي طبقته عبد الْوَاحِد بن زيد الْبَصْرِيّ، وَلم يخرج لَهُ البُخَارِيّ شَيْئا.
بَيَان لطائف اسناده فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي سِتَّة مَوَاضِع، وَفِيه: العنعنة فِي موضِعين. وَفِيه: فِي الْإِسْنَاد الأول: سَمِعت، وَفِي الثَّانِي: سَأَلت، إِشَارَة إِلَى الرَّد على من زعم أَن سُلَيْمَان بن يسَار لم يسمع عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، مِنْهُم: أَحْمد بن حَنْبَل وَالْبَزَّار، وَقد صرح البُخَارِيّ بِسَمَاعِهِ مِنْهَا، وَكَذَا هُوَ فِي (صيحح مُسلم) قلت: فِي سَمِعت وَسَأَلت، لَطِيفَة أُخْرَى لم تأت صوبها الشُّرَّاح، وَهِي: أَن كل وَاحِدَة من هَاتين اللفظتين لَا تَسْتَلْزِم الاخرى لَان السماع لَا يسْتَلْزم السُّؤَال وَلَا السُّؤَال يسْتَلْزم السماع فَلذَلِك ذكرهمَا فِي الْإِسْنَاد ليدل على صِحَة السُّؤَال وَصِحَّة السماع فَافْهَم. وَفِيه: أَن رُوَاته مَا بَين بَصرِي وواسطي ومدني. وَفِيه: وَقعت صُورَة (ح) إِشَارَة إِلَى التَّحْوِيل من إِسْنَاد قبل ذكر متن الحَدِيث إِلَى اسناد آخر لَهُ، وَفِيه: فِي الْإِسْنَاد الثَّانِي وَقع: قَالَ: حَدثنَا عَمْرو، يعْنى ابْن مَيْمُون، وَأَشَارَ بِهِ إِلَى أَن شَيْخه لم ينْسبهُ، وَهَذَا تَفْسِير لَهُ من تِلْقَاء نَفسه. فان قلت: الِاخْتِلَاف الْمَذْكُور فِي: يزِيد، هَل هُوَ: يزِيد ابْن زُرَيْع، أَو: يزِيد ابْن هَارُون التباس، وَهُوَ يقْدَح فِي الحَدِيث. قلت: لَا، لِأَن أياً كَانَ فَهُوَ عدل ضَابِط بِشَرْط البُخَارِيّ، وَإِنَّمَا كَانَ يقْدَح لَو كَانَ أَحدهمَا على غير شَرطه.
بَيَان إعرابه وَمَعْنَاهُ قَوْله: (عَن الْمَنِيّ) أَي: عَن حكم الْمَنِيّ، هَل يشرع غسله أم لَا؟ قَالَ بَعضهم: فَحصل الْجَواب بِأَنَّهَا كَانَت تغسله وَلَيْسَ فِي ذَلِك مَا يَقْتَضِي إِيجَابه. قلت: قد ذكرت فِيمَا مضى أَن قَوْله: كنت، يدل على تكْرَار الْغسْل مِنْهَا، وَهُوَ عَلامَة الْوُجُوب مَعَ وُرُود الامر فِيهِ بِالْغسْلِ، وَالْأَمر الْمُجَرّد عَن الْقَرَائِن يدل على الْوُجُوب، وَهَذَا الْقَائِل يُرِيد تمشية مذْهبه من غير دَلِيل نقلي وَلَا عَقْلِي. قَوْله: (فَيخرج إِلَى الصَّلَاة) أَي: يخرج من الْحُجْرَة إِلَى الْمَسْجِد للصَّلَاة. قَوْله: (بقع المَاء) ، قد مر تَفْسِير البقع، وَهُوَ مَرْفُوع على جَوَاب سُؤال مُقَدّر، تَقْدِيره، أَن يُقَال: مَا ذَلِك الْأَثر؟ فَأجَاب: بقع المَاء. اي: هُوَ بقع المَاء، وَفِي الْحَقِيقَة يكون خَبرا لمبتدأ مَحْذُوف؛ وَقَالَ بَعضهم: هُوَ بدل وَلَيْسَ بِشَيْء، وَيجوز النصب فِيهِ على الِاخْتِصَاص أَي: أَعنِي بقع المَاء.
٦٥ - (بابُ إِذا غَسَلَ الجَنَابَةَ أَوْ غَيْرَها فَلمْ يَذْهَبْ أَثَرُهُ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم غسل الْمَنِيّ أَو غَيره، وَلم يذهب أَثَره، وَمرَاده أَن الْأَثر إِذا كَانَ بَاقِيا لَا يضرّهُ، وَقَالَ بَعضهم: الْأَثر أثر الشَّيْء المغسول، وَفِيه نظر، لِأَن على قَوْله يكون الْبَاقِي أثر الْمَنِيّ وَنَحْوه، وَهَذَا يضرّهُ، بل المُرَاد الْأَثر المرئي للْمَاء لَا للمني، وَلَفظ حَدِيث الْبَاب يدل على هَذَا، وَهُوَ قَوْله: واثر الْغسْل فِي ثَوْبه بقع المَاء. قَوْله: (اَوْ غَيرهَا) أَي غير الْجَنَابَة، نَحْو: دم الْحيض، وَلم يذكر فِي الْبَاب حَدِيثا يدل على هَذِه التَّرْجَمَة. وَقَالَ بَعضهم: وَذكر فِي الْبَاب حَدِيث الْجَنَابَة وَألْحق غَيرهَا قِيَاسا، وَأَشَارَ بذلك إِلَى مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيره من حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: (أَن خَوْلَة بنت يسَار قَالَت: يَا رَسُول الله! لَيْسَ لي إلَاّ ثوب وَاحِد وَأَنا أحيض، فَكيف أصنع؟ قَالَ: إِذا طهرت فاغسليه. قَالَت: فان لم يخرج الدَّم؟ قَالَ: يَكْفِيك المَاء وَلَا يَضرك أَثَره) انْتهى. قلت: البُخَارِيّ يذكر مَسْأَلَة ثمَّ يقيس عَلَيْهَا غَيرهَا، أَو يسْرد حَدِيثا فِي بَاب مترجم دَالا على التَّرْجَمَة، وَلَا فَائِدَة فِي ذكر تَرْجَمَة بِدُونِ ذكر حَدِيث مُوَافق لَهَا مُشْتَمل عَلَيْهَا، وَلم نَعْرِف مَا مُرَاده من هَذَا الْقيَاس، هَل هُوَ لغَوِيّ أَو اصطلاحي شَرْعِي أَو منطقي؟ وَمَا هَذَا إلَاّ قِيَاس
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute