للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الرّطبَة إِذا أخرجت من قشرها، فَسُمي بذلك الْفَاسِق لِخُرُوجِهِ من الْخَيْر وانسلاخه مِنْهُ. وَقيل: الْفَاسِق الْجَائِز. قَالُوا: وَالْفِسْق والفسوق فِي الدّين اسْم إسلامي لم يسمع فِي الْجَاهِلِيَّة وَلَا يُوجد فِي أشعارهم، وَإِنَّمَا هُوَ مُحدث سمي بِهِ الْخَارِج عَن الطَّاعَة بعد نزُول الْقُرْآن الْعَظِيم. وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: لم يسمع قطّ فِي كَلَام الْجَاهِلِيَّة وَلَا فِي شعرهم: فَاسق، وَهَذَا عَجِيب، وَهُوَ كَلَام عَرَبِيّ. قَوْله: (رَجَعَ كَيَوْم وَلدته أمه) أَي: رَجَعَ مشابها لنَفسِهِ فِي الْبَراء من الذُّنُوب فِي يَوْم وَلدته أمه، وَرجع بِمَعْنى: صَار، جَوَاب الشَّرْط. وَلَفظ: (كَيَوْم) يجوز فِيهِ الْبناء على الْفَتْح. فَإِن قلت: ذكر هُنَا الرَّفَث والفسوق وَلم يذكر الْجِدَال، كَمَا فِي الْقُرْآن؟ قلت: اعْتِمَادًا على الْآيَة، وَالله أعلم.

٥ - (بابُ فَرْضِ مَوَاقِيتِ الحَجِّ وَالعُمْرَةِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان فرض مَوَاقِيت الْحَج وَالْعمْرَة، وَالْفَرْض هُنَا يجوز أَن يكون بِمَعْنى التَّقْدِير، وَأَن يكون بِمَعْنى الْوُجُوب. وَقَالَ بَعضهم: الظَّاهِر بِمَعْنى الْوُجُوب وَهُوَ نَص البُخَارِيّ، وَاسْتدلَّ عَلَيْهِ بقوله فِي: بَاب مِيقَات أهل الْمَدِينَة: وَلَا يهلوا قبل ذِي الحليفة. قلت: قَوْله: (وَلَا يهلوا، قبل ذِي الحليفة) لَا يدل على عدم جَوَاز الإهلال من قبل ذِي الحليفة، لاحْتِمَال أَن يكون ذَلِك ترك الِاسْتِحْبَاب فِي الإهلال قبل ذِي الحليفة، وَأَن يكون معنى قَوْله: (وَلَا يهلوا) : وَلَا يسْتَحبّ لَهُم أَن يهلوا قبل ذِي الحليفة أَلا ترى أَن الْجُمْهُور جوزوا التَّقَدُّم على الْمَوَاقِيت، على أَن ابْن الْمُنْذر نقل الْإِجْمَاع على الْجَوَاز فِي التَّقَدُّم عَلَيْهَا. وَمذهب طَائِفَة من الْحَنَفِيَّة وَالشَّافِعِيَّة: الْأَفْضَل فِي التَّقَدُّم، وَالْمَنْقُول عَن مَالك كَرَاهَة ذَلِك لَا يدل على أَنه يرى عدم الْجَوَاز، وَكَذَلِكَ الْمَنْقُول عَن عُثْمَان، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أَنه كره أَن يحرم من خُرَاسَان. فَإِن قلت: نقل عَن إِسْحَاق وَدَاوُد عدم الْجَوَاز. قلت: مخالفتهما لِلْجُمْهُورِ لَا تعْتَبر، وَلَئِن سلمنَا ذَلِك فَمن أَيْن علم أَن البُخَارِيّ مَعَهُمَا فِي ذَلِك؟ فَإِن قلت: تنصيصه فِي التَّرْجَمَة على لفظ الْفَرْض يدل على أَنه يرى ذَلِك. قلت: لَا نسلم لاحْتِمَال أَن يكون أَرَادَ بِالْفَرْضِ معنى التَّقْدِير، بل الرَّاجِح هَذَا لِأَنَّهُ وَقع فِي بعض النّسخ: بَاب فضل مَوَاقِيت الْحَج وَالْعمْرَة، وَقَالَ هَذَا الْقَائِل أَيْضا: وَيُؤَيِّدهُ الْقيَاس على الْمِيقَات الزماني، فقد أَجمعُوا على أَنه لَا يجوز التَّقَدُّم عَلَيْهِ. قلت: لَا نسلم صِحَة هَذَا الْقيَاس لوُجُود الْفَارِق وَهُوَ أَن الْمِيقَات الزماني مَنْصُوص عَلَيْهِ بِالْقُرْآنِ، بِخِلَاف الْمِيقَات المكاني. ثمَّ إعلم أَن الْمَوَاقِيت جمع: مِيقَات، على وزن: مفعال، وَأَصله موقات قلبت الْوَاو يَاء لسكونها وانكسار مَا قبلهَا، من: وَقت الشَّيْء يقته، إِذا بَين حَده، وَكَذَا وقته يوقته، ثمَّ اتَّسع فِيهِ فَأطلق على الْمَكَان، فَقيل للموضع: مِيقَات، والميقات يُطلق على الزماني والمكاني، وَهَهُنَا المُرَاد المكاني.

٢٢٥١ - حدَّثنا مالِكُ بنُ إسْماعِيلَ قَالَ حدَّثنا زُهَيْرٌ قَالَ حدَّثني زَيْدُ بنُ جُبَيْرٍ أنَّهُ أَتَى عَبْدَ الله بنَ عُمَر رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا فِي مَنْزِلِهِ ولَهُ فُسْطَاطٌ وسُرادِقٌ فسَألْتُهُ مِنْ أيْنَ يَجُوزُ أنْ أعْتَمِر قَالَ فرَضَهَا رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لأَهْلِ نَجْدٍ قَرْنا وَلأِهلِ المَدينَةِ ذَا الحُلَيْفَةِ وَلأِهْلِ الشأمِ الجُحْفَةَ..

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، فَإِن فِيهِ بَيَان تَوْقِيت لأهل هَذِه الْأَمَاكِن الثَّلَاثَة.

ذكر رِجَاله: وهم: أَرْبَعَة: الأول: مَالك بن إِسْمَاعِيل أَبُو غَسَّان، مر فِي: بَاب المَاء الَّذِي يغسل بِهِ شعر الْإِنْسَان. الثَّانِي: زُهَيْر، بِضَم الزَّاي وَفتح الْهَاء مصغر الزهر: ابْن مُعَاوِيَة الْجعْفِيّ، مر فِي: بَاب لَا يستنجي بروث. الثَّالِث: زيد بن جُبَير، بِضَم الْجِيم وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة: ابْن حرمل الْجُشَمِي، من بني جشم بن مُعَاوِيَة. الرَّابِع: عبد الله بن عمر.

ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين وبصيغة الْإِفْرَاد فِي مَوضِع. وَفِيه: السُّؤَال. وَفِيه: القَوْل فِي موضِعين. وَفِيه: أَن رُوَاته الثَّلَاثَة كوفيون. وَفِيه: أَن زيد بن جُبَير لَيْسَ لَهُ فِي البُخَارِيّ إلَاّ هَذَا الحَدِيث، وَفِي الروَاة زيد بن جبيرَة، بِفَتْح الْجِيم وَزِيَادَة هَاء فِي آخِره، لم يخرج لَهُ البُخَارِيّ شَيْئا.

وَهَذَا الحَدِيث بِهَذَا الْوَجْه من أَفْرَاد البُخَارِيّ، رَحمَه الله.

<<  <  ج: ص:  >  >>