عَليّ عقربا أَو حَيَّة تلدغني، رَسُولك لَا أَسْتَطِيع أَن أَقُول لَهُ شَيْئا، وَرَسُولك بِالنّصب بإضمار فعل تَقْدِيره: انْظُر رَسُولك، وَيجوز الرّفْع على الِابْتِدَاء وإضمار الْخَبَر تَقْدِيره: هُوَ رَسُولك.
وَقَالَ الْمُهلب. وَفِيه: أَن دُعَاء الْإِنْسَان على نَفسه عِنْد الْحَرج مَعْفُو عَنهُ غَالِبا لقَوْل الله عز وَجل: {وَلَو يعجل الله للنَّاس الشَّرّ استعجالهم بِالْخَيرِ} (يُونُس: ١١) الْآيَة.
٨٩ - (بابُ المَرْأةِ تَهَبُ يَوْمَها مِنْ زَوْجِها لِضرَّتِها، وكَيْفَ يَقْسِمُ ذلِك؟)
أَي: هَذَا بَاب فِيهِ الْمَرْأَة الَّتِي تهب يَوْمهَا إِلَى آخِره فَقَوله الْمَرْأَة، مُبْتَدأ وَقَوله: (تهب يَوْمهَا) خَبره وَقَوله: (من زَوجهَا) فِي مَحل النصب على أَنه صفة لقَوْله يَوْمهَا، أَي يَوْمهَا الْمُخْتَص لَهَا فِي الْقسم الْكَائِن من زَوجهَا قَوْله: (لضرتها) يتَعَلَّق بقوله تهب. قَوْله: (وَكَيف يقسم ذَلِك) أَي: الْمَذْكُور من هبة الْمَرْأَة يَوْمهَا لضرتها كَيفَ يقسم، وَلم يبين كَيْفيَّة ذَلِك، وَإِنَّمَا ذكر ذَلِك على سَبِيل الِاسْتِفْهَام؟ عَن وَجه الْقِسْمَة أَي: على أَي وَجه يقسم وهب الْمَرْأَة يَوْمهَا من الْقسم لضرتها، بَيَان ذَلِك أَن تكون فِيهِ الْمَوْهُوبَة بِمَنْزِلَة الواهبة فِي رُتْبَة الْقِسْمَة، فَإِن كَانَ يَوْم سَوْدَة ثَالِثا ليَوْم عَائِشَة أَو رَابِعا أَو خَامِسًا استحقته عَائِشَة على حسب الْقِسْمَة الَّتِي كَانَت لسودة، وَلَا يتَأَخَّر عَن ذَلِك الْيَوْم وَلَا يتَقَدَّم وَلَا يكون ثَانِيًا ليَوْم عَائِشَة إلَاّ أَن يكون يَوْم سَوْدَة بعد يَوْم عَائِشَة.
٢١٢٥ - حدّثنا مالِكُ بنُ إسْماعِيلَ حَدثنَا زُهَيْرٌ عنْ هِشَامٍ عنْ أبيهِ عنْ عائِشةَ رَضِي الله عَنْهَا، أنَّ سَوْدَةَ بِنْتَ زَمْعَةَ وَهَبَتْ يَوْمَها لِعَائِشَةَ، وكانَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقْسِمُ لِعائِشَةَ بِيَوْمِها ويَوْمِ سَوْدَةَ.
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِنَّه مُشْتَمل عَلَيْهَا لِأَن قَوْله: إِن سَوْدَة بنت زَمعَة وهبت يَوْمهَا لعَائِشَة، يَشْمَل الشّطْر الأول من التَّرْجَمَة. وَقَوله: (كَانَ يقسم) إِلَى آخِره، مُشْتَمل على الشّطْر الثَّانِي مِنْهَا. وَهُوَ قَول: وَكَيف يقسم ذَلِك، مَعَ أَنه يُوضح معنى ذَلِك وَهُوَ أَنه يقسم لعَائِشَة الْمَوْهُوب لَهَا يَوْمهَا الْمُخْتَص لَهَا وَيَوْم سَوْدَة الواهبة يَوْمهَا لَهَا على الْوَجْه الَّذِي ذَكرْنَاهُ الْآن.
وَمَالك بن إِسْمَاعِيل هُوَ أَبُو غَسَّان النَّهْدِيّ بالنُّون الْمَفْتُوحَة وَسُكُون الْهَاء، وَزُهَيْر مصغر زهر بن مُعَاوِيَة الْجعْفِيّ الْكُوفِي، سكن الجزيرة يروي عَن هِشَام بن عُرْوَة عَن أبي عُرْوَة بن الزبير عَن عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي النِّكَاح أَيْضا عَن عَمْرو النَّاقِد عَن الْأسود بن عَامر عَن زُهَيْر بِهِ.
قَوْله: (أَن سَوْدَة بنت زَمعَة) بِسُكُون الْمِيم وَفتحهَا ابْن قيس، القرشية العامرية، تزَوجهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِمَكَّة بعد موت خديحة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، وَدخل عَلَيْهَا بهَا، وَكَانَ دُخُولهَا بهَا قبل دُخُوله على عَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، بالِاتِّفَاقِ وَهَاجَرت مَعَه وَتوفيت فِي آخر خلَافَة عمر بن الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. قَوْله: (وهبت يَوْمهَا لعَائِشَة) ، وَقد تقدم فِي الْهِبَة من طَرِيق الزُّهْرِيّ عَن عُرْوَة بِلَفْظ: يَوْمهَا وليلتها، وَزَاد فِي آخِره تبتغي بذلك رضَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَوَقع فِي رِوَايَة مُسلم من طَرِيق عقبَة بن خَالِد عَن هِشَام: لما أَن كَبرت سَوْدَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا جعلت يَوْمهَا من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لعَائِشَة، وروى أَبُو دَاوُد عَن أَحْمد بن يُونُس عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي الزِّنَاد عَن هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه عَن عَائِشَة قَالَت: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يفضل بَعْضنَا على بعض فِي الْقسم الحَدِيث وَفِيه: وَلَقَد قَالَت سَوْدَة بنت زمعه حِين أَسِنَت وخافت أَن يفارقها رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: يَا رَسُول الله! يومي لعَائِشَة، فَقبل ذَلِك مِنْهَا، وفيهَا وَفِي أشباهها نزلت: {وَإِن امْرَأَة خَافت من بَعْلهَا نُشُوزًا} (النِّسَاء: ٨٢١) الْآيَة. وَتَابعه ابْن سعد عَن الْوَاقِدِيّ عَن ابْن أبي الزِّنَاد فِي وَصله، وَعند التِّرْمِذِيّ من حَدِيث ابْن عَبَّاس مَوْصُولا نَحوه. وَأخرج ابْن سعد بِسَنَد رِجَاله ثِقَات من رِوَايَة الْقَاسِم بن أبي بزَّة مُرْسلا: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم طَلقهَا فَقَعَدت لَهُ على طَرِيقه، فَقَالَت: وَالَّذِي بَعثك بِالْحَقِّ مَالِي فِي الرِّجَال حَاجَة، وَلَكِن أحب أَن أبْعث مَعَ نِسَائِك يَوْم الْقِيَامَة، فأنشدك بِالَّذِي أنزل عَلَيْك الْكتاب هَل طَلقنِي لموجدة وَجدتهَا عَليّ؟ قَالَ: لَا. قَالَت: فأنشدك لما راجعتني، فَرَاجعهَا، قَالَت: فَإِنِّي جعلت يومي وليلتي لعَائِشَة حَبَّة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَوْله: (وَكَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يقسم لعَائِشَة بيومها وَيَوْم سَوْدَة) يَعْنِي على الْوَجْه الَّذِي ذَكرْنَاهُ، وَفِي رِوَايَة جرير عَن هِشَام عِنْد مُسلم: فَكَانَ يقسم لعَائِشَة يَوْمَيْنِ: يَوْمهَا وَيَوْم سَوْدَة انْتهى.
وَكَانَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يقسم لكل وَاحِدَة من نِسَائِهِ يَوْمًا وَلَيْلَة كَمَا تظاهرت عَلَيْهِ الْأَحَادِيث فَفِي بَعْضهَا: يَوْم، وَالْمرَاد بليلته، وَفِي بَعْضهَا لَيْلَة، وَالْمرَاد مَعَ الْيَوْم، وَفِي بَعْضهَا: يَوْم وَلَيْلَة. وَذهب جمَاعَة من أهل الْعلم إِلَى أَنه لَا يُزَاد فِي