الله مُوسَى لَقَدْ أُوذِيَ بأكثَرَ مِنْ هاذا فَصَبَرَ.
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِنَّه يُوضح مَا أبهم فِيهَا، وَقد بَيناهُ. وَمُحَمّد بن يُوسُف الْفرْيَابِيّ، وسُفْيَان هُوَ الثَّوْريّ، وَالْأَعْمَش هُوَ سُلَيْمَان، وَأَبُو وَائِل شَقِيق بن سَلمَة.
والْحَدِيث مضى فِي: الْجِهَاد فِي: بَاب مَا كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يُعْطي الْمُؤَلّفَة قُلُوبهم، وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: (قسم) أَي: يَوْم حنين، وَقد أعْطى الْأَقْرَع بن حَابِس مائَة من الْإِبِل. قَوْله: (فتمعر) تفعل مَاض من التمعر بِالْعينِ الْمُهْملَة وَالرَّاء أَي: تغير لَونه، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: (فتمغر) ، بالغين الْمُعْجَمَة أَي: صَار لَونه لون الْمغرَة، وَصَاحب (التَّوْضِيح) نسب هَذِه الرِّوَايَة لأبي ذَر.
وَفِيه من الْفِقْه: أَن أهل الْفضل وَالْخَبَر قد يعز عَلَيْهِم مَا يُقَال فيهم من الْبَاطِل وَيكبر عَلَيْهِم، فَإِن ذَلِك جبلة فِي الْبشر فطرهم الله عَلَيْهَا إلَاّ أَن أهل الْفضل يتلقون ذَلِك بِالصبرِ الْجَمِيل اقْتِدَاء بِمن تقدمهم من الْمُؤمنِينَ، أَلا يُرى أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد اقْتدى فِي ذَلِك بصبر مُوسَى صلوَات الله وَسَلَامه عَلَيْهِ، وَمن صبره أَنهم قَالُوا لَهُ: هُوَ آدر، فَمر يغْتَسل عُريَانا فَوضع ثَوْبه على الْحجر فَتَبِعَهُ ففر الْحجر فَجَاز على بني إِسْرَائِيل فبرأه مِمَّا قَالُوا، وَمِنْه: أَن قَارون قَالَ لامْرَأَة ذَات حمال وَحسب: هَل لَك أَن أشركك فِي أَهلِي وَمَالِي إِذا جِئْت فِي مَلأ بني إِسْرَائِيل تَقُولِينَ: إِن مُوسَى أرادني على نَفسِي، فَلَمَّا وقفت عَلَيْهِم بدل الله تَعَالَى قَلبهَا، فَقَالَت: إِن قَارون قَالَ لي كَذَا وَكَذَا، فَبلغ الْخَبَر مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام، وَكَانَ شَدِيد الْغَضَب يخرج شعره من ثَوْبه إِذا غضب، فَدَعَا الله تَعَالَى وَهُوَ يبكي فَأوحى الله إِلَيْهِ: قد أمرت الأَرْض أَن تطيعك فَمُرْهَا بِمَا شِئْت، فَأقبل إِلَى قَارون فَلَمَّا رَآهُ قَالَ: يَا مُوسَى ارْحَمْنِي، قَالَ: يَا أَرض خذيه، فساخت بِهِ الأَرْض وَبِدَارِهِ إِلَى الْكَعْبَيْنِ، فَقَالَ: يَا مُوسَى ارْحَمْنِي، فَقَالَ: خذيه فساخت بِهِ وَبِدَارِهِ فَهُوَ يتجلجل إِلَى يَوْم الْقِيَامَة، وَمثل هَذِه كَثِيرَة.
٥٤ - (بابُ مَا يُكْرَهُ مِنَ التمادُحِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان مَا يكره من التمادح بَين النَّاس الَّذِي فِيهِ الإطراء ومجاوزة الْحَد، وَهُوَ المُرَاد من التَّرْجَمَة، لِأَن الحَدِيث يدل على هَذَا. قَالَ بَعضهم: هُوَ مدح كل من الشخصين الآخر. قلت: لَيْسَ كَذَلِك، هَذَا الَّذِي قَالَه بَاب المفاعلة، وَهَذَا من بَاب التفاعل لمشاركة الْقَوْم وَمن لَهُ أدنى مسكة من الصّرْف يعرف هَذَا.
٦٠٦٠ - حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ صَبَّاحٍ حَدثنَا إسْماعِيلُ بنُ زَكرِيَّاءَ حدّثنا بُرَيْدُ بنُ عَبْدِ الله بنِ أبي بُرْدَةَ عَنْ أبي بُرْدَةَ عَنْ أبي مُوسَى قَالَ: سَمِعَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، رَجُلاً يُثْني عَلَى رَجُلٍ ويُطْرِيه فِي المِدْحَةِ، فَقَالَ: أهْلَكْتُمْ أوْ قَطَعْتُمْ ظَهْرَ الرَّجُلِ. (انْظُر الحَدِيث ٢٦٦٣) .
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من معنى الحَدِيث وَهُوَ أَن يفرط فِي مدح الرجل بِمَا لَيْسَ فِيهِ فيدخله من ذَلِك الْإِعْجَاب ويظن أَنه فِي الْحَقِيقَة بِتِلْكَ الْمنزلَة، فَلذَلِك قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: قطعْتُمْ ظهر الرجل حِين وصفتموه بِمَا لَيْسَ فِيهِ، فَرُبمَا حمله ذَلِك على الْعجب وَالْكبر وعَلى تَضْييع الْعَمَل وَترك الإزدياد وَالْفضل، وَمن ذَلِك تَأَول الْعلمَاء فِي قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (احثوا التُّرَاب فِي وُجُوه المداحين) ، أَن المُرَاد بهم المداحون النَّاس فِي وُجُوههم بِالْبَاطِلِ وَبِمَا لَيْسَ فيهم، وَلم يرد بهم من مدح رجلا بِمَا فِيهِ فقد مدح رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْأَشْعَار والخطب والمخاطبة وَلم يحث فِي وُجُوه المداحين التُّرَاب، وَلَا أَمر بذلك، وَقد قَالَ أَبُو طَالب فِيهِ:
(وأبيض يستسقى الْغَمَام بِوَجْهِهِ ... ثمال الْيَتَامَى عصمَة للأرامل)
ومدحه حسان فِي كثير من شعره، وَكَعب بن زُهَيْر وَغير ذَلِك.
وَمُحَمّد بن صباح بتَشْديد الْبَاء الْمُوَحدَة وَيُقَال: فِيهِ الصَّباح بِالْألف وَاللَّام الْبَغْدَادِيّ، فَالْأول رِوَايَة أبي ذَر وَالثَّانِي لغيره، وَإِسْمَاعِيل بن زَكَرِيَّاء مَقْصُور أَو مَمْدُود الْأَسدي، وَبُرَيْدَة بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة وَفتح الرَّاء ابْن عبد الله بن أبي بردة بِضَم الْمُوَحدَة، وَأَبُو بردة اسْمه عَامر، قيل: الْحَارِث يرْوى عَن أَبِيه أبي مُوسَى عبد الله بن قيس الْأَشْعَرِيّ، وبريد بن عبد الله يروي عَن جده أبي بردة عَن أبي مُوسَى.
والْحَدِيث قد مر فِي