للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أَو الْفرج؟ وَالْأول هُوَ الْأَصَح. فَإِن قلت: أورد هَذِه الْآيَة هَاهُنَا وَلم يبين مِنْهَا شَيْئا فَمَا كَانَت فَائِدَة ذكرهَا هَاهُنَا. قلت: أقل فَائِدَة التَّنْبِيه إِلَى نَجَاسَة الْحيض، وَالْإِشَارَة أَيْضا إِلَى وجوب الاعتزال عَنْهُن فِي حَالَة الْحيض، وَغير ذَلِك.

١ - (بابُ كَيْفَ كانَ بَدْءَ الحَيْضِ)

أَي: هَذَا بَاب، فارتفاعه على أَنه خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف، وَيجوز فِيهِ التَّنْوِين بِالْقطعِ عَمَّا بعده، وَتَركه للإضافة إِلَى مَا بعده وَالْبَاب أَصله: البوب، قلبت الْوَاو ألفا لتحركها وانفتاح مَا قبلهَا، وَيجمع على أَبْوَاب وابوية، وَالْمرَاد من الْبَاب هُنَا النَّوْع. كَمَا فِي قَوْلهم: من فتح بَابا من الْعلم أَي: نوعا وَكلمَة، كَيفَ اسْم لدُخُول الْجَار عَلَيْهِ بِلَا تَأْوِيل فِي قَوْلهم: على كَيفَ تبيع الأحمرين؟ فَإِن قلت: مَا مَحل: كَيفَ، من الْإِعْرَاب؟ قلت: يجوز أَن تكون حَالا، كَمَا فِي قَوْلك كَيفَ جَاءَ زيد، أَي: على أَي حَالَة جَاءَ زيد؟ وَالتَّقْدِير هَاهُنَا على أَي حَالَة كَانَ ابْتِدَاء الْحيض؟ وَلَفظ كَانَ من الْأَفْعَال النَّاقِصَة تدل على الزَّمَان الْمَاضِي من غير تعرض لزواله فِي الْحَال أَو لَا زَوَاله وَبِهَذَا يفْتَرق عَن: صَار، فَإِن مَعْنَاهُ الِانْتِقَال من حَال إِلَى حَال، وَلِهَذَا لَا يجوز أَن يُقَال: صَار الله، وَلَا يُقَال إِلَّا كَانَ كَانَ الله. قَوْله: (بَدْء الْحيض) من بَدَأَ يبدؤ بدوأ أَي: ظهر، والبدأ بِالْهَمْزَةِ فِي آخِره على فعل، بِسُكُون الْعين من بدأت الشَّيْء بدأت: ابتدأت بِهِ.

وقَوْلُ النَّبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَذَا شَيْءٌ كتَبَهُ اللَّهُ عَلَى بَنَاتِ آدَمَ

هَذَا من تعليقات البُخَارِيّ، والآن يذكرهُ مَوْصُولا لَا عقيب هَذَا، وسيذكره أَيْضا فِي الْبَاب السَّادِس فِي جملَة حَدِيث، وَقَالَ بَعضهم: وَقَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: هَذَا شَيْء، يُشِير إِلَى حَدِيث عَائِشَة الْمَذْكُور عَقِيبه. قلت: هَذَا الْكَلَام غير صَحِيح، بل قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: هَذَا شَيْء، يُشِير بِهِ إِلَى الْحيض فَكَذَلِك لفظ: شَيْء فِي الحَدِيث الَّذِي سَيَأْتِي فِي الْبَاب السَّادِس، وَلكنه بِلَفْظ: (فَإِن ذَلِك شَيْء كتبه الله على بَنَات آدم) وَفِي الحَدِيث الَّذِي عَقِيبه: (إِن هَذَا أَمر كتبه الله على بَنَات آدم) وعَلى كل تَقْدِير الْإِشَارَة إِلَى الْحيض، وَقد استدركه هَذَا الْقَائِل فِي آخر كَلَامه بقوله: وَالْإِشَارَة بقوله هَذَا إِلَى الْحيض.

وَقَالَ بَعْضُهُمْ كانِ أَوَّلُ مَا أُرْسلَ الحَيْضُ عَلَى بَنِي إسْرَائِيلَ

هَذَا قَول عبد الله بن معسود وَعَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا. أخرجه عبد الرَّزَّاق عَنْهُمَا وَلَفظه (كَانَ الرِّجَال وَالنِّسَاء فِي بني إِسْرَائِيل يصلونَ جَمِيعًا، وَكَانَت الْمَرْأَة تتشرف للرجل فَألْقى الله عَلَيْهِنَّ الْحيض ومنعهن الْمَسَاجِد) فَإِن قلت: الْحيض أرسل على بَنَات بني إِسْرَائِيل على هَذَا القَوْل: وَلم يُرْسل على بنيه، فَكيف قَالَ: على بني إِسْرَائِيل؟ قلت: قَالَ الْكرْمَانِي: يسْتَعْمل بَنو إِسْرَائِيل، وَيُرَاد بِهِ أَوْلَاده، كَمَا يُرَاد من بني آدم أَوْلَاده. أَو المُرَاد بِهِ الْقَبِيلَة. قلت: هَذَا من حَيْثُ اللُّغَة يمشي، وَمن حَيْثُ الْعرف لَا يذكر الإبن وَيُرَاد بِهِ الْوَلَد، حَتَّى لَو أوصى بِثلث مَاله لِابْنِ زيد، وَله ابْن وَبنت لَا تدخل الْبِنْت فِيهِ، وَدخُول الْبَنَات فِي بني آدم بطرِيق التّبعِيَّة. وَقَوله: أَو المُرَاد بِهِ الْقَبِيلَة، لَيْسَ لَهُ وَجه أصلا لِأَن الْقَبِيلَة تجمع الْكل فَيدْخل فِيهِ الرِّجَال أَيْضا. وَقد علم أَن طَبَقَات الْعَرَب سِتّ، فالقبائل تجمع الْكل وَيُمكن أَن يُقَال إِن الْمُضَاف فِيهِ مَحْذُوف تَقْدِيره، على بَنَات بني إِسْرَائِيل، يشْهد بذلك قَوْله: عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام: (كتبه الله على بَنَات بني آدم) وَقد ذكر التَّوْفِيق بَينهمَا عَن قريب إِن شَاءَ الله تَعَالَى. فَإِن قلت: مَا مَحل قَوْله: على بني إِسْرَائِيل من الْإِعْرَاب؟ قلت: النصب لِأَنَّهَا جملَة وَقعت خَبرا لَكَانَ قَوْله أَو ل مَرْفُوع لِأَنَّهُ اسْمه، وَكلمَة مَا، مَصْدَرِيَّة تَقْدِيره، كَانَ أول إرْسَال الْحيض على بني إِسْرَائِيل.

قالَ أبُو عبْدِ اللَّهِ وَحَدِيثُ النَّبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أكْثَرُ

أَبُو عبد الله هُوَ البُخَارِيّ نَفسه، وَكَأَنَّهُ أَشَارَ بِهَذَا الْكَلَام إِلَى دَرَجَة التَّوْفِيق بَين الْخَبَرَيْنِ، وَهُوَ أَن كَلَام الرَّسُول، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَكثر قُوَّة وقبولاً من كَلَام غَيره من الصَّحَابَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم. وَقَالَ الْكرْمَانِي:، ويروي: (أكبر) بِالْبَاء الْمُوَحدَة، وَمَعْنَاهُ: على هَذَا، وَحَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وسلمأعظم وَأجل وآكد ثبوتاً وَفسّر الْكرْمَانِي الْأَكْثَر، بالثاء الْمُثَلَّثَة، وَأي: أشمل، لِأَنَّهُ يتَنَاوَل بَنَات إِسْرَائِيل وغيرهن، وَقَالَ بَعضهم: أَكثر أَي: أشمل لِأَنَّهُ عَام فِي جَمِيع بَنَات بني آدم، فَيتَنَاوَل الْإسْرَائِيلِيات وَمن قبلهن. قلت: لم لَا يجوز أَن يكون الشُّمُول فِي بَنَات إِسْرَائِيل وَمن بعدهن؟ وَقَالَ الدَّاودِيّ لَيْسَ بَينهمَا مُخَالفَة، فَإِن نسَاء

<<  <  ج: ص:  >  >>