وَأجِيب بِأَنَّهُ كَانَ على وَجه الْغَلَبَة. قَوْله: (يغْفر لَهُ) بجزم الرَّاء لِأَنَّهُ جَوَاب الشَّرْط وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: فغفر لَهُ، بِالْفَاءِ على صِيغَة الْمَاضِي. قَوْله: (بعد) بِضَم الدَّال لِأَنَّهُ قطع عَن الْإِضَافَة فَبنى على الضَّم. قَوْله: (من جرأتي) بِضَم الْجِيم أَي: من إقدامي عَلَيْهِ. (وَالله وَرَسُوله أعلم) قيل: الظَّاهِر أَنه من عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَيحْتَمل أَن يكون من قَول ابْن عَبَّاس.
١٣ - (بابُ قَوْلِهِ: {وَلا تُصَلِّ عَلَى أحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أبَدا وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ} (التَّوْبَة: ٨٤)
أَي: هَذَا بَاب فِي قَوْله تَعَالَى: {وَلَا تصل} إِلَى آخِره، وَظَاهر الْآيَة أَنَّهَا نزلت فِي جَمِيع الْمُنَافِقين لَكِن ورد مَا يدل على أَنَّهَا نزلت فِي عدد معِين مِنْهُم. قَالَ الْوَاقِدِيّ: أخبرنَا معمر عَن الزُّهْرِيّ: قَالَ: قَالَ حُذَيْفَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قَالَ لي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنِّي مسر إِلَيْك سرا فَلَا تذكره لأحد، إِنِّي نهيت أَن أُصَلِّي على فلَان وَفُلَان، رَهْط ذَوي عدد من الْمُنَافِقين، قَالَ: فَلذَلِك كَانَ عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، إِذا أَرَادَ أَن يُصَلِّي على أحد استتبع حُذَيْفَة فَإِن مَشى مَشى مَعَه، وَإِلَّا لم يصل عَلَيْهِ، وَمن طَرِيق آخر عَن جُبَير ابْن مطعم، إِنَّهُم اثْنَا عشر رجلا.
٤٦٧٢ - ح دَّثني إبْرَاهِيمُ بنُ المُنْذِرِ حدَّثنا أنَسُ بنُ عِياض عَن عُبَيْدِ الله عَنْ نافعٍ عنِ ابنِ عُمَرَ رَضِيَ الله عَنْهُمَا أنَّهُ قَالَ لَمَا تُوُفِّيَ عَبْدُ الله بنُ أُبَيٍّ جاءَ ابْنُهُ عَبْدُ الله بنُ عَبْدِ الله إلَى رَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأعْطاهُ قَمِيصَهُ وَأَمَرَهُ أنْ يُكَفِّنَهُ فِيهِ ثُمَّ قَامَ يُصَلِّي عَلَيْهِ فَأَخَذَ عُمَرُ بنُ الخَطابِ بِثَوْبِهِ فَقَالَ تُصَلِّي عَلَيْهِ وَهُوَ مُنافِقٌ وَقَدْ نَهَاكَ الله أنْ تَسْتَغْفِرَ لَهُمْ قَالَ إنّما خَيَّرَنِي الله أوْ أُخبرَني الله فَقَالَ: {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةَ فَلَنْ يَغْفِرَ الله لَهُمْ} (التَّوْبَة: ٨٠) فَقَالَ سَأُزِيدُ عَلَى سَبْعِينَ قَالَ فَصَلّى عَلَيْهِ رَسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَصَلَيْنَا مَعَهُ ثُمَّ أنْزَلَ الله عَلَيْهِ: {وَلا تُصَلِّ عَلَى أحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أبَدا وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إنَّهُمْ كَفَرُوا بِالله وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ} .
هَذَا وَجه آخر فِي الحَدِيث الْمَذْكُور عَن ابْن عمر فِي الْبَاب الَّذِي قبله. قَوْله: (إِنَّمَا خيرني الله أَخْبرنِي) ، كَذَا وَقع بِالشَّكِّ وَالْأول من التَّخْيِير. وَالثَّانِي من الْإِخْبَار، وَوَقع فِي أَكثر الرِّوَايَات: خيرني: يَعْنِي بَين الاسْتِغْفَار وَتَركه، وَكَذَا وَقع بِغَيْر شكّ عِنْد الْإِسْمَاعِيلِيّ أخرجه من طَرِيق إِسْمَاعِيل بن أبي أويس عَن أبي ضَمرَة وَهُوَ أنس بن عِيَاض بِلَفْظ إِنَّمَا خيرني الله من التَّخْيِير فَحسب، وَقد اسْتشْكل فهم التَّخْيِير من الْآيَة حَتَّى إِن جمَاعَة من الأكابر طعنوا فِي صِحَة هَذَا الحَدِيث مَعَ كَثْرَة طرقه، مِنْهُم: القَاضِي أَبُو بكر فَإِنَّهُ قَالَ لَا يجوز أَن يقبل هَذَا وَلَا يَصح أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَه: وَمِنْهُم: أَبُو بكر الباقلاني فَإِنَّهُ قَالَ فِي (التَّقْرِيب) هَذَا الحَدِيث من أَخْبَار الْآحَاد الَّتِي لَا يعلم ثُبُوتهَا وَمِنْهُم: إِمَام الْحَرَمَيْنِ. قَالَ فِي (مُخْتَصره) هَذَا الحَدِيث غير مخرج فِي الصَّحِيح، وَقَالَ فِي (الْبُرْهَان) لَا يُصَحِّحهُ أهل الحَدِيث. وَمِنْهُم: الْغَزالِيّ، قَالَ فِي (الْمُسْتَصْفى) الْأَظْهر أَن هَذَا الحَدِيث غير صَحِيح وَمِنْهُم: الدَّاودِيّ، قَالَ: هَذَا الحَدِيث غير مَحْفُوظ، وَأجِيب بِأَنَّهُم ظنُّوا أَن قَوْله: (ذَلِك بِأَنَّهُم كفرُوا) ، الْآيَة نزل مَعَ قَوْله: {اسْتغْفر لَهُم أَو لَا تستغفر لَهُم} وَلم يكن نُزُوله إلاّ متراخيا عَن صدر الْآيَة فَحِينَئِذٍ يرْتَفع الْإِشْكَال وَقد قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ، مَا فِيهِ رفع للإشكال الْمَذْكُور، وَمُلَخَّص سُؤَاله أَنه قد تَلا قَوْله: (ذَلِك بِأَنَّهُم كفرُوا) قَوْله: (اسْتغْفر لَهُم أَو لَا تستغفر لَهُم) فَبين الصَّارِف عَن الْمَغْفِرَة لَهُم، وَمُلَخَّص جَوَابه أَنه مثل قَول إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام: {وَمن عَصَانِي فَإنَّك غَفُور رَحِيم} (إِبْرَاهِيم: ٣٦) وَذَلِكَ أَنه تخيل بِمَا قَالَ إِظْهَار الْغَايَة رَحمته ورأفته على من بعث إِلَيْهِ، وَقد رد كَلَام الزَّمَخْشَرِيّ هَذَا من لَا يدانيه وَلَا يجاريه فِي مثل هَذَا الْبَاب، فَإِنَّهُ قَالَ: لَا يجوز نِسْبَة مَا قَالَه إِلَى الرَّسُول لِأَن الله أخبر أَنه لَا يغْفر للْكفَّار وَإِذا كَانَ لَا يغْفر لَهُم فَطلب الْمَغْفِرَة لَهُم مُسْتَحِيل. وَهَذَا لَا يَقع من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ورد عَلَيْهِ بِأَن النَّهْي عَن الاسْتِغْفَار لمن مَاتَ مُشْركًا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute