صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَرد نِكَاحهَا، وَلم يقل فِيهِ: بكرا وَلَا ثَيِّبًا، قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: رَوَاهُ أَبُو عوَانَة عَن عمر مُرْسلا، وَلم يذكر أَبَا هُرَيْرَة.
وَقد جَاءَت أَحَادِيث بِمثل حَدِيث خنساء، مِنْهَا: حَدِيث عَطاء عَن جَابر أَن رجلا زوج ابْنَته بكرا وَلم يستأذنها، فَأَتَت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَفرق بَينهمَا، وَأخرجه النَّسَائِيّ، وَقَالَ: الصَّحِيح إرْسَاله، وَالْأول وهم. وَمِنْهَا: أَن ابْن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، تزوج ابْنة خَاله وَأَن عَمها هُوَ الَّذِي زَوجهَا الحَدِيث، وَفِيه: فَأَتَت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَرد نِكَاحهَا، أخرجه الدَّارَقُطْنِيّ. وَمِنْهَا: حَدِيث ابْن عَبَّاس: أَن جَارِيَة بكرا أنْكحهَا أَبوهَا وَهِي كارهة، فَخَيرهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادِهِ على شَرط الصَّحِيحَيْنِ، وَقَالَ أَبُو دَاوُد: وَالصَّحِيح مُرْسل. وَقَالَ أَبُو حَاتِم: رَفعه خطأ، وَقَالَ ابْن حزم: صَحِيح فِي غَايَة الصِّحَّة. وَلَا معَارض لَهُ وَابْن الْقطَّان صَححهُ، وَقد احْتج أَصْحَابنَا بِحَدِيث الْبَاب وبهذه الْأَحَادِيث على أَنه لَيْسَ للْوَلِيّ إِجْبَار الْبكر الْبَالِغَة على النِّكَاح. وَفِي التَّوْضِيح: إتفق أَئِمَّة الْفَتْوَى بالأمصار على أَن الْأَب إِذا زوج ابْنَته الثّيّب بِغَيْر رِضَاهَا أَنه لَا يجوز وَيرد احتجاجا بِحَدِيث خنساء وَغَيره، وشذا الْحسن الْبَصْرِيّ وَالنَّخَعِيّ فخالفا الْجَمَاعَة، فَقَالَ الْحسن: نِكَاح الْأَب جَائِز على ابْنَته بكرا كَانَت أَو ثَيِّبًا كرهت أَو لم تكره، وَقَالَ النَّخعِيّ: إِن كَانَت الْبِنْت فِي عِيَاله زوّجها وَلم يستأمرها، وَإِن لم تكن فِي عِيَاله أَو كَانَت نائية عَنهُ استأمرها، وَلم يتلفت أحد من الْأَئِمَّة إِلَى هذَيْن الْقَوْلَيْنِ لمخالفتهما السّنة الثَّابِتَة فِي خنساء وَغَيرهَا.
وَاخْتلف الْأَئِمَّة الْقَائِلُونَ بِحَدِيث خنساء بِغَيْر إِذْنهَا ثمَّ بلغَهَا فأجازت، فَقَالَ إِسْمَاعِيل القَاضِي: أصل قَول مَالك: إِنَّه لَا يجوز وَإِن أجازته إلَاّ أَن يكون بِالْقربِ كَأَنَّهُ فِي فَور، وَيبْطل إِذا بعد لِأَن عقده بِغَيْر أمرهَا لَيْسَ بِعقد وَلَا يَقع فِيهِ طَلَاق. وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ: إِذا أجازته جَازَ إِذا أبطلته بَطل. وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد وَأَبُو ثَوْر: إِذا زَوجهَا بِغَيْر إِذْنهَا فَالنِّكَاح بَاطِل وَإِن رضيته لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رد نِكَاح خنساء وَلم يقل: إلَاّ أَن تحيزه، وَاسْتدلَّ بِهِ الشَّافِعِي، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، على إبِْطَال النِّكَاح الْمَوْقُوف على إجَازَة من لَهُ الْإِجَازَة، وَهُوَ أحد قولي مَالك، وَاسْتدلَّ بِهِ الْخطابِيّ على أبي حنيفَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فِي قَوْله: لَا يُزَوّج الْبكر الْبَالِغ إلَاّ بِرِضَاهَا، وَذَلِكَ أَن الثيوبة إِنَّمَا ذكرت هُنَا ليعلم أَنَّهَا عِلّة الحكم. قلت سُبْحَانَ الله! مَقْصُوده هَؤُلَاءِ وَمُجَرَّد الْحَط على أبي حنيفَة، وَذَلِكَ أَن الثيوبة إِذا كَانَت عِلّة فَلم لَا يجوز أَن تكون الْبكارَة أَيْضا عِلّة؟ وَالْحَال أَنَّهَا ذكرت أَيْضا فِي الحَدِيث الْمَذْكُور، وَجَاء أَيْضا بِدُونِ هذَيْن القيدين، كَمَا ذكرنَا، وَلَا نسلم أَيْضا أَن الْعلَّة فِي الرَّد هِيَ الثيوبة أَو الْبكارَة، وَالظَّاهِر أَن الْعلَّة هِيَ كَرَاهَة الْمَنْكُوحَة.
٩٣١٥ - حدَّثنا إسْحاقُ أخبرنَا بَزِيدُ أخبرَنا يحْياى أنَّ القاسِمَ بنَ مُحَمَّدٍ حدَّثهُ أنَّ عبْدَ الرَّحْمانِ بنَ يَزِيدَ ومُجَمِّعَ بن يَزِيدَ حدَّثاهُ: أنَّ رجُلاً يُدْعَى خِذَاما أنْكَح ابْنَةً لهُ: نَحْوَهُ.
هَذَا طَرِيق آخر فِي الحَدِيث الْمَذْكُور أخرجه عَن إِسْحَاق، قَالَ بَعضهم: هُوَ ابْن رَاهَوَيْه، وَقيل: ابْن مَنْصُور نسبه صَاحب التَّوْضِيح إِلَى اليجاني، وَيزِيد بِالْيَاءِ آخر الْحُرُوف هُوَ ابْن هَارُون، وَيحيى هُوَ ابْن سعيد الْأنْصَارِيّ. وَأخرجه أَحْمد عَن يزِيد بن هَارُون بِهَذَا الْإِسْنَاد: أَن رجلا مِنْهُم يدعى خذاما أنكح ابته فَكرِهت نِكَاح أَبِيهَا، فَأَتَت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَذكرت ذَلِك لَهُ، فَرد عَنْهَا نِكَاح أَبِيهَا فَتزوّجت أَبَا لبَابَة بن عبد الْمُنْذر. قَوْله: (نَحوه) أَي: نَحْو الحَدِيث الْمَذْكُور.
٣٤ - (بابُ تَزْوِيجِ اليَتِيمَةِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم تَزْوِيج الْيَتِيمَة.
{ (٤) وَإِن خِفْتُمْ أَلا تقسطوا فِي الْيَتَامَى فانكحوا} (النِّسَاء: ٣) .
فِي أَكثر النّسخ لقَوْله عز وَجل: {وَإِن خِفْتُمْ} (النِّسَاء: ٣) ، وَهَذَا هُوَ الْأَوْجه لِأَنَّهُ ذكر هَذِه الْقطعَة من الْآيَة فِي معرض الِاحْتِجَاج، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ فِي تَفْسِير سُورَة النِّسَاء.
وإذَا قَالَ لِلْوَليِّ: زَوَّجْنِي فُلانَةَ، فَمَكُثَ ساعَةً أوْ قَالَ: مَا مَعَكَ؟ فَقَالَ: مَعِي كَذَا وكذَا، أوْ لَبِثا ثُمَّ قَالَ: زَوَّجْتُكَها، فَهْوَ جائِزٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute