الْعَام وَهُوَ بَاطِل.
وَقَالَ هَذَا الْقَائِل: وَقد يسْتَدلّ لَهُ بِمَا رَوَاهُ أَحْمد من طَرِيق حَمَّاد بن سَلمَة عَن مُحَمَّد بن زِيَاد عَن أبي هُرَيْرَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، يرفعهُ: (كل الْعَمَل كَفَّارَة إلَاّ الصَّوْم، الصَّوْم لي وَأَنا أجزي بِهِ) ، وَكَذَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيّ فِي (مُسْنده) عَن شُعْبَة عَن مُحَمَّد بن زِيَاد، وَلَفظه: (قَالَ ربكُم تبَارك وَتَعَالَى: كل الْعَمَل كَفَّارَة إلَاّ الصَّوْم) . قلت: أخرجه البُخَارِيّ فِي التَّوْحِيد عَن آدم عَن شُعْبَة بِلَفْظ: (يرويهِ عَن ربكُم قَالَ: لكل عمل كَفَّارَة، وَالصَّوْم لي وَأَنا أجزي بِهِ) . انْتهى، وَلم يذكر إلَاّ الصَّوْم، فَدخل فِي صدر الْكَلَام الصَّوْم، لِأَن لفظ: كل، إِذا أضيف إِلَى النكرَة يَقْتَضِي عُمُوم الْأَفْرَاد، وَلكنه أخرجه من ذَلِك، بقوله: (وَالصَّوْم لي وَأَنا أجزي بِهِ) لحصوصية فِيهِ من الْوُجُوه الَّتِي ذَكرنَاهَا، وَإِن كَانَت جَمِيع الْأَعْمَال لله تَعَالَى. وَقيل: إِن الصَّوْم لَا يظْهر فتكتبه الْحفظَة كَمَا لَا تكْتب سَائِر أَعمال الْقُلُوب، وَقيل: اسْتندَ قَائِله إِلَى حَدِيث واهٍ جدا، أوردهُ ابْن الْعَرَبِيّ فِي المسلسلات، وَلَفظه: (قَالَ الله: الْإِخْلَاص سرُّ من سري أستودعه قلب من أحب لَا يطلع عَلَيْهِ ملك فيكتبه، وَلَا شَيْطَان فيفسده) . قيل: اتَّفقُوا على أَن المُرَاد بالصيام هُنَا صِيَام من سلم صِيَامه من الْمعاصِي قولا وفعلاً. وَنقل ابْن الْعَرَبِيّ عَن بعض الزهاد أَنه مَخْصُوص بصيام خَواص الْخَواص، فَقَالَ: إِن الصَّوْم على أَرْبَعَة أَنْوَاع: صِيَام الْعَوام، وَهُوَ الصَّوْم عَن الْأكل وَالشرب وَالْجِمَاع، و: صِيَام خَواص الْعَوام، وَهُوَ الصَّوْم وَهُوَ هَذَا مَعَ اجْتِنَاب الْمُحرمَات من قَول أَو فعل، وَصِيَام الْخَواص وَهُوَ الصَّوْم عَن ذكر غير الله وعبادته، وَصِيَام خَواص الْخَواص وَهُوَ الصَّوْم عَن غير الله، فَلَا فطر لَهُم إلَاّ يَوْم لِقَائِه.
قَوْله: (الْحَسَنَة بِعشر أَمْثَالهَا) ، كَذَا وَقع مُخْتَصرا عِنْد البُخَارِيّ، وروى يحيى بن بكير عَن مَالك فِي هَذَا الحَدِيث بعد قَوْله: (والحسنة بِعشر أَمْثَالهَا، فَقَالَ: كل حَسَنَة بِعشر أَمْثَالهَا إِلَى سَبْعمِائة ضعف إلَاّ الصّيام فَهُوَ لي وَأَنا أجزي بِهِ) . فَخص الصّيام بالتضعيف على سَبْعمِائة ضعف فِي هَذَا الحَدِيث، وَإِنَّمَا عقبه بقوله: (والحسنة بِعشر أَمْثَالهَا) إعلاما بِأَن الصَّوْم مُسْتَثْنى من هَذَا الحكم فَكَأَنَّهُ قَالَ: سَائِر الْحَسَنَات بِعشر الْأَمْثَال بِخِلَاف الصَّوْم فَإِنَّهُ بأضعافه بِدُونِ الْحساب، وَالْحَاصِل أَن الصّيام لَا يتَقَيَّد بأعداد التَّضْعِيف، بل الله يجْزِيه على ذَلِك بِغَيْر حِسَاب. فَإِن قلت: الْأَمْثَال جمع مثل، وَهُوَ مُذَكّر، فمنزلته: بِعشْرَة أَمْثَالهَا، بِالتَّاءِ الَّتِي هِيَ عَلامَة التَّأْنِيث؟ قلت: مثل الْحَسَنَة هُوَ الْحَسَنَة، فَكَأَنَّهُ قَالَ: بِعشر حَسَنَات، وَقَالَ الْكرْمَانِي: فَإِن قلت: قد يكون لسبعمائة، وَالله يُضَاعف لمن يَشَاء. قلت: هَذَا أَقَله، والتخصيص بِالْعدَدِ لَا يدل على الزَّائِد وَلَا عَدمه.
٣ - (بابٌ الصَّوْمُ كَفَّارَةٌ)
أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ الصَّوْم كَفَّارَة، هَذَا فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين بتنوين: بَاب، وَفِي رِوَايَة غَيره: بَاب الصَّوْم كَفَّارَة، بِالْإِضَافَة. وَفِي نُسْخَة الشَّيْخ قطب الدّين الشَّارِح: بَاب كَفَّارَة الصَّوْم أَي: بَاب تَكْفِير الصَّوْم للذنوب.
٥٩٨١ - حدَّثنا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الله قَالَ حَدثنَا سُفْيانُ قَالَ حدَّثا جامِعٌ عنْ أبِي وَائِلٍ عنْ حُذَيْفَةَ قَالَ قَالَ عُمَرُ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ مَنْ يَحْفَظُ حَديثا عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الفِتْنَةِ قَالَ حُذَيْفَةُ أَنا سَمِعْتُهُ يَقُولُ فِتْنَةُ الرَّجُلِ فِي أهْلِهِ ومالِهِ وجارِهِ تُكَفِّرُهَا الصَّلاةُ والصِّيَامُ والصَّدَقَةُ قَالَ لَيْسَ أسْألُ عنْ ذِهْ إنَّمَا أسْألُ عنِ الَّتي تَمُوجُ كَما يَمُوجُ الْبَحْرُ قَالَ حُذَيْفَةُ وإنَّ دُونَ ذَلِكَ بَابا مُغْلَقا قَالَ فَيُفْتَحُ أوُ يُكْسَرُ قَالَ يُكْسَرُ قَالَ ذَاكَ أجْدَرُ أنْ لَا يُغْلَقَ إلَى يَوْمِ القِيَامَةِ فَقُلْنَا لِمَسْرُوقٍ سَلْهُ أكانَ عُمَرُ مَنِ الْبَابُ فسَألَهُ فَقالَ نَعَمْ كَمَا يَعْلَمُ أنَّ دُونَ غَدٍ اللَّيْلَةَ..
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (تكفرها الصَّلَاة وَالصِّيَام) ، وَقد تقدم هَذَا الحَدِيث فِي أَوَائِل كتاب مَوَاقِيت الصَّلَاة فِي: بَاب الصَّلَاة كَفَّارَة، وَترْجم هُنَاكَ بِالصَّلَاةِ، وَهنا بالصيام، وَأخرجه هُنَاكَ: عَن مُسَدّد عَن يحيى عَن الْأَعْمَش عَن شَقِيق عَن حُذَيْفَة، وشقيق كنيته أَبُو وَائِل، وَهنا أخرجه: عَن عَليّ بن عبد الله عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة عَن جَامع بن أبي رَاشد الصَّيْرَفِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute