٣١١ - (بابُ اسْتِئْذَانِ الرَّجَلِ الإمَامَ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم استيذان الرجل من الرّعية، أَي: طلبه الْإِذْن من الإِمَام فِي الرُّجُوع أَو التَّخَلُّف عَن الْخُرُوج أَو نَحْو ذَلِك.
لِقَوْلِهِ عَزَّ وجَلَّ: {إنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّه ورسُولِهِ وإذَا كانُوا معَهُ علَى أمْرٍ جامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتأذِنُوهُ إنَّ الَّذِينَ يَسْتأذِنُونَكَ} (النُّور: ٢٦) . إِلَى آخر الْآيَة
هَذِه الْآيَة الْكَرِيمَة فِي سُورَة النُّور، وتمامها: {أُولَئِكَ الَّذين يُؤمنُونَ بِاللَّه وَرَسُوله فَإِذا استأذنوك لبَعض شَأْنهمْ فاذن لمن شِئْت مِنْهُم واستغفر لَهُم الله إِن الله غَفُور رَحِيم} (النُّور: ٢٦) . والاحتجاج بهَا فِي قَوْله: {فَإِذا استأذنوك لبَعض شَأْنهمْ فَأذن لمن شِئْت مِنْهُم} (النُّور: ٢٦) . وَوجه ذَلِك أَن الله تَعَالَى جعل ترك ذهابهم عَن مجْلِس رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى يستأذنوه ثَالِث الْإِيمَان بِاللَّه، وَالْإِيمَان بِرَسُولِهِ وجعلهما كالتسبب لَهُ والبساط لذكره، وَذَلِكَ مَعَ تصدير الْجُمْلَة بإنما، وإيقاع الْمُؤمنِينَ مُبْتَدأ مخبرا عَنهُ بموصول أحاطت صلته بِذكر الإيمانين، ثمَّ عقبه بِمَا يزِيدهُ توكيداً وتشديداً حَيْثُ أَعَادَهُ على أسلوب آخر وَهُوَ قَوْله: {إِن الَّذين يَسْتَأْذِنُونَك أُولَئِكَ الَّذين يُؤمنُونَ بِاللَّه وَرَسُوله} (النُّور: ٢٦) . وَالْمرَاد بِالْأَمر الْجَامِع: الطَّاعَة يَجْتَمعُونَ عَلَيْهِ نَحْو: الْجُمُعَة والنحر وَالْفطر وَالْجهَاد وَأَشْبَاه ذَلِك. قَوْله: {لم يذهبوا حَتَّى يستأذنواه} (النُّور: ٢٦) . قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا صعد الْمِنْبَر يَوْم الْجُمُعَة وَأَرَادَ الرجل أَن يخرج من الْمَسْجِد لحَاجَة أَو عذر لم يخرج حَتَّى يسْتَأْذن، أَي: يقوم فيراه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَيعرف أَن لَهُ حَاجَة، فَيَأْذَن لَهُ، قَالَ مُجَاهِد: وَإِذن الإِمَام يَوْم الْجُمُعَة أَن يُشِير بِيَدِهِ، وَلم يَأْمُرهُ الله تَعَالَى بِالْإِذْنِ لكلهم، بل قَالَ: {فاذن لمن شِئْت} (النُّور: ٢٦) . قَالَ مقَاتل: نزلت فِي عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، اسْتَأْذن فِي الرُّجُوع إِلَى أَهله فِي غَزْوَة تَبُوك، فَأذن لَهُ. وَقَالَ: انْطلق مَا أَنْت بمنافق، يُرِيد بذلك تسميع الْمُنَافِقين. وَقَالَ الْمُهلب: هَذِه الْآيَة أصل أَن لَا يبرح أحد من السُّلْطَان إِذا جمع النَّاس لأمر من أُمُور الْمُسلمين يحْتَاج فِيهِ إِلَى اجْتِمَاعهم إلَاّ بِإِذْنِهِ، فَإِن رأى أَن يَأْذَن لَهُ أذن وإلَاّ لم يَأْذَن لَهُ.
٧٦٩٢ - حدَّثنا إسْحَاقُ بنُ إبْرَاهِيمَ قَالَ أخبرنَا جَرِيرٌ عنِ المُغِيرَةِ عنِ الشَّعْبِيِّ عنْ جابِرِ ابنِ عَبْدِ الله رَضِي الله تَعَالَى عنهُما قَالَ غَزَوْتُ معَ رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ فتَلاحَقَ بِيَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَنا علَى ناضِحٍ لَنا قَدْ أعْيَا فَلَا يَكادُ يَسِيرُ فَقَالَ لي مَا لِبَعِيرِكَ قَالَ قُلْتُ عَيِيَ قَالَ فتَخَلَّفَ رسولُ الله فَزَجَرَهُ ودعا لَهُ فَما زَالَ بَيْنَ يَدَيِ الإبِلِ قدَّامُها يَسِيرُ فَقَالَ لي كَيْفَ تَرَى بَعِيرَكَ قَالَ قُلْتُ بِخَيْرٍ قَدْ أصَابَتْهُ برَكَتُكَ قَالَ أفَتَبِيعُنِيهِ قَالَ فاسْتَحْيَيْتُ ولَمْ يَكُنْ لَنا ناضِحٌ غَيْرَهُ قَالَ فَقُلْتُ نَعَمْ قَالَ فَبِعْنِيهِ فبِعْتُهُ إيَّاهُ علَى أنَّ لِي فِقارَ ظَهْرِهِ حتَّى أبْلُغَ المَدِينَةِ قالَ فَقُلْتُ يَا رسولَ الله أنِّي عَرُوسَّ فاسْتأذَنْتُهُ فأذِنَ لِي فتَقَدَّمْتُ النَّاسَ إلَى المَدِينَةِ حَتَّى أتَيْتُ المَدِينَةَ فلَقِيَنِي خَالِي فسَألَنِي عنِ البَعِيرِ فأخْبَرْتُهُ بِمَا صَنَعْتُ فِيهِ فَلَامَنِي قَالَ وقَدْ كانَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لي حِينَ اسْتأذَنْتُهُ هَلْ تَزَوَّجْتَ بِكْراً أمْ ثَيِّبَاً فقُلْتُ تَزَوَّجْتُ ثَيِّباً فَقال هَلَاّ تَزَوَّجْتَ بِكْرَاً تُلاعِبُهَا وتُلاعِبُكَ قُلْتُ يَا رسولَ الله تُوُفِّيَ والِدِي أوِ اسْتُشْهِدَ ولِي أخَوَاتٌ صِغَارٌ فَكَرِهْتُ أنْ أتَزَوَّجَ مِثْلَهُنَّ فلَا تُؤَدِّبُهُنَّ ولَا تَقُومُ عَلَيْهِنَّ فتَزَوَّجْتُ ثَيِّباً لِتَقُومَ عَلَيْهِنَّ وتُؤَدِّبُهُنَّ قَالَ فَلَمَّا قَدِمَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم المَدِينَةَ غَدَوْتُ علَيْهِ بالبَعِيرِ فأعْطَانِي ثَمَنَهُ ورَدَّهُ علَيَّ..
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (إِنِّي عروس فاستأذنته فَأذن لي) ، وَإِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم الْمَعْرُوف بِابْن رَاهَوَيْه، وَجَرِير
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute