بالْكَذْبَةِ تُحْمَلُ عَنْهُ حَتَّى تَبْلُغَ الآفاقَ، فَيُصْنَعُ بِهِ إِلَى يَوْمِ القِيامَةِ.
وَجه الْمُطَابقَة مثل الَّذِي ذَكرْنَاهُ فِي الحَدِيث السَّابِق. وَجَرِير هُوَ ابْن حَازِم، وَأَبُو رَجَاء بِالْجِيم اسْمه عمرَان العطاردي.
وَهَذَا طرف من حَدِيث مطول رَوَاهُ مقطعاً فِي الصَّلَاة وَفِي الْجَنَائِز وَفِي الْبيُوع وَفِي الْجِهَاد وَفِي بَدْء الْخلق وَفِي صَلَاة اللَّيْل وَهنا عَن مُوسَى بن إِسْمَاعِيل، وَفِي أَحَادِيث الْأَنْبِيَاء وَفِي التَّفْسِير وَفِي التَّعْبِير عَن مُؤَمل بن هِشَام.
قَوْله: (رَأَيْت) ، أَي: فِي الْمَنَام وَلَيْسَ فِي كثير من النّسخ لَفظه: قَوْله: (الَّذِي رَأَيْته يشق شدقه) وَكَانَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، رأى رجلا جَالِسا ورجلاً قَائِما بِيَدِهِ كَلوب من حَدِيد يدْخلهُ فِي شدقه حَتَّى يبلغ قَفاهُ ثمَّ يفعل بشدقه الآخر مثل ذَلِك ويلتئم شدقه هَذَا فيصنع مثله، قلت: مَا هَذَا؟ فَقَالَا: الَّذِي رَأَيْته يشق شدقه فكذاب يصنع بِهِ إِلَى يَوْم الْقِيَامَة. قَوْله: (فكذاب) فَإِن قيل: شَرط الْمَوْصُول الَّذِي يدْخل فِي خَبره الْفَاء أَن يكون مُبْهما بل عَاما، قيل لَهُ: جعل الْمعِين كالعام حَتَّى جَازَ دُخُول الْفَاء فِي الْخَبَر، وَإِنَّمَا جعل عَذَابه فِي مَوضِع الْمعْصِيَة وَهُوَ فَمه الَّذِي كَانَ يكذب بِهِ.
٧٠ - (بابٌ فِي الهَدْيِ الصَّالِحِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان الْهَدْي الصَّالح، وَالْهَدْي بِفَتْح الْهَاء وَسُكُون الدَّال الْمُهْملَة. وَقَالَ ابْن الْأَثِير: الْهَدْي السِّيرَة والهيئة والطريقة، وَفِي الحَدِيث: واهد وَالْهَدْي عمار، أَي: رَأْي: سِيرُوا بسيرته وتهيئوا بهيئته، يُقَال: هدى هدي فلَان إِذا سَار بسيرته، وَهَذِه التَّرْجَمَة لفظ حَدِيث أخرجه البُخَارِيّ فِي (الْأَدَب الْمُفْرد) من طَرِيق قَابُوس بن أبي ظبْيَان عَن أَبِيه عَن ابْن عَبَّاس رَفعه: الْهَدْي الصَّالح والسمت الصَّالح والاقتصاد جُزْء من خَمْسَة وَعشْرين جُزْءا من النُّبُوَّة وَأخرجه أَبُو دَاوُد وَأحمد أَيْضا.
٦٠٩٧ - حدَّثنا إسْحاقُ بنُ إبْرَاهِيمَ قَالَ: قُلْتُ ل أبِي أُسامَةَ: حدَّثَكُمُ الأعْمَشُ سَمِعْتُ شَقِيقاً قَالَ: سَمِعْتُ حُذَيْفَةَ يَقُولُ: إنَّ أشْبَهَ النَّاس دَلاًّ وسَمْتاً وهَدْياً بِرَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لابنُ أُمِّ عَبْدِ مِنْ حِينَ يَخْرُجُ مِنْ بَيْتِهِ إِلَى أنْ يَرْجَعَ إلَيْهِ، لَا نَدْرِي مَا يَصْنَعُ فِي أهْلِهِ إذَا خَلَا. (انْظُر الحَدِيث ٣٧٦٢) .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (وهدياً) وَإِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم هُوَ إِسْحَاق بن رَاهَوَيْه، قَالَه بَعضهم. قلت: يحْتَمل أَن يكون إِسْحَاق ابْن إِبْرَاهِيم بن نصر أَبُو إِبْرَاهِيم السَّعْدِيّ البُخَارِيّ، لِأَن كلاًّ مِنْهُمَا قد روى عَن أبي أُسَامَة، فالجزم بِأَنَّهُ ابْن رَاهَوَيْه من أَيْن؟ ويروي عَنهُ البُخَارِيّ فِي غير مَوضِع فِي كِتَابه، مرّة يَقُول: حَدثنَا إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم بن نصر، وَمرَّة يَقُول: حَدثنَا إِسْحَاق ابْن نصر، فينسبه إِلَى جده، وَأَبُو أُسَامَة حَمَّاد بن أُسَامَة، وَالْأَعْمَش سُلَيْمَان، وشقيق أَبُو وَائِل، وَحُذَيْفَة بن الْيَمَان الْعَبْسِي. والْحَدِيث من أَفْرَاده.
قَوْله: (حَدثكُمْ) ويروى: أحدثكُم؟ بِهَمْزَة الِاسْتِفْهَام وَالسُّكُوت عَن الْجَواب قَائِم مقَام التَّصْدِيق وَالتَّسْلِيم عِنْد الْقَرَائِن. قَوْله: (دلاً) بِفَتْح الدَّال الْمُهْملَة وَتَشْديد اللَّام، قَالَ الْكرْمَانِي: الدل قريب الْمَعْنى من الْهَدْي وهما من السكينَة وَالْوَقار فِي الْهَيْئَة والمنظر وَالشَّمَائِل، وَالْهَدْي هُوَ السِّيرَة والسمت بِفَتْح السِّين الْمُهْملَة وَإِسْكَان الْمِيم الطَّرِيق والمقصد وهيئة أهل الْخَيْر. قَوْله: (لِابْنِ أم عبد) بِفَتْح اللَّام للتَّأْكِيد، وَابْن أم عبد الله بن مَسْعُود، وَأمه أم عبد بنت عبدود وَلها صُحْبَة وَكَانَ أَصْحَابه يدْخلُونَ عَلَيْهِ فَيَنْظُرُونَ إِلَيْهِ قولا وفعلاً حَرَكَة وسكوناً حَالا وملكة وَغَيرهَا، فيتشبهون بِهِ رَضِي الله عَنهُ. قَوْله: (من حِين يخرج من بَيته)
إِلَى آخِره أَرَادَ بذلك أَنه يُشَاهد مَا قَالَه عَن عبد الله بن مَسْعُود من حِين يخرج من بَيته إِلَى أَن يرجع إِلَيْهِ أَي: إِلَى بَيته، ثمَّ قَالَ: (لَا نَدْرِي مَا يصنع فِي أَهله إِذا خلا بهم) لِأَنَّهُ رُبمَا ينبسط بهم وَلم يرد بذلك إِثْبَات نقص فِي حق عبد الله فَافْهَم.
وَفِيه من الْفِقْه: أَنه يَنْبَغِي للنَّاس الِاقْتِدَاء بِأَهْل الْفضل وَالصَّلَاح فِي جَمِيع أَحْوَالهم، فِي هيئتهم وتواضعهم لِلْخلقِ ورحمتهم وإنصافهم من أنفسهم، وَفِي مَأْكَلهمْ وَمَشْرَبهمْ واقتصادهم فِي أُمُورهم تبركاً بذلك.
٦٠٩٨ - حدَّثنا أبُو الوَلِيدِ حَدثنَا شُعْبَةُ عَنْ مُخارِقٍ قَالَ: سَمِعْتُ طارِقاً قَالَ: قَالَ عَبْدُ الله: إنَّ أحسَنَ الحَدِيثِ كِتابُ الله، وأحْسَنَ الْهَدْيُ هدي مُحَمَّدٍ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.