بوْلَهُ أمَرَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِذَنُوبٍ مِنْ ماءٍ فأُهْرِيقَ عَليْهِ.
قد تقدم أَن لَفظه: الْحَاء، عَلامَة التَّحْوِيل من إِسْنَاد الى إِسْنَاد. وَقَوله: (وَحدثنَا) بواو الْعَطف على قَوْله: (حَدثنَا عَبْدَانِ) وَرِوَايَة كَرِيمَة بِلَا: وَاو. و: مخلد، بِفَتْح الْمِيم وَسُكُون الْخَاء الْمُعْجَمَة وَفتح اللَّام، وَسليمَان بن بِلَال وَكِلَاهُمَا تقدما فِي بَاب طرح الامام الْمَسْأَلَة. قَوْله: (من طَائِفَة الْمَسْجِد) أَي: قِطْعَة من أَرض الْمَسْجِد. قَوْله: (فهريق) ، بِضَم الْهَاء وَكسر الرَّاء: على صِيغَة الْمَجْهُول، وَمَعْنَاهُ: أريق، وَهَذِه رِوَايَة أبي ذَر. وَفِي رِوَايَة البَاقِينَ: (فأهريق عَلَيْهِ) ، بِزِيَادَة الْهمزَة فِي أَوله. وَقَالَ ابْن التِّين: هَذَا إِنَّمَا يَصح على مَا قَالَه سِيبَوَيْهٍ لِأَنَّهُ فعل ماضٍ وهاؤه سَاكِنة، وَأما على الأَصْل فَلَا تَجْتَمِع الْهمزَة وَالْهَاء فِي الْمَاضِي. قَالَ: ورويناه بِفَتْح الْهَاء، وَلَا أعلم لذَلِك وَجها.
وفوائد هَذَا الحَدِيث قد مرت. وَقَالَ بَعضهم: وَفِيه: تعْيين المَاء لإِزَالَة النَّجَاسَة لِأَن الْجَفَاف بِالرِّيحِ أَو الشَّمْس لَو كَانَ يَكْفِي لما حصل التَّكْلِيف بِطَلَب الدَّلْو. قلت: هَذَا الِاسْتِدْلَال فَاسد لِأَن ذكر المَاء لَا يَنْفِي غَيره، وَقد اسْتَوْفَيْنَا الْكَلَام فِيهِ فِي الْبَاب السَّابِق. وَكَذَا قَوْله: وَفِيه أَن الأَرْض تطهر بصب المَاء عَلَيْهَا وَلَا يشْتَرط حفرهَا، خلافًا للحنفية، فَاسد، لأَنا ذكرنَا فِيمَا مضى عَن قريب أَنه ورد الْأَمر بِالْحفرِ فِي حديثين مسندين وحديثين مرسلين، والمراسيل حجَّة عِنْدهم.
٥٩ - (بابُ بَوْلِ الصِّبْيَانِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم بَوْل الصّبيان، وَهُوَ، بِكَسْر الصَّاد: جمع صبي. قَالَ الْجَوْهَرِي: الصَّبِي: الْغُلَام، وَالْجمع: صبية وصبيان، وَهُوَ من الواوي. وَفِي (الْمُخَصّص) : ذكر بن سَيّده عَن ثَابت: يكون صبيان مَا دَامَ رضيعاً، وَفِي (الْمُنْتَخب) للكراع: أول مَا يُولد الْوَلَد يُقَال لَهُ: وليد، وطفل، وَصبي. وَقَالَ ابْن دُرَيْد: صبي وصبيان وصبوان، وَهَذِه أضعفها. وَقَالَ ابْن السّكيت: صبية وصبوة، وَفِي (الْمُحكم) صبية وصبية وصبوان وصبوان. وَقَالَ بَعضهم: الصّبيان، بِكَسْر الصَّاد، وَيجوز ضمهَا، جمع: صبي. قلت: فِي الضَّم لَا يُقَال إلَاّ صبوان بِالْوَاو، وَقد وهم هَذَا الْقَائِل حَيْثُ لم يعلم الْفرق بَين الْمَادَّة الواوية والمادة اليائية، وأصل: صبيان، بِالْكَسْرِ: صبوان، لِأَن الْمَادَّة واوية، فقلبت الْوَاو يَاء، لانكسار مَا قبلهَا.
وَوجه الْمُنَاسبَة بَين الْبَابَيْنِ ظَاهر لَا يخفى.
٢٢٢ - حدّثنا عَبْدُ اللَّهِ بنُ يُوسُفَ قالَ أخْبرنا مالِكٌ عنْ هِشامِ بنِ عُرْوَةَ عنْ أبِيهِ عنْ عائِشَةَ أمِّ المُؤْمِنينَ أنَّها قالَتْ اُتِيَ رسولَ اللَّهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِصَبيٍّ فَبَالَ عَلَى ثَوْبِه فَدَعا بِماءٍ فَأتْبَعَهُ إيَّاهُ..
مُطَابقَة الحَدِيث للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
بَيَان رِجَاله وهم خَمْسَة، وَالْكل قد تقدمُوا، وَعبد الله هُوَ التنيسِي، وَعُرْوَة هُوَ ابْن الزبير بن الْعَوام، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
بَيَان لطائف اسناده فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع والإخبار بِصِيغَة الْجمع. وَفِيه: العنعنة فِي ثَلَاث مَوَاضِع.
بَيَان من أخرجه غَيره أخرجه النَّسَائِيّ فِي الطَّهَارَة عَن قُتَيْبَة عَن مَالك.
بَيَان لغته وَمَعْنَاهُ قَوْله: (بصبي) ، قد مر تَفْسِير الصَّبِي الْآن وَذكر الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث الْحجَّاج بن أَرْطَاة: أَن هَذَا الصَّبِي هُوَ عبد الله بن الزبير، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا: (وَأَنَّهَا قَالَت: فَأَخَذته أخذا عنيفاً، فَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِنَّه لم يَأْكُل الطَّعَام فَلَا يضر بَوْله) . وَفِي لفظ: (فَإِنَّهُ لم يطعم الطَّعَام فَلم يقذر بَوْله) . وَقد قيل: إِنَّه الْحسن، وَقيل: إِنَّه الْحُسَيْن. وَقَالَ بَعضهم: يظْهر لي أَن المُرَاد بِهِ ابْن ام قيس الْمَذْكُور بعده. قلت: هَذَا لَيْسَ بِظَاهِر أصلا، وَالظَّاهِر أحد الْأَقْوَال الثَّلَاثَة، وأظهرها مَا ذكره الدَّارَقُطْنِيّ. قَوْله: (فَاتبعهُ إِيَّاه) أَي: فَاتبع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْبَوْل الَّذِي على الثَّوْب المَاء، وَذَلِكَ بصبه عَلَيْهِ. وَفِي رِوَايَة مُسلم زَاد: (وَلم يغسلهُ) ، وَلابْن الْمُنْذر من طَرِيق الثَّوْريّ عَن هِشَام: (فصب عَلَيْهِ المَاء) ، وَفِي رِوَايَة الطَّحَاوِيّ من طَرِيق زَائِدَة الثَّقَفِيّ عَن هِشَام: (فنضحه عَلَيْهِ) .
بَيَان استنباط الْأَحْكَام مِنْهَا: أَن الشَّافِعِيَّة احْتَجُّوا بِهَذَا على أَن بَوْل الصَّبِي يُكتفى فِيهِ بِاتِّبَاع المَاء إِيَّاه، وَلَا