يدْرك بِحَدِيث عبد الله، فَسَأَلَ أَصْحَابه بقوله: (مَا حَدثكُمْ أَبُو عبد الرَّحْمَن؟) قَوْله: (فَقَالُوا: كَذَا وَكَذَا) ويروى: قَالُوا، بِدُونِ الْفَاء، وَفِي رِوَايَة جرير: فَحَدَّثنَاهُ يَعْنِي الْأَشْعَث، وبيَّن شُعْبَة فِي رِوَايَته أَن الَّذِي حَدثهُ بِمَا حَدثهمْ بِهِ عبد الله بن مَسْعُود هُوَ أَبُو وَائِل الرَّاوِي شَقِيق بن سَلمَة. فَإِن قلت: قد مر فِي الْأَشْخَاص: قَالَ: فلقيني الْأَشْعَث بن قيس فَقَالَ: مَا حَدثكُمْ عبد الله الْيَوْم؟ .
قلت: كَذَا وَكَذَا.
قلت: لَيْسَ بَين الرِّوَايَتَيْنِ مُنَافَاة لِأَنَّهُ إِنَّمَا أفرده فِي هَذِه الرِّوَايَة لكَونه الْمُجيب. قَوْله: (قَالَ: فِي أنزلت) أَي: قَالَ الْأَشْعَث، فِي أنزلت هَذِه الْآيَة، وَكلمَة: فِي، بِكَسْر الْفَاء وَتَشْديد الْيَاء. قَوْله: (كَانَت لي بِئْر) كَذَا هُوَ فِي رِوَايَة الْكشميهني: كَانَت، بالتأنيث، وَفِي رِوَايَة غَيره: كَانَ بالتذكير. قَوْله: (كَانَت لي بِئْر) فِي رِوَايَة أبي مُعَاوِيَة: أَرض، وَادّعى الْإِسْمَاعِيلِيّ فِي الشّرْب أَن أَبَا حَمْزَة تفرد بقوله: فِي بِئْر، وَلَيْسَ كَمَا قَالَ، فقدوا فقه أَبُو عوَانَة كَمَا ترى، وَكَذَا وَقع عِنْد أَحْمد من رِوَايَة عَاصِم عَن شَقِيق: فِي بِئْر، وَوَقع فِي رِوَايَة جرير عَن مَنْصُور: فِي شَيْء. قَوْله: (ابْن عَم لي) كَذَا وَقع للأكثرين أَن الْخُصُومَة كَانَت فِي بِئْر يدعيها الْأَشْعَث فِي أَرض لخصمه. فَإِن قلت: فِي رِوَايَة أبي مُعَاوِيَة: كَانَ بيني وَبَين رجل من الْيَهُود أَرض فجحدني.
قلت: المُرَاد أَرض الْبِئْر لَا جَمِيع الأَرْض الَّتِي من جُمْلَتهَا أَرض الْبِئْر، وَلَا مُنَافَاة بَين قَوْله: ابْن عَم لي، وَبَين قَوْله: من الْيَهُود، لِأَن جمَاعَة من أهل الْيمن كَانُوا يهوداً، وَلما غلب يُوسُف ذُو نواس على الْيمن وطرد عَنْهَا الْحَبَشَة فجَاء الْإِسْلَام وهم على ذَلِك، وَقد أخرج الطَّبَرَانِيّ من طَرِيق الشّعبِيّ عَن الْأَشْعَث قَالَ: خَاصم رجل من المخضرمين رجلا منا يُقَال لَهُ: الخفشيش إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي أَرض لَهُ فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم للمخضرم، جىء بشهودك على حَقك وإلَاّ حلف لَك ... الحَدِيث، وَهَذَا مُخَالف لسياق مَا فِي الصَّحِيح، فَإِن كَانَ ثَابتا حمل على تعدد الْقَضِيَّة. قَوْله: (بينتك) بِالنّصب أَي: أحضر أَو أطلب بينتك، بِالنّصب ويروى: بِالرَّفْع، أَي: الْمَطْلُوب بينتك. أَو يَمِينه إِن لم تكن لَك بَيِّنَة، وَفِي رِوَايَة أبي مُعَاوِيَة: وَقَالَ: أَلَك بَيِّنَة؟ .
قلت: لَا. فَقَالَ لِلْيَهُودِيِّ: احْلِف. وَفِي رِوَايَة أبي حَمْزَة: فَقَالَ: أَلَك شُهُود؟ .
قلت: مَا لي شُهُود. قَالَ: فيمينه. وَفِي رِوَايَة وَكِيع عَن مُسلم: أَلَك عَلَيْهِ بَيِّنَة؟ وَفِي رِوَايَة جرير عَن مَنْصُور: شَاهِدَاك أَو يَمِينه. قَوْله: (إِذا يحلف) جَوَاب وَجَزَاء بِنصب يحلف.
٨١ - (بابُ اليَمِينِ فِيما لَا يَمْلِكُ وَفِي المَعْصِيَةِ وَفِي الغَضَبِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم الْيَمين فِيمَا لَا يملكهُ الْحَالِف، وَفِي الْيَمين فِي الْمعْصِيَة وَفِي الْيَمين فِي حَالَة الْغَضَب، فَذكر ثَلَاثَة أَحَادِيث لكل وَاحِد من هَذِه الثَّلَاثَة حَدِيثا على التَّرْتِيب، يفهم حكم كل وَاحِد من كل وَاحِد من الْأَحَادِيث الثَّلَاثَة.
٨٧٦٦ - حدّثني مُحَمَّدُ بنُ العلاءِ حدّثنا أبُو أُسامَةَ عنْ بُرَيْد عنْ أبي بُرْدَةَ عنْ أبي مُوسَى قَالَ: أرْسَلَنِي أصْحابي إِلَى النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أسألُهُ الحُمْلَانَ. فَقَالَ: (وَالله لَا أحْمِلُكُمْ عَلى شَيْءٍ) ووافقْتُهُ وهْوَ غَضْبانُ، فلمَّا أتَيْتُهُ قَالَ: (أنْطَلِقْ إِلَى أصْحابِكَ فَقُلْ: إنَّ الله أوْ: إنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَحْمِلُكُمْ) .
مطابقته للجزء الأول للتَّرْجَمَة وَهُوَ الْيَمين فِيمَا لَا يملك.
وَهَذَا الحَدِيث بِعَين هَذَا الْإِسْنَاد مر فِي أول: بَاب غَزْوَة تَبُوك فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ أَيْضا عَن مُحَمَّد بن الْعَلَاء عَن أبي أُسَامَة عَن بريد بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة وَفتح الرَّاء وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف ابْن عبد الله بن أبي بردة اسْمه عَامر، وَقيل: الْحَارِث عَن أبي مُوسَى عبد الله بن قيس الْأَشْعَرِيّ، وبريد هَذَا يروي عَن جده أبي بردة، وَأَبُو بردة يروي عَن أَبِيه أبي مُوسَى، وَهنا اخْتَصَرَهُ، وَحَاصِل الْكَلَام أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حلف أَن لَا يحملهم وَلم يكن مَالِكًا لما سَأَلُوهُ فِي ذَلِك الْوَقْت، ثمَّ أرسل بِلَالًا وَرَاء أبي مُوسَى وَأَعْطَاهُ سِتَّة أَبْعِرَة، ثمَّ إِنَّه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حذر عَن يَمِينه فَدلَّ هَذَا على انْعِقَاد يَمِينه. وَقَالَ ابْن بطال: وَمِثَال هَذَا أَن يحلف رجل على أَن لَا يهب أَو لَا يتَصَدَّق أَو لَا يعْتق وَهُوَ فِي هَذِه الْحَالة لَا يملك شَيْئا من ذَلِك، ثمَّ حصل لَهُ مَال بعد ذَلِك فوهب أَو تصدق أَو أعتق، فَعِنْدَ جمَاعَة الْفُقَهَاء: تلْزمهُ الْكَفَّارَة كَمَا فعل الشَّارِع بالأشعريين أَنه حلل عَن يَمِينه وأتى بِالَّذِي هُوَ خير، وَلَو حلف أَن لَا يهب أَو لَا يتَصَدَّق مَا دَامَ معدماً وَجعل