الْجَمْرَة حَتَّى تطلع الشَّمْس. وَأما آخِره فَإلَى غرُوب الشَّمْس، وَقَالَ الشَّافِعِي: يجوز الرَّمْي بعد النّصْف الْأَخير من اللَّيْل، وَفِي (شرح التِّرْمِذِيّ) لشَيْخِنَا: وَأما آخر وَقت رمي جَمْرَة الْعقبَة فَاخْتلف فِيهِ كَلَام الرَّافِعِيّ، فَجزم فِي (الشَّرْح الصَّغِير) أَنه يَمْتَد إِلَى الزَّوَال، قَالَ: وَالْمَذْكُور فِي (النِّهَايَة) جزما امتداده إِلَى الْغُرُوب، وَحكى وَجْهَيْن فِي امتداده إِلَى الْفجْر: أصَحهمَا: أَنه لَا يَمْتَد. وَكَذَا صَححهُ النَّوَوِيّ فِي (الرَّوْضَة) وَفِي (التَّوْضِيح) : رمي جَمْرَة الْعقبَة من أَسبَاب التَّحَلُّل عندنَا، وَلَيْسَ بِرُكْن، خلافًا لعبد الْملك الْمَالِكِي حَيْثُ قَالَ: من خرجت عَنهُ أَيَّام منى وَلم يرم جَمْرَة الْعقبَة بَطل حجه، فَإِن ذكر بعد غرُوب شمس يَوْم النَّحْر فَعَلَيهِ دم، وَإِن تذكر بعد فَعَلَيهِ بَدَنَة، وَقَالَ ابْن وهب: لَا شَيْء عَلَيْهِ مَا دَامَت أَيَّام منى. وَفِي (الْمُحِيط) أَوْقَات رمي جَمْرَة الْعقبَة ثَلَاثَة: مسنون بعد طُلُوع الشَّمْس، ومباح بعد زَوَالهَا إِلَى غُرُوبهَا، ومكروه وَهُوَ الرَّمْي بِاللَّيْلِ. وَلَو لم يرم حَتَّى دخل اللَّيْل فَعَلَيهِ أَن يرميها فِي اللَّيْل، وَلَا شَيْء عَلَيْهِ. وَعَن أبي يُوسُف، وَهُوَ قَول الثَّوْريّ: لَا يَرْمِي فِي اللَّيْل وَعَلِيهِ دم، وَلَو لم يرمِ فِي يَوْم النَّحْر حَتَّى أصبح من الْغَد رَمَاهَا وَعَلِيهِ دم عِنْد أبي حنيفَة، خلافًا لَهما.
الحكم الثَّانِي: هُوَ أَن الرَّمْي فِي أَيَّام التَّشْرِيق مَحَله بعد زَوَال الشَّمْس، وَهُوَ كَذَلِك، وَقد اتّفق عَلَيْهِ الْأَئِمَّة. وَخَالف أَبُو حنيفَة فِي الْيَوْم الثَّالِث مِنْهَا، فَقَالَ: يجوز الرَّمْي فِيهِ قبل الزَّوَال اسْتِحْسَانًا. وَقَالَ: إِن رمى فِي الْيَوْم الأول أَو الثَّانِي قبل الزَّوَال أعَاد، وَفِي الثَّالِث يجْزِيه. وَقَالَ عَطاء وطاووس: يجوز فِي الثَّلَاثَة قبل الزَّوَال، وَاتفقَ مَالك وَأَبُو حنيفَة وَالثَّوْري وَالشَّافِعِيّ وَأَبُو ثَوْر: أَنه إِذا مَضَت أَيَّام التَّشْرِيق وَغَابَتْ الشَّمْس من آخرهَا فقد فَاتَ الرَّمْي، وَيجْبر ذَلِك بِالدَّمِ.
٦٤٧١ - حدَّثنا أبُو نُعَيْمٍ قَالَ حدَّثنا مِسْغَرٌ عَنْ وَبَرَةَ قَالَ سألْتُ ابنَ عُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا مَتَى أرْمِي الجِمَارَ قَالَ إذَا رَمَى إمَامُكَ فأرْمِهْ فأعَدْتُ عَلَيْهِ المَسْألَةَ قَالَ كُنَّا نَتَحَيَّنُ فإذَا زَالَتِ الشَّمْسُ رَمَيْنَا.
مطابقته للتَّرْجَمَة من الَّذِي ذَكرْنَاهُ قبل هَذَا، وَأَبُو نعيم الْفضل بن دُكَيْن ومسعر بِكَسْر الْمِيم وَسُكُون السِّين الْمُهْملَة وَفتح الْعين الْمُهْملَة وبالراء ابْن كدام، مر فِي كتاب الْوضُوء، وبرة، بِالْوَاو وَالْبَاء الْمُوَحدَة وَالرَّاء المفتوحات على وزن شَجَرَة: ابْن عبد الرَّحْمَن الْمسلي، بِضَم الْمِيم وَسُكُون السِّين الْمُهْملَة بعْدهَا لَام، وَكلهمْ كوفيون.
وَأخرجه أَبُو دَاوُد عَن عبد الله بن مُحَمَّد الزُّهْرِيّ عَن سُفْيَان ومسعر.
قَوْله: (مَتى أرمي الْجمار؟) ، يَعْنِي: فِي غير يَوْم الْأَضْحَى. قَوْله: (إِذا رمى إمامك) أَرَادَ بِهِ الْأَمِير الَّذِي على الْحَج، وَكَانَ ابْن عمر خَافَ عَلَيْهِ أَن يُخَالف الْأَمِير فَيحصل لَهُ مِنْهُ ضَرَر، فَلَمَّا أعَاد إِلَيْهِ الْمَسْأَلَة لم يَسعهُ الكتمان، فَأعلمهُ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَهُ فِي زمن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَوْله: (فارمه) ، بهاء سَاكِنة لِأَنَّهَا هَاء السكت، والْحَدِيث رَوَاهُ ابْن عُيَيْنَة عَن مسعر بِهَذَا الْإِسْنَاد، فَقَالَ فِيهِ: (فَقلت لَهُ: أَرَأَيْت إِن أخر إمامي؟) أَي: الرَّمْي، فَذكر لَهُ الحَدِيث، أخرجه ابْن أبي عمر فِي (مُسْنده) عَنهُ وَمن طَرِيقه الْإِسْمَاعِيلِيّ، وَلَفظه: (فَإِذا زاغت الشَّمْس) ، أَو زَالَت. قَوْله: (كُنَّا نتحيَّن) على وزن: نتفعل، من: الْحِين، وَهُوَ الزَّمَان أَي: نراقب الْوَقْت. قَوْله: (فَإِذا زَالَت الشَّمْس رمينَا) أَي: فِي أَيَّام التَّشْرِيق، وَعند الْجُمْهُور: لَا يجوز الرَّمْي فِي أَيَّام التَّشْرِيق، وَهِي الْأَيَّام الثَّلَاثَة إلَاّ بعد الزَّوَال. وَقَالَ عَطاء وطاووس: يجْزِيه فِيهَا قبل الزَّوَال، وَقد ذَكرْنَاهُ عَن قريب. وَاتَّفَقُوا أَنه إِذا مَضَت أَيَّام التَّشْرِيق وَغَابَتْ الشَّمْس من آخرهَا فقد فَاتَ الرَّمْي، وَيجْبر بِالدَّمِ. وَقَالَ ابْن قدامَة: إِذا أخر رمي يَوْم إِلَى يَوْم بعده أَو أخر الرَّمْي كُله إِلَى آخر أَيَّام التَّشْرِيق ترك السّنة، وَلَا شَيْء عَلَيْهِ. وَعند أبي حنيفَة: إِن ترك حَصَاة أَو حصاتين أَو ثَلَاثًا إِلَى الْغَد رَمَاهَا وَعَلِيهِ لكل حَصَاة نصف صَاع، وَإِن ترك أَرْبعا إِلَى الْغَد فَعَلَيهِ دم، وَالله أعلم.
٥٣١ - (بابُ رَمْيِ الجِمَارِ مِنْ بَطْنِ الوَادِي)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان رمي الْجمار من بطن الْوَادي، وَأَرَادَ بِهِ رمي جمار الْعقبَة يَوْم النَّحْر، وَهَذَا هُوَ صفة رمي جَمْرَة الْعقبَة وَهِي أَن يَرْمِي من بطن الْوَادي من أَسْفَل إِلَى أَعلَى. فَإِن قلت: روى ابْن أبي شيبَة عَن عَطاء أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يعلوا إِذا رمى الْجَمْرَة؟ قلت: هَذَا فِي الْجَمْرَتَيْن الآخرتين، وَأما فِي جَمْرَة الْعقبَة فَمن بطن الْوَادي.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute